آخر تحديث :الجمعة 19 ابريل 2024 - الساعة:10:12:09
قصّة معاق تسطّر بماء الذهب .. معاقينا بين الجحود والنكران فأين العدالة ؟
(الأمناء / كتب/ جهاد عوض :)

يلتبس الفهم وتقلّ المعرفة لدى كثير من الناس, عن مشاعر وأحاسيس المعاقين نحو بعض القضايا والأمور العامة والوطنية, معللين بأنهم واقعين في هم معاناتهم وظروفهم الصحية والحياتية المحيطة بهم, والتي لا تدع أيّ عامل أو فكر أخر ينتابهم ويشغلهم عما يعانوه, كالتفكير بالهم الوطني وبما يجري ويحدث في الوطن من فعاليات وأحداث, المعاق يا هؤلاء مثله مثل سائر البشر ولكن بإمكانيات أقل, وله مشاعر وإحساس متنامي لا يفارقه أبدا, بالحب والانتماء للوطن تفوق ما لدى البعض الذي يقولون فيه كثيرا ولا يعملون لأجله إلا قليلا.

المعاق ليس أسير لهمومه وذاته كما يقال, بل يدرك ويتأثر بما بجري ويعتمل من حوله وفي البلد بشكل عام, وعندما يكون صاحب إرادة وشجاعة, يجعل الواقع والمستحيل حقيقة لا تخفيها العين إلا من به عما في عينه ومرض في قلبه.

وقد شهدنا في الحرب الأخيرة التي شنت على عدن في 2015 وما قام به وجسده بعض المعاقين من تقديم المساعدات والتبرعات المادية والعينية, لدعم الجبهات والمقاتلين حسب إمكانياتهم وقدراتهم الخاصة, بل لم يكتفِ البعض منهم وظل متفرجا وصامتا, أنما سخر ووهب نفسه وروحه في سبيل الدفاع عن الوطن, لم يتحمل  المعاق  مناظر الدمار وقتل الأبرياء النساء والأطفال في مدينته المسالمة, بل تحركت  وفاحت روح الوطنية والانتماء في نفسه, وانطلق وأن كان مبتور أحد القدمين, لتلبية نداء الواجب المقدس الذي تخلى وتقاعس البعض عن الوفاء به نحو وطنه.

لم ينتظر أو يبحث عن عذر له يعفيه عن أدى  الواجب الديني والوطني, كغيره من الأسوياء الذي البعض منهم يبيعون كلاما ويقولون شعرا في الوفاء والفداء للوطن وترابه, أتجه إلى ساحات الوغى والمعارك متنقلاً بين الخنادق والمتارس, يد على الزناد والأخرى متكيا على عصاءه ليتنقل بها.

قصّة معاق تسطّر بماء الذهب

صحيح المعاق يعاني ويقاسي من هم الإعاقة, بل مهضوم ومحروم من حقوقه التي كفلتها وأقرتها له الحكومة, ويقرأ ويسمع ترديدها يوميا على لسان مسوليها وفي وسائل إعلامها المختلفة, كمن يرى جعجعتاً ولا يرى طحينا, إلا إن النوازع والمشاعر الوطنية النبيلة في عقله وقلبه, ثابتة وراسخة لا تتغير ولا تؤثر عليها المؤثرات الصحية والاجتماعية المحيطة والمحبطة أحيانا لذاته وإعاقته, جعل من حبه وإخلاصه لوطنه درس ومثال يحتذى به في المجتمع وللأجيال القادمة, في الانتماء والدفاع عن حياض العرض والأرض, ولأن الشيء بالشيء يذكر أحب هنا أن أسرد موقف أخر للدلالة على وعي ومشاعر المعاق الفياضة نحو بلاده, ففي زيارة في نهاية التسعينات تقريبا, قمنا بها مع عدد من المعاقين وبعض الأصدقاء من محافظة أبين, إلى محافظة حضرموت أرض الحضارة والثقافة والتاريخ, وفي رحلة تعريفية من المكلا إلى مناطق الغيل والشحر والديس, بمعية قائد عمليات المنطقة الشرقية حينها محافظ أبين الحالي أبوبكر حسين سالم, وفي جو جميل وإعجاب بما تراه الأعين للمدن وطبيعية الحياة فيها, القيت سؤال مستفزا على أحد المعاقين, قلت له وهو يغني ويردد بعض أغاني الفنان أبوبكر سالم, إلا تسمع بعض القوى الأجنبية وهي تسعى وتريد فصل بعض المناطق أو المحافظة عن اليمن ؟ بالله أسمعوا ماذا قال وكان جوابه !! كلمات قليلة - - إنما تستحق أن تكتب بماء الذهب, رد بسرعة وبعفوية نابعة من أعماق قلبه وبما تفيض فيها من الحب والولاء لبلده, قال : يفصلون رأسي عن جسدي ولا يفصلونها عن بلادي, في صوت جهوري وصارم وحازم, يا لها من كلمات وقعت على مسامعنا كالزلزال لدرجة أقشعرت لها أبداننا من سرعة رده وقوة معناها وأثرها علينا.

هذه قصة حقيقة ولو قالها قائد عسكري لضجت وأشادت به وسائل الإعلام, أنما أوردتها لكم لنؤكد حقيقة المعاق الإنسان المنتمي لهذه الأرض والغيور عليها, ليبعد من في قلبه شك, وعينه قصر نظر نحوه, وبأنه أسير لهمومه وذاته فقط ولا يفكر أو ينتابه مشاعر الحرص  بالانتماء الوطني, وبالتالي التضحية بكل ما يملك بماله وروحه في سبيله ورفع شأنه, نعم يعاني من عجز نسبي في حركته, أنما بالإيجابية والثقة بنفسه وعدالة قضيته تجعله إنسانا أخر ورمزا عاليا يحتذى بقوله وفعل.



شارك برأيك