آخر تحديث :السبت 11 يناير 2025 - الساعة:00:53:32
آخر الأخبار
المحضـــار .. في مساجـــلات الــــدان ..الجلســــة السادســة والعشـــرون (4 – 4 ) :
()

للوصول إلى جزير ميون الواقعة في مضيق باب المندب، كان علينا أن نستقل قاربا بحريا من منطقة العرضي بمديرية المضاربة بلحج، فهي الوسيلة الوحيدة للمواصلات من وإلى الجزيرة التي تبعد 4 كم عن اليابسة، لكننا قضينا ما يقارب ساعة كاملة على متن القارب الذي طاف بنا الجهة الجنوبية الغربية حيث يقع المرسى الوحيد في الجزيرة والكائن على أطلال ميناء مدمر.

صدمة عشناها منذ اللحظة الأولى لوصولنا إلى الجزيرة، ونحن نطالع بقايا أطلال بعض المباني البريطانية المدمرة، والعشش البسيطة التي يملكها السكان الذين يعملون في صيد الأسماك، في صورة مغايرة تماما لما رسمناه في مخيلتنا وماكنا نتوقع مشاهدته، لكننا صدمنا بواقع بائس تعيشه الجزيرة عقب فترة الازدهار التي عاشتها إبان الإدارة البريطانية لها، لكنها الصورة التي شاهدناها اليوم تحكي قصة لؤلؤة تتوسط مضيق باب المندب لكنها في قبضة فحام عمل على تدميرها طوال أكثر من  4 عقود من الزمن.

تروي المصادر التاريخية أن في عام 1511م احتلتها قوات بحرية برتغالية بقيادة الفونسو ديليو كيرك عند عودته من البحر الأحمر، وقد أقام بنايات عسكرية في الرأس الشمالية للميناء، ولكن انسحبوا منها لعدم وجود المياه الصالحة للشرب، وفي عام 1738م جاءها الفرنسيون وقاموا بحفر بئر ماء، لكنهم انسحبوا لنفس السبب، وبعد امتلاك بريطانيا لعدن عام 1839م احتلت جزيرة ميون عام 1857م وقامت ببناء فنار فيها وأرسلت حكومة الهند جنودا لحراسة الفنار.
عام 1883م أسست هيئة تجارية في الهند شركة للفحم في الجزيرة تدار من بومباي، غير أن اسمها حول بعد ذلك إلى (شركة بريم للفحم)، وأصبحت تدار من لندن، وفي عام 1884م أقامت شركة البرق الشرقية محطة لها، وأوصلت الأسلاك من تحت البحر إلى عدن وإلى الساحل الأفريقي، وظلت الشركة تعمل في تموين السفن حتى عام 1936م، حيث شهدت الجزيرة عصرها الذهبي مع افتتاح قناة السويس عام 1869 كمحطة لتموين السفن بالفحم. أفل نجم الجزيرة مع حلول الجازولين محل الفحم. في عام 1916، أثناء الحرب العالمية الأولى، حاولت القوات العثمانية الاستيلاء على بريم، إلا أنها فشلت.

العم محمد: ضيقوا علينا وهجروا معظم السكان

 توجد في الجزيرة التي  يبلغ عدد سكانها أكثر من 400 نسمة، قريتين فقط: الشعب في الجهة الجنوبية للجزيرة، وقرية ميون الثورة في الجهة الشرقية للجزيرة، فيما يبلغ عدد المساكن  في جزيرة ميون70 مسكناً. 

بينما كنا نوشك على مغادرة شاطئ المضاربة التقينا العم محمد صالح 70 عاما، والذي  كان بانتظار تحرك قارب أحد الصيادين ليقله إلى الجزيرة، فليس بمقدورة استئجار قارب بمفرده  بـ 5 الف ريال، على الأقل ذهابا ومثلها إيابا، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم سكان الجزيرة الآخرين.

يقول الرجل السبعيني: كنت أحد سكان الجزيرة لكن طفشنا بسبب الوضع وتعنت المسؤولين الذي عينتهم الدولة على الجزيرة في الثمانينات، وانتقلت الأسرة إلى منطقة ذباب التابعة لتعز، لكن بعض الأهل بقوا في الجزيرة وأقوم بزيارتهم بين فترة وأخرى وبالذات أيام الصيف.

ويرى العم محمد أن نظام جمهورية اليمن الديمقراطية سابقا، ضيق كثيرا على السكان وحول الجزيرة إلى موقع عسكري محكم التحصين، يتذكر: نشروا أرتال من الدبابات في مختلف أنحاء الجزيرة، وبسبب التشديد الأمني بالإضافة إلى عدم توفر أبسط المقومات وصعوبة الحياة هاجر معظم سكان الجزيرة إلى مدينة عدن ومنطقة ذباب بتعز.

يؤكد الرجل أنه كان يعمل في بمبة المياه في الجزيرة منذ السبعينات قبل أن تتوقف عن العمل في الثمانينات وسط تجاهل السلطات حينها وهو ما ضاعف معاناة السكان بسبب انعدام مياه الشرب، قبل أن يتم ادخال محطة تحلية صغيرة بعد عام 90، يقول: خرجونا من عملنا في البمبة ولا أعطونا أي حقوق ولا اعتمدوا لنا راتب مثل بقية موظفي الدولة، ونحن ناس بسطاء لم يكن يستمع لنا أحد حينها ، مستطردا بألم: لمن نروح؟.

بحسب العم محمد فإن السكان الحاليين معظمهم من الوافدين إلى الجزيرة، ولم يتبق إلا عدد قليل من السكان الأصليين الذين يمتهنون صيد الأسماك كمصدر دخل اساسي.

 حنين إلى العصر الذهبي

يروي سكان الجزيرة أنه وخلال حقبة الإدارة البريطانية أسست مدينة ميون الصغيرة التي تكونت من البيوت والفيلات والمعامل والمنشآت والفنادق لاستقبال السواح وركاب السفن ومكاتب الشركات والمباني الحكومية، ومدرسة ومسجد ونادٍ رياضي ومصنع لإنتاج الثلج، وعدة ممرات للسفن ومحطة تقطير لمياه الشرب من مياه البحر.

كما أقامت سلطة للميناء لها مرشدون بحريون، وخدمات صحية ومهندسون للسفن التي كانت تزور الجزيرة من أجل التزود بالوقود والمواد الغذائية، في عام 1967 صوّت سكان بريم لينضموا لليمن الجنوبي بعد استقلاله، حيث رفض أهالي ميون كل العروض و المغريات المادية التي قدمتها لهم حكومة جلالة الملكة (بريطانيا ) والأمم المتحدة على أبناء الجزيرة وهي: أن تصبح الجزيرة جزء من الأراضي البريطانية والتي تقع فيما وراء البحار، أو أن تصبح الجزيرة تحت حكم الأمم المتحدة، لكنهم اختاروا الانضمام إلى عدن.

مباني تاريخية تحولت الى اطلال

-   قصر الملكة فيكتوريا: ويوجد في الجهة الشمالية الشرقية ويقدر تاريخ إنشائه بحوالي 140 سنة ويمتاز بهندسته المعمارية البديعة كما أنه يحوي جميع مرافق الراحة بما في ذلك مسبح غرب المبنى مطل على الشاطئ الذي أنشأ من قبل البريطانيين.

-   مبنى الإذاعة (إذاعة بريم الشرق): ويقع في الجهة المطلة على الممر المؤدي إلى داخل الجزيرة ، أنشأ أيام الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن.

-  قصر الضيافة العباسية: يقع شرق الجزيرة وهو قصر قديم ويحتاج إلى ترميم.

-  مبنى البريد: ويقع غرب الجزيرة بالقرب من محطة التحلية.

-  مبنى الحجر الصحي: يقع في الجهة الجنوبية الغربية للجزيرة.

-   كما توجد عدة مباني أثرية قديمة يعود تاريخها إلى أيام الاحتلال البريطاني علاوة على وجود مقبرة الجنود البريطانيين. 

حيث يمكن أن تستغل المباني الموجودة بعد ترميمها للنشاطات الاستثمارية، والتي إذا ما رممت قد تكون بدلا عن المنشآت المطلوبة كونها مطابقة للمواصفات الإنشائية السياحية والاستثمارية.

 




شارك برأيك