آخر تحديث :الاثنين 25 اغسطس 2025 - الساعة:10:46:07
خمسون يوما من الحصار.. ماذا حدث فيها؟ وماذا دار؟
«المضلوم».. قلعة الضالع القبلية وحصنه الحصين
("الأمناء" / بكيل القحطاني الجحافي:)

تفاصيل معارك وقصص حصن المضلوم شمال غرب الضالع

التصاق قريتي "الدقة والحود" بـ"المضلوم" جعلهما تدفعان فاتورة باهظة من الأرواح

ماذا رد الحوثي على أم سميح عندما اتصلت بابنها؟

 

"الأمناء" / بكيل القحطاني الجحافي:

"موقع وحصن المضلوم"، جناح الميمنة للأعداء، حيث تركز فيه الظلم والطغيان والجبروت لما يقارب عقدين ونيف من الزمن، وزاد عليه صرخة الموت القادم من شمال الشمال من كهوف مران وخزعبلات إيران، وبسبب موقعها تدفع "الدقة" و"الحود" الثمن.

«المضلوم» قلعة الضالع القبلية، الحصن الحصين المطل على قريتي الدقة والحود شمال غرب مدينة الضالع، والمسيطر سيطرة مباشرة وكاملة ومحكمة على معسكراتهم الاستراتيجية، كاللواء عبود ومعسكر الأمن المركزي والطريق العام إلى مداخل المدينة بالإضافة إلى سيطرته شبه المباشرة لكل الضالع (المدينة). ونتيجة لهذا الموقع الاستراتيجي الهام تشبث بهِ الأعداء تشبث الغريق من الموت، والذي إن سقط سقطت نصف المواقع أن لم نقل كلها.

نفذت المقاومة الجنوبية عدة هجمات واستطاعت بالفعل من إسقاط "المضلوم" لأكثر من مرة وإضرام النار في رأسه إلا أن المقاومة الجنوبية لم تكن تمتلك بعد استراتيجية السيطرة والبقاء، فالجبهات تقاتل منفردة وساعة الصفر ما زالت سرا غامضا.

تلتصق قريتا الدقة والحود بهذا الموقع التصاقا مباشرا كالتصاق الكتف بالرأس، ولهذا دفعت تلك القريتان فاتورة كبيرة وباهظة من الدم والأرواح لمختلف فئاتها وشرائحها الاجتماعية، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا، وتعرضت لحصار خانق ومطبق لما يقارب الخمسين يوما من أيام الحرب لم تشهد أي منطقة حصارا كهذا في التاريخ، منعوا الداخل والخارج واستهدفوا كل شيء يتحرك كان بشرا أو حيوانا, عاقلا أو مجنونا, بل وأجبروا أهلها على مغادرة الدور العليا لمنازلهم متخذين من الدور السفلى والبدروم سجونا إجبارية، وتحولت قريتا الدقة والحود المأهولة بالسكان إلى ساحة حرب وميدان قتال بل إلى لواءين عسكريين محاصرين من كل اتجاه واعتبروا الجميع دواعش، قتلهم حلال في معتقدات وملازم القادمين من كهوف مران.

مثّل المضلوم قلعة الدفاع الأقوى بالنسبة للأعداء, والحارس الأمين لمعسكراتهم، كـ"لواء عبود" ومعسكر الأمن المركزي ومقاتليهم في خطوط النار الأمامية كالصفراء ودار الخياطة، بالإضافة إلى تمكنه المباشر من مهاجمة أفراد المقاومة الجنوبية في الجبهة الشرقية والوسط والغربية للعرشي، خاصة وقد تم تزويده من قبل بسلاح الثلاثة والعشرين في الصافح الشرقي، وثلاث دشكات 14, ومعدلات, ورشاشات, وهذا بالفعل سبب ضعفا إلى حد ما لجبهة الوسط، والجبهة الغربية للعرشي، وتعرض أبطال وأفراد هاتين الجبهتين لأكبر قدر من الهجوم والاستهداف بالسلاح الثقيل والمتوسط والخفيف حيث كانت دشكا المضلوم المتمترسة بالوسط الناحية الشرقية هي أكثر وأفظع آلة حربية متوحشة استخدمها العدو بعد سلاح الـ 23 الذي كان هو الآخر يتمترس رأس موقع العوالل أو ما تسمى بسارية العلم, وهنا أتذكر صورة ما زالت في ذهني حين أطلقت دبابة العوالل قذيفة فجر يوم الخميس 4/23 على مترس داخله دشكا للمقاومة الجنوبية كانت في الجبهة الغربية للعرشي بالقرب من منزل عبد الرقيب العيفري, القذيفة أدت إلى اقتلاع الأكياس مع الدشكا ليخرج بعدها مباشرة من بين الغبار ومن نفس المكان ثلاثة أبطال انسحبوا إلى معهد العرشي.. حتى اليوم ما زلت أبحث عن هؤلاء الثلاثة: من هم؟ ما أسماؤهم؟

المضلوم, الذي لا نستطع أن نقف عند جميع التفاصيل الدقيقة لأحداثه ومسرح عملياته، ولا نستطيع ذكر أسماء الرجال والأبطال والشهداء الذين سقطوا جميعا فنحن لسنا بصدد التدوين أو التوثيق لكننا نعرج بذكر أهم وأبرز الأحداث والمواقف كشواهد لنتذكر جميعا ما صنعه هؤلاء الرجال والأبطال وما قدمته الحود والدقة من تضحيات وحصار لم ولن تمحوها الأيام ولا السنين ولا الزمن وأدعو إخواني الكتاب والمثقفين من أبناء الحود والدقة كتابة تاريخهم وخاصة حصار الخمسين يوما من العام ٢٠١٥م ولما تعرضوا له.

فأما الأحداث فتخيل أخي الكريم معركة كمعركة ليلة السابع عشر من مايو, اشترك فيها جميع أنواع السلاح الثقيل والخفيف والمتوسط بين الطرفين مع عدم وجود مقارنة على الإطلاق بين ما تملكه المقاومة الجنوبية والمعتدي، فهناك جيش نظامي مدرب ومزود بكافة أنواع السلاح، وهنا مقاومة طوعية سلاحها الثقيل هي دبابة واحدة فقط.

في تلك الليلة بدأت المعركة الساعة الحادية عشر ليلا, جميع مواقع المقاومة وما فيها من سلاح تصب نارها نحو المضلوم، وجميع مواقع العدو تدافع وبقوة إلى مصادر النيران, انفجارات هائلة تهز المضلوم ،وكتل نار حمراء ملتهبة تتصادم فوق سماء الدقة والحود لتسقط على رؤوس ساكنيها ,دبابة الدريب t 62 ، ترمي بقذائف حمراء مضيئة كأنها جمالات حمر، ودشكا عيفر والحميراء تغطية نارية كثيفة.. ساعة تقريبا، سكت صوت السلاح الثقيل والمتوسط والأبطال في الوسط من الموقع ليبقى صوت القنابل اليدوية لوحدها ما يقارب ساعة, قنابل ترمى إلى فوق، وقنابل ترمى إلى الأسفل.. هكذا كان النصف الآخر للمعركة! في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تعالت الأصوات من أعلى قمة المضلوم: الله أكبر، الله أكبر.. أشعلوا النار بالدشم والمتارس، أستأنست الضالع عامة بتلك النار وتعالت الصيحات من كل مكان: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. تخيل أخي القارئ حربا ضارية كهذه مسرح عملياتها وميدانها على رؤوس شيوخ ونساء وأطفال قريتي الحود والدقة إن لم نقل رجالها وشبابها والذين قد أصبحوا مشروع مقاومة وشهادة.

تخيل وتذكر أخي القارئ حربا كحرب يوم الأربعاء العاشرة صباحا ٢٠١٥م وطيران التحالف العربي يقصف المضلوم مباشرة بأربعة صواريخ، اثنين منها إلى المجمع الحكومي لم يتبقَ شيء، ترى سحبا سوداء وبيضاء تختلط فوق سماء الدقة والحود وتغطيها تماما، وهناك دخان آخر كان شاهدا عن حجم التحدي والصمود والإباء، إنه دخان أبيض يتصاعد من مطابخ البيوت الملتصقة بالمضلوم فما زال هناك سكان صامدون وما زالت هناك نساء يعددن الطعام لأفراد المقاومة الجنوبية، غير آبهات بما يحدث فالكل مشروع شهادة رجالا ونساء.

تخّيل حجم الاستهداف لكل شيء يتحرك، كيف سفكوا دم الشهيد الشيخ الطاعن في السن/ أحمد سيف حين ضاق به الحال, أخذ عصاه وخرج يتكئ بخطوات متثاقلة نحو مسجده لم يكن يخطر في باله أن خبث الإنسان للإنسان قد وصل إلى هذا الحال! كانت الصورة واضحة وهو يمشي أنه رجل قد تجاوز السبعين من عمره لم يرحموه، عمدا أطلقوا النار عليه, ظل ينزف حتى فارق الحياة، الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل!

أحمد سيف، ذلك الشيبة الكبير العجوز المسكين، لماذا قتلوه؟ ماذا عمل بهم؟ هكذا صرخت أم نواف عندما أخبرتها عن استشهاده، ما حجم التعبئة والحقد الدفين الذي يحملونه؟

 

حكاية أم سميح

كان لأم الشهيد سميح قصة تهتز لها الجبال وتتفطر لها القلوب، وهي تحكي خبر استشهاد ابنها سميح, بكل حرقة وألم وحزن تقول: يوم الأربعاء الساعة الثانية عشر ظهرا، غرة أبريل ٢٠١٥م، سمعت صوت اشتباكات قوية برأس المضلوم، كنت أعلم أن ابني لا شيء يرجعه عن القتال أو مرافقة القائد /علي الرجال. أخذت التلفون واتصلت على تلفونه كان يرن: هاه سميح وينك يا ابني الله يحفظك! رد عليها كلب من كلاب الحوثي: أيّين سميح..!! ابنك داعشي يا حاجة تابع أمريكا وإسرائيل. ترد الأم: أين سميح؟ أين ابني؟! ماذا عملت به؟ رد: ابنك قتلناه.. الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل.

فقدت الأم عقلها وقواها  لتعيش أربعه أيام في غيبوبة تامة، تخيل تلك الليلة وسبعة من خيرة شباب الدقة والحود كالشهيد القائد/علي الرجال, سميح محمد, صدام دبش ورفاقهم وهم جثث ملقاة على رأس المضلوم وزوامل الحوثي تعج بمكبرات الصوت في سماء الدقة والحود، تخيل قلوب أمهات وآباء وأبناء وزوجات شهداء هذه الليلة كيف كان حالهن!

لماذا قتلوا علي عانين المختل عقليا؟ وبأي ذنب استشهدا الأطفال نصر المرعي, وعبدالرحيم هادي, وإكرام مثنى، وغيرهم الكثير؟

كان لأم علي وعبدالله الفقيه قصة بحد ذاتها. بحزن وألم تقول: أربعون يوما من الحصار الجائر الظالم وأنا وأبنائي وأحفادي في غرف مظلمة أسفل الدار، حاولت يوما فتح نافذة صغيرة كي يدخل الضوء فإذا بانفجار مباشر وكأنه في وجهي, وشظايا تتطاير أمامي لولا لطف الله وحفظه كنت وأبنائي بين شهيد وجريح.

بجملة واحدة قال المهندس والمناضل/ فريد السنمي: "فصلوا الدقة والحود عن الضالع المدينة وجعلوا من الطريق بين الخياطة والصفراء معبر رفح لمدة خمسين يوما".

جاء يوم الملحمة الفاصلة في تاريخ الشعب والحرب يوم الخامس والعشرين من مايو, هذا اليوم الذي اقتلعت فيه الضالع جميع أدوات المذلة والعبودية والاستعمار البغيض إلى غير رجعة، تسابق الرجال أمثال الشجاع والمعدة والدبسي وأياد نحو المضلوم كما تسابق الرجال إلى باقي الجبهات اقتلعوا الظلم نصروا المضلوم طهروه من الرجس ليتحول إلى مزار للزائرين، صعد الرجال والأطفال والنساء وقفوا وعرفوا أي موقع هذا..! التقطوا صورا للذكر يتنفس الصعداء لأهالي الحود والدقة، أطلقوا أغنامهم ومواشيهم لتذهب وترعى بسلام، أسدل الستار عن عقدين ونيف من الزمن شرب الظالم نشوة انتصاراته وعربد مجنونه فوق أوجاعنا وأشلائنا لتعلن الضالع مساء الاثنين الموافق ٢٠١٥/٥/٢٥م الساعة الرابعة والربع انتهاء المعركة وتحرير الضالع إلى الساحة (الجليلة) وسكوت آخر طلقة لتبدأ جبهة تحرير الوبح والشوتري وسناح وتلك قصة أخرى.

 

*ملاحظة: تلك القصة ستكون ضمن كتاب خاص تحت عنوان: "الصراع على بوابة الجنوب.. ضالع الصمود"، قريبا في الأسواق.


#
#

شارك برأيك