آخر تحديث :السبت 11 يناير 2025 - الساعة:00:53:32
آخر الأخبار
شحوب وطن يزحف ..!
()

ترصد رواية «نفق الذلّ» للكاتبة سميرة المسالمة  ) منشورات ضفاف، 2014)، الأسرارَ غير المعلنة، والعوالم المخفيّة غير المتكشَفة للعيان بعد، داخل الطبقات الاجتماعية لعوائل وأسر الضباط الكبار في سوريا.
تعرّي أحداث الرواية عفن السلطة، الملتصق على جدران العقلية الاجتماعية لأبناء الطبقة الراقية كما يلتصق طحلب شاحب بحافة بئر مظلم، ممثلة برجال العسكر الكبار الموغلين في نهب المال العام، بالتآمر مع طبقه التجار ورجال الأعمال.
وتتناول الرواية إرهاب «الجريمة الجنسية»، التي يستعين بها المتنفذون في الحزب، والمقربون من اللسلطة، لتحقيق مكاسب مالية مضاعفة، عن طريق ترويع المواطن جنسياً، داخل أقبية السجون وخارجها، لهتك أعراض أبناء الطبقة المسحوقة، والتي لا تملك سوى عفّتها وقوت يومها.
عبر فصول الرواية، الموزعة على 167 صفحة، تسرد لنا الكاتبة قصة «منى»، الفتاة العاشقة، شفافة الأحاسيس، صاحبة القلب المضيء، كقطعة زجاج في ليل الوطن المظلم، إذا تبدأ أحداث الرواية بها، وتنتهي بها، حيث يدخل القارئ في «نفق الذل» عبر قصه حب بريئة، ليخرج من فتحه النفق الأخرى ملطخاً بعتمة الهزيمة وغبار الانكسار، مدركاً أن حياة «منى»، ليست سوى نفق مصير ضيّق دخله كل المواطنين الشرفاء رغماً عنهم، لكن خروجهم أحياء كلّفهم فقدان طهارة المبدأ وطهارة الجسد.
«
منى» ابنة رجل صارم، يتولى منصباً حساساً، يكتب الحياة لمن يشاء، ويسلب الحياة ممن يشاء، لا هَمّ له سوى التدرج في المناصب، وأي مواطن خارج نطاق الحزب وأجهزته الأمنية ولا يصلّي للصنم أو الدكتاتور، هو في نظره «مشروع جرثومة» يجب تنظيف أرضية الوطن منه! هذه هي العقلية الدكتاتورية التي نلمحها في شخوص الرواية، على لسان «اللواء أبو حيدر» وبقية رجال العسكر الذين توزعوا بين شخصيات رئيسية وثانوية في الحدث السردي.
«
منى»، ابنة «اللواء أبو حيدر» طالبة جامعية، تقع في مصيدة حب محكمة نصبها لها «عماد» زميلها في الجامعة، وهو شاب فقير معدم اختفى فجأة من أروقة الجامعة وأروقة حياتها عندما اختطفته سيارة أمن سوداء مظللة، تحمل رقماً مميزاً، كانت قد حفظته «منى» عن ظهر قلب وظهر ذاكرة.
وتمضي سنوات العمر، و»منى» ما تزال تعي أن حب «عماد» ليس عابراً، بل هو حب مقيم. كيف لا، وهي التي منحته الولوج إلى جسدها وقلبها معاً، مما يضطرها إلى ترقيع غشاء بكارتها وبكارة قلبها في باريس، بعد أن أيقنت أن عودته معجزة لن تتحقق.
تتابع «منى» خُطاها المتآكلة، بفعل الفقدان والحزن داخل «نفق الذل»، عندما اتخذ قرارها بالزواج من «أمجد»، وهو شاب ثري، سليل أسرة مقربة من السلطة. «زواج مصلحة» كهذا غير قابل للحياة، وهو مصير معظم شباب طبقة الضباط الكبار.
بعد سبعة أشهر تنجب «منى» ابنها «غيث» الذي يصبح شخصية محورية تنمو في الرواية جسداً وفكراً، وهي الشخصية الوحيدة ربما التي تمثل إرادة الشباب الباحثين عن العدالة والإصلاح داخل وطن خرِب مدمَّر اجتماعياً واقتصادياً.. وطن منهوب الثروات، مسلوب الإرادة، تحت مسميات قوانين الاقتصاد الاستثنائية، التي ترى أن عقد صفقة «مال حرام» أهم من بناء جيل واعٍ.
تتوالى الأحداث وتتكثف الأزمات التي تمر بـ»منى» إلى أن تمتهن العهر الأخلاقي في ما بعد، حيث تبلغ الرواية ذروتها عندما تحصل على لقب «مطلقة» لتعبر في نفق ذلّها مسافة أخرى من مسافات البؤس الوطني.
في خضم تلك الأحداث الصاخبة، يطفو على السطح اسم «عماد»، كأحد الجنرالات الأمنيين والقيادات التي يشار لها بالكفاءة والريادة، ليس في بناء الوطن، وإنما في هدمه. فذاك الشاب الثوري صاحب المبادئ التحررية بالأمس، أصبح اليوم رجل السلطة، وصاحب المبادئ الدكتاتورية!
تتوهج الأحداث في الرواية، ويزداد توتر السرد اضطراباً وصخباً، إذ تسلط الكاتبة الأضواء الخافتة على الآلية التي يستعين بها الأمن لـ»تعهير» فكر المعارضين، واستمالتهم للدعارة، كأن الوطن أصبح «ماخورَ فسق». إن الحديث عن الجرائم الجنسية يكشف عن نهج العقلية الأمنية التي يديرها نظام قمعي إجرامي، سحق كرامة الإنسان بالحديد والنار، وهتك الأعراض، واغتصب الرجال قبل النساء، فقط ليضْمَن زحف الشعب على بطنه جوعاً، مقابل ارتفاع متصاعد لأرصدة العار المكدَّسة في بنوك الخارج، والمسلوبة من عرَق أبناء الطبقة الكادحة.
تنتهي الرواية بمقتل «عماد» برصاصة انتقام من «اللواء أبو حيدر»، بعدما تخبر «منى» عشيقها السابق أن «غيث» الذي تفنّن هو بسحق عظامه وقتَله شرَّ قتله، ابنه الشرعي، لينتهي المشهد التراجيدي بخبر عاجل عبر القناة الفضائية مفاده: «عملية إرهابية تفجر باصاً للمبيت تابعاً لجهة أمنية بداخله العديد من العناصر الأمنية».
رواية «نفق الذل»، تسرد بشخوصها وحيواتها ومصائرها ، قصة زواج السلطة والمال في سوريا ، والقائم على تعهير الأخلاق الوطنية ، مقابل شراء ذمم فاسدة ، وولاء مزيف .




شارك برأيك