آخر تحديث :الثلاثاء 19 مارس 2024 - الساعة:04:47:00
"الأمناء" تنفرد بنشر سيرته الذاتية ..
الشهيد القائد يحيى الشوبجي.. أسطورة النضال وعنوان التضحية ورمز الفداء
("الأمناء" تقرير/ علي الهدياني:)

اللواء بن بريك: الشهيد الشوبجي بطل استثنائي قدم روحه وثلاثة من أبنائه إيمانا بقضيته

تضحيات الشوبجي وأولاده.. حالة استثنائية لا تقرأ إلا بصفحات العظماء

 

"الأمناء" تقرير/ علي الهدياني:

تقف الكلمات حائرة وتتوارى الأحرف، ويتجمد الحبر في شرايين الأقلام خجلا ومهابة ونحن نحاول عبثا سبر أغوار تاريخ نضالي كبير كتاريخ أسطورة النضال وأيقونة الشهادة الشهيد القائد يحيى الشوبجي.

كيف لنا نحن أرباب الأقلام أن نتجرأ لنكتب تاريخ مناضل سطر تاريخه بدمه ودماء أولاده الذين ودعهم شهداء ترجلوا كالفرسان واحدًا تلو الآخر على امتداد جبهة واحدة رحلوا فداءً لوطن نذر الشهيد العملاق حياته وأولاده وكل ما يملك لأجله.

ترجّل ربان الثورة وملهم الأحرار شهيدا شامخا أبى إلا أن يعطر أديم الأرض التي أحبها وعشق ترابها حتى الثمالة بقطرات دمه الطاهر. ترجل هناك على امتداد الحدود التي حمل راية الذود عنها وعن ترابها الطاهر منذ صباه.

 

الشهيد في سطور

يحيى محمد مثنى الشوبجي، من مواليد 1/1/1962م قرية العبارى- م/الضالع، نشأ وترعرع في أسرة فلاحية فقيرة، لكنها غنية بأخلاقها ومبادئها، ومشهود لها بالتضحية والفداء ومقارعة الظلم والاستبداد.

والتحق الشهيد في عام 1970م مع قلَّة من أبناء منطقته والمناطق المجاورة للدراسة في معلامة البجح والدقاق؛ لتعليم القرآن والعلوم الشرعية واللغة العربية. وفي 1973م درس المرحلة الابتدائية في مدرسة سناح، ثم انتقل في 1976م إلى مدرسة حبيل السوق؛ لمواصلة الدراسة الإعدادية، ثم واصل مسيرته العلمية إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة.

حصل على المرتبة الأولى في جميع مراحل دراسته، فقد كان طالبًا متميزًا على أقرانه، متفوِّقًا على جميع زملائه.

والشهيد متزوج وأب لأحد عشر ولدًا، تسعة ذكور وبنتان، وأولاده الذكور هم: شلال، ومازن، وأنور، ونبيل، وصلاح، وأحمد، وصدام، ومحمد، وجارالله، قدم ثلاثة منهم شهداء ذودًا عن حياض الدين والأرض والعرض، هم: الشهيد شلال، والشهيد مازن، والشهيد أنور.

بما أن للشهيد الشوبجي مكانته الاجتماعية منذ وقت مبكر من عمره، ليس على مستوى القرية أو المنطقة فحسب، بل على مستوى المحافظة وما جاورها، فقد عمل على حلحلة الكثير والكثير من القضايا والمشاكل الشائكة سواء العرضية أو الممولة من نظام الاحتلال، ولكن بحنكته وذكائه وبمجهود ذاتي، حيث تحول منزله إلى ما يشبه المحكمة والنيابة وإدارة الأمن لفض النزاعات والقضايا التي تحصل على مستوى المنطقة والمحافظة، فلا يكاد يمر يوم إلا وهو يحل مشكلة ويفض نزاعا ويصلح خلافا ويقارب بين وجهات نظر ويردم فجوة ويطفئ فتنة ويخمد ثأرا ويرشد ضالا وينصح مخطئا وينصر مظلوما ويقارع ظالما بكل نشاط وحيوية رغم أمراضه الفتاكة من فشل القلب وانسداد شرايين القدمين وداء السكري والتهابات الرئة الحاد وانسداد شريان الكلية اليسرى إلا أنه كان شعلة من النشاط والحيوية.

 

المهام التي تقلدها

في 1978م اختير عضوا مرشحا بالحزب الاشتراكي، وفي 1980م عُيِّنَ رئيسًا لمنظمة لجان الدفاع الشعبية في العبارى، وفي 1982م حصل على العضوية الأساسية بالحزب الاشتراكي عن فئة الفلاحين والمزارعين بالعبارى، وفي 1984م شارك مشاركة فاعلة بالحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية وتعليم الكبار مشرفًا ومعلمًا مع احتفاظه بنشاطه ومنصبه في الحزب الاشتراكي.

وفي 1986م انتُخِبَ سكرتيرًا أولاً للمنظمة القاعدية للحزب الاشتراكي بمركز العبارى- حجر، وظل كذلك إلى 1990م.

وفي تلك الحقبة – حقبة الثمانينيات من القرن الماضي - كان أحد المشاركين الفاعلين بإيصال الدعم إلى أفراد الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى.

وفي 1993م شارك في الحملة الانتخابية لدعم مرشح الحزب الاشتراكي بمديرية الضالع شعفل عمر، ثم مارس نشاطه الحزبي خلال المرحلة الانتقالية إلى أن اندلعت حرب 1994م الغاشمة، وحينها كُلِّفَ قائدًا لفرقة مسلَّحة تتصدَّى لقوی البغي والعدوان من مسقط رأسه قرية العبارى؛ كونها على الشريط الحدودي للبلدين، وصمد يقاوم هناك هو ومجموعته، حسب شهادة رفقاء دربه، ببسالة لا نظير لها، ونتيجة لاحتدام المعركة، وتفوُّق جيش العدوان عددًا وعدَّة، وقلَّة إمكانات المقاومين؛ كونهم يقاومون بسلاحهم الشخصي جيشًا مدرَّبًا تدريبًا عاليًا، ويقاتل بكافة أنواع الأسلحة الحديثة والمتطوِّرة، أمر الشوبجي رفاقه بالانسحاب من منطقة العبارى والتموضع في شعب فاجع وحبيل السوق، ثم قطع المسافة من طريق غمدان إلى قرية الشعب، ونجح في انسحابه التكتيكي إلى قرية الشعب، وهناك حدثت معارك شرسة في موقع السرية، استُشْهِدَ فيها عدد من مجموعته، وجُرِحَ آخرون، وحفاظًا على أفراد مجموعته اضطر إلى الانسحاب حتى وصل مدينة الضالع، ثم ظل يقاوم حتى سقطت الضالع بيد جحافل الاحتلال.

ولم ييأس، أو يستسلم، بل شارك بكلِّ الجبهات، فظل يقاوم هو ومن بقي حيًّا من مجموعته أمثال: المناضل صالح أحمد الشعيبي (نشوان)، والمناضل عبدالله صالح مساعد، والمناضل صالح ناجي العماري، وغيرهم - لم تسعفني ذاكرتي بذكر أسمائهم - حتى وصل إلى منطقة العند فالعشش، ثم إلى عدن.

يقول شاهد عيان العميد عبدالرحمن بن يحيى المفلحي: "تعرفت على أبي الشهداء الشهيد المناضل يحيى الشوبجي في حرب صيف 1994م، كان رجلًا شجاعًا ومقاتلًا محترفًا، وصل إلينا في التواهي بعدن مع مجموعة من منطقة حجر بسناح الضالع، والحرب كانت في قاعدة العند طلبوا تسليحهم ومدَّهم بالذخائر لأجل القتال، فشكلوا مجموعة قتالية باسم مجموعة عنتر، وكان الشهيد قائدها، وبعد صرف السلاح والذخائر ذهب مع رفاقه إلى أرض المعركة في بستان الحسيني بلحج، فقاتل واستبسل، ورغم استشهاد عدد من رفاقه وجرح آخرين إلا إنه لم يستسلم، واستمرَّ بالقتال حتى وصلت قوات الاحتلال إلى عدن في 7/7/1994م".

وأضاف المفلحي: "حينما شاهد الشهيد الشوبجي الدبابات تجوب شوارع المنصورة بكى بحرقة، وكانت علامات الألم بادية على محيَّاه وقال الشهيد: هذا احتلال حقير، ولكن سنقاتلهم ما زلنا على قيد الحياة نحن وأولادنا".

ذهب الشهيد الشوبجي بعد ذلك ورفقاء دربه: أحمد محمد ناجي، وأحمد علي الوجيه، ويحيى محمد عبيد، إلى القاعدة البحرية للبحث عن السلاح والذخائر، ثم توجهوا إلى جبهات القتال في مشارف عدن وبالتحديد منطقة جعولة.

وفي 1995م، أي بعد حرب 1994م، ظنَّ العدو أنَّ الحزب الاشتراكي قد انتهى بانتهاء الحرب، فكذَّب الشهيد الشوبجي أمانيهم، إذ إنه وضع بندقيَّته من على كتفه مُكْرهًا، لكنه لم يتنازل عن إيمانه العميق بوجوب طرد المحتلين من أرضه، فعمل على إعادة ترتيب أوراق الحزب الاشتراكي، وعقد أول اجتماع للمنظمة القاعدية للحزب، آنذاك، في مسقط رأسه قرية العبارى، وتم عقد الاجتماع الانتخابي للمنظمة القاعدية، وكان الاجتماع أول اجتماع للحزب بعد الحرب على مستوى الضالع خاصة والجنوب عامة، وقد حضر الاجتماع عدد من المناضلين منهم: الفقيد المناضل أمين صالح محمد، والمناضل عبدالحميد طالب، والمناضل أحمد حرمل، فهؤلاء هم النواة الأولى لإحياء الحزب بعد أن ظن العدو أنه قد قضى على الحزب تمامًا.

وخلال تلك الحقبة الزمنية ظلَّ الشهيد ورفاقه مستمرِّين بالعمل التنظيمي للحزب إلى أن تمَّ تشكيل اللجان الشعبية بالضالع بقيادة المناضل الفقيد أمين صالح محمد ورفقاء دربه، وعمل الاجتماع على إعادة أمل التحرير إلى روح الشهيد وضميره، فإن تكن أصبعه قد ابتعدت عن زناد سلاحه مرغمة، فإنّ عقله ما برح يفكِّر بلقاء العدو، وروحه تتوق لمواجهة عسكريَّة حاسمة، ولقي مبتغاه بحركة تقرير المصير (حتم)، فأسهم هو ورفاقه بالانضمام إليها وتشكيل نواتها، وأضحت أوَّل حركة تتبنَّى الكفاح المسلَّح لتحرير الجنوب بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُّبَيدي؛ فنفَّذت أولى عملياتها العسكرية بمهاجمة عدد من المواقع العسكرية المطلَّة على مدينة الضالع ليلة 21 مايو 1998م.

وفي 1998م انتخب مندوبًا لمنظمة الحزب بمديرية الضالع بمؤتمر العام الرابع للحزب الاشتراكي المنعقد بصنعاء، وفي 1999م انتخب عضو سكرتارية للمديرية في منظمة الحزب، وفي 2001م انتخب سكرتيرًا ثانيًا لمنظمة الحزب بالضالع، وفي 2001م انتخب عضوًا للمجلس المحلِّي عن الحزب الاشتراكي بمديرية الضالع. وفي 2006م انتخب سكرتيرًا أولًا لمنظمة الحزب بمديرية الضالع وظل في هذا الموقع إلى يوم استشهاده.

وقد كان لأبي الشهداء الشوبجي حضوره البارز بتشكيل مكونات الثورة السلمية، ملتقى التصالح والتسامح الجنوبي، ثم جمعية المتقاعدين الجنوبيين، ثم هيئة الحراك السلمي الجنوبي. وكان مشاركًا فاعلًا في تأسيس المجلس الوطني للتحرير والاستقلال في منطقة العسكرية في يافع بقيادة باعوم.

وحينما تمَّت الدعوة إلى توحيد مكونات الثورة الجنوبية السلمية تحت مكون واحد كان الشهيد الشوبجي من أوائل الداعين إلى ذلك لإيمانه أن لا نجاح لثورتنا التحررية ولا خلاص من المحتلين إلا بتوحيد الجهود تحت مكون واحد.

وخلال تلك الفترة المفصلية من الثورة الجنوبية ونتيجة لنشاط الشهيد الفاعل في الثورة السلمية الجنوبية داهمت قوات الاحتلال منزله، وتعرض للملاحقات والاعتقالات عدة مرَّات.

 

سنوات من الاعتقالات والمداهمات

اعتُقِلَ بالعاصمة عدن في 29 نوفمبر 2007م هو والمناضل أحمد حرمل، والشهيد محمد العقلة وآخرون، ثم اعتقل مرة أخرى بالعاصمة عدن في 30 نوفمبر 2007م هو ونجله نبيل بعد خروجه من السجن مباشرة، واعْتُقِلَ 2008م من ساحة الهاشمي، ثم اقتيد لسجن القاهرة، ومكث فيه ثلاثة أيام، ثم نُقِلَ لسجن البحث الجنائي بعدن، ثم اعتقل بالضالع 2009م، كما حاصرت قوات الاحتلال الغاشم منزل الشهيد بقرية العبارى 2010م بأربعة أطقم أمن مركزي مدججة بجميع أنواع الأسلحة، ثم قامت بمداهمته.

وفي 2011م داهمت قوات الاحتلال المسمَّاة بقوات الأمن العام، ظلمًا، منزل الشهيد القائد يحيى الشوبجي في قرية العبارى، إلى جانب ذلك كان للشهيد حضوره بالفعاليات، والمليونيات، والمهرجانات، والاحتجاجات التي كانت المكونات الجنوبية تقيمها بالضالع، وفي محافظات الجنوب، يذهب هو وأولاده، ونفقاتهم ومواصلاتهم على أنفسهم، بل إنه لم يكتفِ بذلك فكان يساهم بالدعم المالي للمشاركين، وفي التحشيد بكل الفعاليات.

إن من يرفضون ربقة الذلِّ والاستعباد أمثال شهيدنا البطل يحيى الشوبجي وأولاده سيسجلهم التاريخ بصفحاته بأحرف من نور؛ لأنهم يمثلون حالة استثنائية نادرة، لا تقرأ عنها إلا في صفحات العظماء، حيث إنه لم يكن لديه أيَّ وظيفة رسمية، سواء عسكرية أو مدنية، ولم يكن لديه منصب بالدولة يريد استعادته أو مال يريد أن يستكثره، فنضاله كان طوعاً ووطنياً خالصاً، من ماله الخاص ومن قوت أولاده، وهذه تعتبر حالة أسطورية نادرة.

ودعمه لم يتوقف على المسيرات والمهرجانات، فعند إنشاء مخيم الاعتصام بساحة العروض كان الشهيد من أوائل الداعمين لهم مادياً ومعنوياً هو وأبناؤه، وعلى وجه الخصوص ابنه الشهيد شلال الشوبجي الذي كان أحد القادة المدنيين بساحة الاعتصام.

وفي 2015م حينما تم اجتياح الجنوب مرة أخرى من قبل قوات مليشيا الحوثي وعفاش قام الشهيد الشوبجي بالتواصل مع قيادة المقاومة بعدن التي كانت مرابطة في ساحة العروض بضرورة الطلوع إلى الضالع، وتشكيل مجاميع قتالية لمواجهة قوات الاحتلال، وكان من ضمن القيادات ابنه الشهيد شلال الشوبجي الذي قام بتشكيل مجاميع المقاومة الجنوبية والتصدي للقوات الغازية التي كانت أول معركة ضد المجوس في معبر سناح الحدودي التي استشهد فيها الشهيد باسل القبي، وجرح مجموعة من أفراده، ولم يكتفِ الشهيد يحيى الشوبجي بتشكيل المجاميع القتالية، بل جعل ابنه شلال قائداً لها، وكان يصول ويجول بكل الجبهات.

وعلى طول الخط الرابط بين قعطبة وسناح والضالع كان الشهيد يدعم أفراد المقاومة ويرشدهم لكيفيَّة شَنِّ الهجمات، وفعل الكمائن التي تكبِّد العدو خسائر.

ظل الشهيد خلال فترة الحرب يصول ويجول، ويقاوم إلى أن تحررت الضالع، وتمَّ طرد مليشيا الحوثي إلى حدود ما قبل 1990م. وفي ذات الوقت يمارس عمله كشخصية اجتماعية وسياسية، وراعٍ لأفراد المقاومة، وحَلِّ الإشكالات التي كانت تحصل نتيجة الفراغ الكبير الذي حصل بعد الحرب، ولا يسع المجال لذكرها.

 

عام 2019م.. العام المفصلي

حينما شنَّت القوات الغازية غزوها الثالث على الجنوب كانت المعارك، في أول الأمر، تدور بمريس ودمت شمالًا، وبالعود غربًا، وكان للشهيد يحيى الشوبجي حضوره بدعم المقاومة، ودوره الفاعل، وهذا إيجاز لأهم مساهماته المثمرة.

كان يصول ويجول على طول الجبهات بمريس ودمت والحقب برفقة قوات الحزام الأمني، وقوات المقاومة الجنوبية داعمًا لوجستيًّا ومعنويًّا برفقة القائد أحمد قائد القبة، والقائد الشيخ وليد حسن، والقائد زغلول علي محمد، والقائد نصر جعوال، والشهيد القائد محمد ناجي، والشهيد القائد ناجي الربيعي، والقائد نصر مثنى، حيث شارك بسيارته الخاصة منذ 2018م حتى استشهاده، وكان مشاركًا فاعلًا بماله وسيارته بمعارك بيت الشوكي، ومعسكر حلم وعزاب، وبيت الشرجي، والفاخر، وحبيل السماعي، وصولًا إلى الطاحون غربًا كان يصول ليلًا ونهارًا طول الجبهة برفقة القائد أحمد القبة الشهيد سيف سكرة، والقائد هادي العولقي، والقائد صامد سناح، والقائد محمد الربيزي، والقائد عبدالله مخزق، والقائد أحمد محسن الجمل، والقائد محمد علي حسن، والشهيد ناجي الربيعي، والشهيد أنور مثنى العبد، والشهيد مازن الشوبجي، والقائد أوسان الشاعري، والقائد نادر بطاط، والشهيد القائد شاكر البدشي، والقائد منصور البوصي، والجريح وسيم محمد سلمان، والقائد وديع القبة، ومجموعة من أفراد المقاومة الجنوبية.

يعتبر الشهيد أول قائد أعاد تأسيس موقع الجب بمعسكر الجب قبل وصول القوات الحوثية إليه برفقة القائد محمد علي حسن، والشهيد القائد ناجي الربيعي، ومجموعة من الرفاق، وقام بزيارات إلى جبهات حجر غربًا، وشخب وحُمَر، ونقيل الشيم، وقعطبة شرقًا في مرحلة الدفاع لدعمهم لوجستيا ومعنويا من ماله الخاص وسيارته الخاصة هو وأبناؤه ومرافقوه.

 

معركة الأسود

عند وصول العدو إلى الشريط الحدودي في 2/5/2019م، وبالتحديد بحبيل الجيدل، حيث كان الشهيد يحيى الشوبجي القائد والموجه والمرشد على جبهات حجر بدأت أولى المعارك الشرسة، وتزامن ذلك مع وصول الشهيد شلال الشوبجي مدير أمن ميناء المعلا من عدن مع مجموعة من مرافقيه متجهًا إلى الجبهة وتمركز بحبيل الجيدل. وفي اليوم الثاني شَنَّ العدو هجومًا شاسعًا باتجاه قرية العبارى، فدارت معارك عنيفة، وكانت المواجهة على مسافة صفر مع العدو، حيث كان الشهيد يحيى الشوبجي القائد والموجه والممول والمرشد على كافة جبهات حجر برفقته جميع أبنائه بالخطوط الأمامية، حيث كان القائد الميداني لمعارك حبيل الجيدل هو الشهيد شلال الشوبجي. وفي 4/5/2019م استشهد ابن أخيه الشهيد عرفات علي الشوبجي في معركة قرية العبارى، وفي اليوم نفسه قامت مليشيا الحوثي بإحراق منزل الشهيد يحيى الشوبجي.

استمرت المعركة بقرية العبارى، وكانت من أعنف المعارك، سمع بها القاصي والداني، وكان للشهيد يحيى الشوبجي دوره الفعال، وذلك بتوفير الذخائر، وتوزيعها بين المقاومين، وتحريك الأسلحة الثقيلة لقصف العدو، وجمع القيادات، وترتيبهم للتحرك بمجموعات مرتبة، حيث كان يقوم بالتوصل مع كافة القيادات: فضل حسن، وشلال شايع، والعمليات المشتركة، وقيادة التحالف؛ لمناقشة خوض المعارك؛ لكونه متواجدًا في الخطوط الأمامية.

وكان هو وثمانية من أبنائه مرابطين بالصفوف الأمامية دائمًا، فمن الطبيعي أن يصاب أي منهم، ففي 18/5/2019م جرح أحد أبنائه، وهو صدام، وفي يوم الأربعاء 22/5/2019م تحول مسار المعارك من مرحلة الدفاع للهجوم، وتمَّ تطهير قرية العبارى، والمناطق المجاورة لها.

واستمر الشهيد شلال الشوبجي بمطاردة العدو حتى وصل الشريط الحدودي (حبيل جيدل)، ثمَّ ارتقى شهيدًا يوم الجمعة 19 رمضان1440هـ، 24/5/2019م، ليحقق له ربه ما طلب، فقبل استشهاده بأيام تحدث مع المقاوم عبدالفتاح محسن الجعدي، وقال له: "أرجو من الله أن يميتني شهيدًا برمضان"، فحقق الله رجاءه، ونسأله سبحانه أن يدخله الجنة في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا.

 

ثبات الشهيد

كان الصبر والثبات السمة الأبرز في مواقف الشهيد يحيى الشوبجي، وسنذكر أبرز تلك المواقف:

- حينما استشهد ابنه الشهيد شلال قال: "من يريد أن يعزني فليعزني بالجبهة". ثم أردف قائلًا: "لا تقولوا لي عظَّم الله أجرك، وقولوا لي مبروك".

- جعل من يوم استشهاد ابنه شلال يوم عرس، وقام بذبح الأثوار بالجبهة، ووزعها على أفراد المواقع.

- حينما تم تأسيس كتائب الشهيد شلال الشوبجي، كان هو المشرف والموجه للكتائب، واستمرَّ يصول ويجول هو وأبناؤه بجميع الجبهات، يطاردون العدو، ويشاركون بصنع الانتصارات إلى أن وصل الحوثي إلى منطقة شخب.

- في 10/6/2019م استشهد ابن أخته وزوج ابنته الشهيد محمد حزام العبدي، وفي 30/6/2019م استشهد ولده الثاني مازن، ورغم المآسي والمصاعب التي واجهها في استشهاد اثنين من أبنائه، واثنين من أبناء إخوته، إلا إنه ظلَّ يواجه المحتلين إلى يوم النصر الأكبر.

- في 8/10/2019م كان الشهيد يحيى أحد قادة المقاومة الجنوبية التي خططت لشَنِّ هجومٍ على العدو، وتمَّ تحرير مناطق وقرى حجر، والريبي وشخب، وسليم، وبتار وصولًا إلى الفاخر، حيث قال مقولة الزبيري الشهيرة: "يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى، بل صنعناه بأيدينا".

- في 23/10/2019م استشهد ابنه الثالث أنور، وجاره الشهيد أنور مثنى، فلم تذرف عيونه الدموع بل ازداد قوة، وقام بِحَثِّ أبنائه على الذهاب إلى الجبهة.

- خلال فترة انتشار وباء كورونا، كان يقوم زيارة رفاقه المرضى، وكان كل من يصادفه يحذره من عدم الخروج إلى الأسواق، وتجنب الاختلاط بالمرضى حفاظًا على صحته، كونه مصابًا بأمراض عدَّة، فصحته لا تقوى على مقاومة الوباء، فكان رده: "والله إنني لن يصيبني هذا الوباء، ولن يقتلني، وإنني لن أموت إلا شهيدًا بالجبهة".

- في صبيحة السبت 1/5/2021م، 19 رمضان 1442هـ وهو التاريخ الهجري نفسه الذي استشهد فيه ابنه شلال، ارتقت روحه الطاهرة شهيدًا مقبلًا غير مدبرٍ, وحسب رواية ابنه الدكتور صلاح قائلاً: "إن والدي عندما خرج من المنزل قبل استشهاده كان نشيطاً ومبتسماً رغم إنه مريض، ومازالت "الفراشة" في يده، لكن النشاط والشدة التي كانت في والدي لم تكن موجودة في أي وقتٍ مضى، ولقد حاولت أخذ السلاح من والدي عند خروجه من البيت، فردَّ عليَّ قائلاً بحزم: "يا بُنَيَّ أنت تعلم أني غير عاجز عن القتال، وقادر أرمي صدرية, وعند وصول الشهيد إلى الجبهة، ونزوله من السيارة- حسب رواية سائق الدراجة النارية أمين- وركوبه على متن الدراجة النارية، وكان سائق الدراجة يسرع خائفاً من رصاص العدو، فقال له الشهيد هدئ السرعة لا أريد أن أموت بحادث مروري، بل أريد أن أموت شهيداً" هذه كانت آخر كلماته رحمه الله.

 

مشاركة الشهيد الاقتصادية

في الجانب الاقتصادي كان الشهيد يحيى الشوبجي مشاركاً بتأسيس التعاونيات الاستهلاكية والزراعية بالضالع، وكان من أعضائها النشطين من خلال تنفيذ برامج التعاونيات، وأهدافها المتضمنة نمو وتطور المحاصيل النقدية للتعاونيات.

كذلك في ثمانينات القرن العشرين كان للشهيد الشوبجي دور بتأسيس وتشكيل تعاونية (جياب الزراعية) في مزرعة العبارى والقرى المجاورة التي كانت تغطي حاجات السوق من القمح والبطاط والطماطم وغيرها من الخضروات، حيث كان يشجع الفلاحين على مضاعفة الإنتاج، ويتابع متطلباتهم، ويعمل على حلها.

 

مشاركة الشهيد في الجانب الجماهيري

كانت صلته بالجماهير قوية من خلال نزوله المستمر عليهم، وتلمس أوضاعهم عن قرب، مشاركاً همومهم، وخاصةً الفقراء، ويتابع متطلباتهم مع الجهات ذات العلاقة، كذلك كان للشهيد الشوبجي دورٌ بارزٌ في تشكيل المنظمات الجماهيرية التي تخدم الوطن والمواطن دون مقابل؛ منها: (اللجان الفلاحية، سرايا المليشيا الشعبية، لجان الدفاع الشعبي، أشيد، اتحاد النساء).

 

تأبينية أبي الشهداء

 أقام المجلس الانتقالي الجنوبي يوم أمس في العاصمة عدن، حفل تأبين الشهيد المناضل العميد يحيى الشوبجي "أبو الشهداء"، برعاية الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحت شعار "سمو الغاية وعظمة الاستشهاد".

وألقى اللواء أحمد سعيد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية، كلمة في الحفل، الذي حضره الأستاذ أحمد حامد لملس الأمين العام للأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس، محافظ العاصمة عدن، والأستاذ فضل محمد الجعدي، نائب الأمين العام، واللواء شلال شائع قائد مكافحة الإرهاب، واللواء علي مقبل صالح محافظ الضالع، وعدد من الوزراء في حكومة المناصفة وقادة عسكريون وأمنيون وجمع غفير من رفقاء ومحبي الشهيد، قدم في مستهلها التعازي الحارة لأسرة الشهيد الشوبجي وذويه ورفاقه ومحبيه.

وأضاف بن بريك: "نُعزي أنفسنا والجنوب عامة في استشهاد بطل استثنائي من طراز خاص قدم روحه وثلاثة من أبنائه في سبيل إيمانه بقضيته".

وتابع: "الضالع هي بوابة الجنوب، ومن أولى المحافظات التي دافعت وتصدت للعدوان الحوثي، والتضحيات التي تقدمها محل تقدير من كل أبناء الجنوب".

وأكد أن القيادة السياسية بكافة رجالاتها، حملت أكفانها على أكتافها منذ حملت على عاتقها مسؤولية شعب يسعى لاستعادة دولته وحقوقه.

واختتم اللواء بن بريك كلمته: "سننتصر بشعبنا وبعزيمتنا التي لن تلين وبإيماننا بقضيتنا، ولن نتوانى عن بذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك".

وألقيت كلمة عن أسرة الشهيد، ألقاها نجله  محمد الشوبجي شكر خلالها المجلس الانتقالي على تنظيم الفعالية، مذكرا بوصايا والده الشهيد يحيى الشوبجي الذي قضى من أجلها.

وأكد محمد أن دماء الشهداء لن تبرد حتى نيل الحرية والاستقلال التي ضحّى من أجلها صناديد الرجال على جبهات البطولة والشرف.

وترحم الشوبجي على أرواح الشهداء كافة الذين قضوا دفاعا عن تراب الجنوب، متمنيا الشفاء العاجل للجرحى والحرية للأسرى.

كما ألقيت في الحفل عدد من القصائد الشعرية وكلمات الرثاء والمواساة والإكبار للشهيد وأبنائه وكافة الشهداء، وتم عرض فيلم قصير يحكي بعضا من سيرة حياة الشهيد وأقوال من عاصروه ورافقوه، وفي ختام الفعالية تم تكريم أسرة الشهيد.



شارك برأيك