آخر تحديث :الخميس 28 اغسطس 2025 - الساعة:16:31:07
تعد من أقدم مقاهي المدينة وأشهرها..
مقهاية زكو.. عنوان لعراقة وأصالة مقاهي عدن
("الأمناء" تقرير/ هشام الحاج:)

 

تنتشر في مديريات العاصمة عدن عشرات المقاهي التي اعتاد كبار السن والكثير من أبناء المدينة على ارتيادها منذ عقود طويلة، وتعتبر ملتقى عاما لهم ومكانا لتجمعهم، وكثير من هذه المقاهي يصل عمرها إلى أكثر من مائة عام.

وعندما زارت الملكة إليزابيث، ملكة بريطانيا، مستعمرة عدن عام 1954، وتجولت في بعض أحيائها، مثل حي كريتر الذي يضم أشهر المقاهي كمقهى زكو وسكران، كانت المدينة تعيش ربيع ازدهارها حتى كادت تنافس عواصم عربية مثل القاهرة وبيروت وفق ما تفيد المصادر التاريخية.

 

مقاهي عدن منتديات ثقافية

وفي القرن الماضي اعتاد كثير من الأدباء والشعراء والفنانين والرياضيين والعمال والصحفيين وحتى السياسيين وكبار المسؤولين والمواطنين العاديين على ارتياد هذه المقاهي التي ظلت محافظة على رونقها وجمالها وأصالتها العريقة، ولا زالت حتى اليوم تجذب مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية لشرب الشاي، لتتحول إلى شبه منتديات ثقافية وفنية وأدبية.

 

مقاهي عدن في التاريخ الأدبي

يقول العلامة السوري محمد كرد علي في مذكراته «إن التاريخ الأدبي حافل بالكتابة عما يدور بالمقاهي، ولم يكن ما كتبه أبو حيان التوحيدي في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» غير اقتباسات من مجالس السمر التي كانت تدور في دار الوزير في قضايا الفكر والأدب، وحرص الأمير على مسامرة ذويه في تلك الليالي التي شهدها أبو حيان، وسجل خلاصتها بأسلوبه البارع، فتميز كتابه بالتنقل بين المواضيع كما يحدث في المجالس عادة وبتلقائية غير مقصودة».

 

لمحة تاريخية

وتعد مقهاية زكو من أقدم المقاهي الشعبية في مدينة كريتر بعدن، وأصبحت علما من أعلام المدينة، حيث كانت تقدم الشاهي بأنواعه لزبائنها، وأسسها الحاج زكريا محمد إلياس (1888 - 1955) رحمه الله في خمسينيات القرن الماضي، وإليه نسب اسمها (زكو).

 

بصمات عدنية

تعتبر عائلة زكو من أرقى العائلات العدنية التي تنحدر منها العديد من الشخصيات العدنية المهمة والراقية والتي تركت بصمة كبيرة في تاريخ عدن، ومنهم: رجل الأعمال السيد إبراهيم زكريا رحمه الله، ورجل الأعمال السيد إسماعيل زكريا أمده الله بالعمر المديد، والصحفي والمؤرخ محمد زكريا أمده الله بالعمر المديد، والقاضية المحامية حميدة زكريا رحمة الله عليها، والسيدة المخرجة أمينة زكريا أمدها الله بالعمر المديد، والسيد كابتن طيار صديق زكريا أمده الله بالعمر المديد، والسيد الفنان الارتيست/ إبراهيم زكريا أمده الله بالعمر المديد.

 

ملتقى للأحرار والثوار

كانت المقهاية ملتقى لكافة الشرائح والمستويات من أبناء عدن وكذا المارين بعدن وضيوفها، وكانت الملتقى الأول للأحرار والثوار المناضلين آنذاك، أما أنواع الشاهي العدني الشهير الذي كان يتم تقديمه في مقهاية زكو فهو (الشاهي المحوج - زايد جوز الشاهي العصملي - الثقيل جدا، والجرو - خفيف اللبن، وشاهي نص - يعني نص قلص، وشاهي دبل - يعني قلص مليان).

 

انواع الشاي العدني

هناك العديد من أنواع الشاي العدني التي تقدمها هذه المقاهي لمرتاديها، حسبما يحكي المؤرخ بلال غلام، الذي قال إنه يعتبر من الضروريات في المقاهي العدنية وله طقوس وطرق متعددة تعلمها أهل المدينة من الهنود الوافدين في بداية القرن التاسع عشر.

وأضاف أن "الشاي المعروف لدى عامة الناس هو الشاي المُلبن بجميع أنواعه وطرق عمله, حيث يتم غليه ومن ثم يضاف إليه اللبن ليغليا معا على نار هادئة, ومن ثم يضاف إليهما الحوائج المخلوطة وهي جوز وهيل وقليل من الزنجبيل حسب الطريقة الهندية, وأن هناك طريقتين شهيرتين لطبخه إما على الفحم (فوق المربخ) والتي كانت تستخدم قديما, أو على الشولة".

 

مقهى زكو وكومار الهندي

من منا لا يعرف أو يقرأ قصة كومار الذي كان يتجول في حارة الهنود بعدن، عندما اخترقت صدره رصاصة استقرّت في قلبه. شعر كومار بأنه ميت لا محالة، فاتّجه إلى "مقهى زكو" ليتصل بحبيبته ويودعها الوداع الأخير.

حضرت كوماري إلى المقهى، احتضنها كومار، فقالت له إنها مستعدة لأن تتزوجه ولو لم يتبقّ من عمره سوى لحظات. أنجب الزوجان طفلًا سمّياه تامر. كبر تامر وتزوج وأنجب أيضاً، فأصبح كومار جَدّاً، لكنه ما زال يصارع الموت ودمه ينزف بعد 50 سنة، انتهى الفيلم، ولم يمت كومار، وحدها الرصاصة ماتت من الملل.

هذا محتوى "قصة هندية لا تصدق" لكاتب مجهول نشرت على الإنترنت. حوادث القصّة وشخوصها متخيّلة باستثناء عنصر المكان "مقهى زكو" الّذي يعدّ من أقدم مقاهي مدينة عدن الجنوبية وأشهرها، والتي عرفت بريادتها على مستوى الجزيرة العربية في احتضان مظاهر حديثة مثل المسرح والسينما، بيد أن كل ذلك قد انهار.

 

خاتمة

يقول د.سالم البيض من المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس في بحث له: "لا شك أن المقهى بالرغم من انتمائه إلى الفضاءات المخصصة لأوقات الفراغ وللمعاملات غير الرسمية والشكلية، فإنه استطاع أن يلعب أدوارا كبرى وخطيرة في أحداث سياسية ونقابية، وفي الترويج للأفكار والأيديولوجيات والآداب والفنون، وفي عقد الصفقات الهامة، وفي ارتباطه بأحداث وشخصيات على درجة كبرى من الأهمية في تاريخ البشرية (مقهى جلس فيه ماركس أو سارتر). وقد بات يشكل موضوع إبداعات أدبية وفنية سينمائية ومسرحية، وهو في واقع الأمر نتاج لحراك اجتماعي وتاريخي عاشته البشرية في إطار إجابتها على الأسئلة، والتي كثيرا ما ترتبط بالحاجات البشرية المادية والمعنوية المتجددة، وهو يعيش التحولات التي يعيشها المجتمع بأكمله، ويتأثّر بها، ويؤثر فيها بشكل أو بآخر".


#
#
#
#
#
#

شارك برأيك