
في صبيحة الـ(6) من ديسمبر 2015م، استفاقت العاصمة الجنوبية عدن على فاجعة مؤلمة وحزينة، حين تطاولت فيها أيادي الغدر والإجرام والإرهاب، وأقدمت على اغتيال الهامة الوطنية الكبيرة وأحد أبرز قادة تحرير عدن من الميليشيا الحوثية الانقلابية، ومحافظ عدن حينذاك الشهيد اللواء جعفر محمد سعد.
وبعد مرور خمسة أعوام على اغتيال حلم عدن، تذكر سياسيون ونشطاء هذه الذكرى الموجعة، واجمعوا في أحاديثهم على حجم الخسارة برحيل اللواء جعفر الذي برز في تحرير عدن، ومن ثم تحدى الواقع؛ ليعيد لعدن أمنها ومدنيتها، وتذكروا محطات من حياة الشهيد جعفر وخبرته العسكرية الاستراتيجية التي تمتد إلى عقود.
(5) نقاط مضيئة في حياة الشهيد جعفر
وفي هذا الصدد يتذكر رئيس تحرير صحيفة (عدن تايم) الأستاذ عيدروس باحشوان، الذي جمعته معرفة بالشهيد جعفر يتذكر خمسة نقاط مضيئة في حياة الشهيد جعفر عددها في تغريدات، وذلك على النحو التالي:
*عرفت اللواء جعفر محمد سعد ليس في منصب محافظ عدن ورمز تحريرها في 2015، لكن معرفتي به قد مضى عليها أربعة عقود من الزمن، عندما كان ضابطًا رفيعا في دائرة التدريب القتالي بوزارة الدفاع لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
*عرفته كاتبا استراتيجيا وخبيرا عسكريا في فنون القتال والمعركة الحديثة المشتركة من خلال سلسلة كتابات كان يحضر شخصيا إلى مقر مجلة الجندي وصحيفة الراية العسكريتين لتسليم مواده في سنوات عملي سكرتير تحرير بعد تخرجي 1982م.
*كنت أجده مزهوا عند نشر مادته، وحريصا على نشر كل ما تحتاجه الوحدات العسكرية ضباطا وأفرادا وتوصيل الأفكار الجديدة في العلوم العسكرية إليهم، واستخدم الصحافة وسيلة من وسائل التدريب والتأهيل.
*لذلك عند رسم اللواء جعفر محمد سعد خارطة التحرير ودحر الغزاة من عدن، كانت وفق خبرة طويلة اكتسبها في الميدان وفي أروقة كليات وأكاديميات عسكرية التحق بها خلال خدمته في الجيش.
*حدثتني الزميلة كوثر شاذلي، أرملة الشهيد جعفر على هامش حوار أجريته معها في نوفمبر 2018م أن جعفر ترك إرثا علميا كبيرا تعمل على لملمته وإظهاره إلى النور، إرث بالتأكيد عصارة جهد رجل أمضى جلّ حياته في بناء وتطوير المؤسسة العسكرية الجنوبية.
ترك أوروبا ونعيمها والاتجاه صوب العاصمة عدن
من جانبه، قال الكاتب والناقد أمين اليافعي: "إلى روح الشهيد الخالد جعفر محمد سعد، في الذكرى الخامسة لاغتياله.. نعم؛ لقد علمتنا أبلغ دروس الوطنية على الإطلاق؛ الوطنيّة الخالصة، الوطنيّة المحضة! تركت بلاد الضباب، تركت أوروبا ونعيمها الأرضي، تركت عائلتك الصغيرة وأجواءها الحميمية، مهرولاً إلى جنتك الأولى (عدن) وهي في أحلك الظروف، تطحنها الحروب والأزمات، في المرة الأولى جئت لتقود معركة تحريرها من المليشيات الإجراميّة، وفي الثانية لتُعيد إليها وإلى أهلها الحياة والأمن والأمل والابتسامة".
وأضاف اليافعي: "من كان سيجرؤ على فعل كل ذلك، ومثل ذلك، سواك؟!، صار الكل يبحث عن منفذ للهروب من معمعة هذه الظروف الجهنمية، والمآلات الكارثية، ولو وجد أحدنا سمّاً للخياط لنفذ منه دون ان يلتفت ولو مرة واحدة إلى الوراء، أما أصحاب المقامات العالية والمُعلقات الوطنيّة الآسرة في سوق عكاظ فيُقال، والعهدة على الراوي، بأن ظهورهم اعتادت على أسِرَّة الفنادق الوثيرة لدرجة أنها لم تعد بقادرة على تحمّل قساوة الأسِرَّة المحليّة على الإطلاق".
وأردف: "وأنت، أيها العدني الرفيع، وابن الشيخ عثمان، أنت كنت الوحيد من بين هؤلاء جميعاً، ممن لديه فائض في الوطنيّة، وطنيتك والتزامك لها كانتا أكثر من اللازم، أكثر من اللازم بكثير، في بلدٍ لا يمنح سلاماً ولا أماناً ولا نعيماً سوى للحثالات والسفهاء".
وقال اليافعي متحدثا عن جعفر: "وحدك كنت في الميدان، وحيداً رأيناك تجوب الشوارع والأزقة والحارات، لم يرافقك في هذه الرحلة القصيرة والقاسية سوى ظلك، دون أن تُفكِّر قط بأن تُقيس المسافة بين ذاتك والوطن لا بمنظار دبابةٍ ولا بهاوية الجيوب أو حتى بحسابات البشر العاديين والمؤمنين على السواء!.. وفي الهجرة الأخرى كَمْ كنتَ وحدكْ فلا تكتب، وصيتكَ الأخيرةَ والسلاما، سَقَطَ السقوطُ, وأنت تعلو.. تعلو.. تعلو.. فكرةً.. ويداً.. وشاما!، على أن عدن ستظل تفتقدك أكثر من اللازم!".
لماذا أُغتيل الشهيد جعفر؟ ومن اغتاله؟
بدوره، يشير المتحدث الإعلامي للقوات المسلحة الجنوبية في محور أبين محمد النقيب إلى دافع اغتيال الشهيد جعفر قائلا: "قتلوه لأنه توعدهم بفضح من يريد لعدن أن تفشل وضنوا انهم باغتياله قد قتلوا عدن، وما إن لبثوا حتى ادركوا أن عدن لا تموت وأن دم الشهيد القائد جعفر محمد سعد يتدفق في كل قلب جنوبي جسور".
وأضاف: "هم هؤلاء انفسهم الذين يحشدون دواعشهم ومليشياتهم الإخوانية الإرهابية لاجتياح عدن.. ولن يمروا لأن أبين مقبرة الغزاة".
فيما قال الناشط الحقوقي عارف ناجي علي: "ذكرى استشهاد اللواء جعفر محمد سعد محافظ محافظة عدن وقائد تحرير عدن من المليشيات الحوثية عذرا أيها الشهيد فنحن أمة لا تقدر شهداءها وتكتفي بأن تسجلهم في سجل الغابرين.. عذرا كلنا مخطئون مقصرون في حقك انت تستحق اكثر من هذا الوطن المفقود.. عذرا لأننا عاجزون أما أنت فقد امتلكت القلوب فنم قرير العين إلى جوار ربك رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته".
من جانبه قال الصحفي كرم أمان: "لم يدر الشهيد جعفر في خلده يوما رحمه الله، أن أكثر من 20 عام من الهجرة القسرية وفراق عدن، يمكنها أن تغير عدن وتركيبتها ونسيجها وثقافة وأخلاق ساكنيها القدامى والجدد، فقد كان على سجيته عفويا متسامحا طيبا خلوقا محترما مع الجميع، شديدا صارما حازما وحاسما مع كل من يمس عدن أو يفكر يخدش مدنيتها وجمالها وسلامها وطبيعتها وتعايشها، حاول وسعى لإعادة عدن إلى وضعها ومكانتها، تحرك كثيرا في وقت قصير في سباق مع الزمن لإعادة إشراقة عدن ورسم البسمة على محياها ووجوه أبناءها، لكنه اصطدم بواقع مغاير، واقع جديد لم يألفه ولم تألفه عدن ايضا، مشاهد جديدة في عدن بعيدة كل البعد عن عدن تلك التي تركها جعفر ورسمها في مخيلته ووضعها في حدقات عينيه".
وأضاف: "ربما تكون مسيرة الشهيد الإنسان الخالد في ذاكرة عدن والتاريخ، محرر عدن وراسم بهجتها ومخلصها، اللواء جعفر محمد سعد انتهت في صبيحة يوم مظلم مشؤوم أسود في 6 ديسمبر 2015 بعملية اجرامية غادرة نكراء إرهابية أودت بحياته وأصعدت روحه الطاهرة البريئة إلى خالقها، لكن ذكراه وتاريخه وإنسانيته وشجاعته وأعماله وحبه لعدن، وحب عدن وأبناءه له، كل ذلك ما يزال باق، وسيبقى كذلك أبدا ما حيينا، حتى يرث الله الأرض وما عليها في يوم تشخص فيه الأبصار".
ولفت: "وفي الوقت الذي ندعو الله أن يرحمه ويتقبله مع الشهداء والصالحين، لازالت أعيينا تترقب القصاص في الدنيا من قتلته وكشفهم للملأ، مؤمنون بقضاء الله وقدره وقوله الحق في كتابه الكريم: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا)، صدق الله العظيم".
بدوره، قال الصحفي فارس الحسام: "كثيرة هي الأحداث المؤلمة التي أصابت جسد الوطن وجعلته ينزف دماً، لكن جريمة اغتيالك في 6 كانون الأول/ديسمبر 2015م كانت أبرز جريمة لاغتيال وطن، أحدَثَت معها جرح غائر لم يندمل إلى اليوم، بل نجده يتجدد مع كل حادثة أو جريمة تطال أبناء هذا الوطن".
وأضاف: "الرحمة والخلود لروحك الطاهرة في جنات النعيم.. اللعنة والخزي والعار لكل من يمارس أو يتبنى الإرهاب، الذكرى الخامسة لاغتيال محافظ العاصمة عدن الشهيد اللواء/ جعفر محمد سعد، رحمة الله تغشاه".
فيما قال الطبيب وجدان شنظور: "في الذكرى الخامسة لرحيلك.. ما زلتَ البطل الذي رويت الكثير منا من ينبوع الإنسانية.. نهرُك وفير اخلاقً قيم وقربً للقلوب".
إلى ذلك قال الناشط المجتمعي نوار أبكر: "أيقنت أنك وحدك من أجمعنا على نبرة صوت وملامح حزن واحدة بذكرى رحيلك.. لا غيرك يستطيع أن يوحد صوتنا مرة أخرى، فلقد تفرقت أصواتنا وتشتت أحزاننا وضاعت حقوقنا بين حق لا ندركه وباطل أيضاً لا نعرفه".