آخر تحديث :الجمعة 17 يناير 2025 - الساعة:13:29:23
مائة يوم على اعتقاله.. مهدي المنصوري.. قصة معاناة إنسانية تجاهلها الجميع
("الأمناء" تقرير/ صالح مساوى:)

في إحدى قرى مديرية جردان تسمى (برك) حيث ولد ونشأ وعاش، بين الحقول الزراعية الخضراء، والهواء العليل الذي تتمتع به أرياف محافظة شبوة، وفي كنف أسرة اشتهرت بالعمل الجاد والدؤوب من أجل توفير حياة كريمة لأفرادها، وفي مجتمع يتسم بحبه للسلام والإخاء، لم يعرفوا غير الاهتمام بالزراعة والتجارة، وحب الخير للناس، في هذه القرية الجميلة التي تعانق حصونها السماء، وتغرد عصافيرها الجميلة، في مواسم قطف الثمار بألحانها العذبة، حيث رأى الأستاذ مهدي ناصر المنصوري النور للمرة الأولى في هذه الدنيا، وتربى وعاش طفولته، البريئة بعيدا عن صخب الحياة، وعن ترفها، كانت له أمنية طالما راودت خياله الطفولي، في أن يصبح معلما، كي يزيح الجهل عن أبناء قريته، ويساعد في انتشال واقع التعليم المرير في منطقته، وبجهد كبير، وبإصراره الذي عُرف عنه، أبى إلا أن يحقق أمنيته تلك، وأن يصبح معلما في مدرسة قريته (برك) وبعد سنوات من التدريس ومن النضال في الجانب التعليمي والمعرفي، تخرج على يديه وزملائه من المدرسين، أجيال وأجيال من الطلاب ممن يحملون العلم والمعرفة.

ترقى الأستاذ مهدي ناصر المنصوري إلى مدير للمدرسة، ومن موقعه الجديد واصل جهوده في مجال رسالة التنوير والعلم والتعليم لتلاميذه.

دفعته ظروف الحياة الصعبة، التي عاشها وعاشتها البلاد في زمن الحرب، أن ينتقل إلى مدينة عتق مركز محافظة شبوة، ليواصل رسالته النضالية السامية من هناك، كقيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي.

في إحدى ليالي أكتوبر من عام ٢٠١٩م وتحديدًا في تاريخ ١١ من الشهر ذاته وبينما كانت الأسرة تركن للنوم، وتعيش أجواء السكينة والطمأنينة في جوف الليل الحالك، في شقتها المتواضعة، عندما قررت قوة أمنية إقلاق سكينة تلك الأسرة،  وتعكير صفو الطمأنينة التي تتمتع به، وفي منتصف الليل، طرقت باب الشقة أيادٍ ثقيلة قاسية، بقسوة قلوب أصحابها، في مشهد رعب لا نراه إلا في الأفلام البوليسية المرعبة.

الأسرة ليس لديها عداء مع أحد، وليس لها خصوم، وعلى قول المثل: (اليد التي ما تسرق؛ لا تخاف) طلب من ولده الصغير أن يفتح الباب، وعندها تم الاعتداء على الطفل، وتكميمه، ومحاولة إسكاته حتى لا يسمعه والده، لكي يدخلوا في غفلة إلى الشقة، إلا أن حس الأبوّة كانت حاضراً عند الأستاذ مهدي، وبادر للخروج لمعرفة الأمر، وتفاجأ أن عشرات الجنود يحيطون بولده عند الباب، وما أن رأوه حتى تداعوا إليه ليعتقلوه، بدون مذكرة اعتقال، أو أمر من النيابة، وبدون أي مسوغ قانوني.

امتثل للأوامر لأنه يعرف براءته، ويعرف أن ليس لديه ما يخفيه، وفي موقف يريد أن يثبت فيه أنه مع سلطة ما يحسب أنها (دولة) لكن في الحقيقة كان مخطئًا في موقفه ذلك، عندما ظهر جليا أن من اعتقله ينتمي إلى (اللا دولة).

لم تشفع لهم توسلات والده التسعيني، أن يتركوا له فلذة كبده، ولم تشفع  توسلات أطفاله ودموعهم وهم يرون الغرباء يكبلون أيادي والدهم أمام أعينهم البريئة؛ التي لا تعرف إلا براءة الطفولة وسمحاتها.

أنزلوه مع شقته مكبل اليدين إلى أطقم كانت تنتظره في الأسفل وحول العمارة من كل الجهات، وتم وضعه في سيارة خاصة وانطلق موكب يتكون من خمسة أطقم بالأستاذ مهدي إلى السجن المركزي، وهناك تم وضعه في زنزانة انفراديه لمدة يوم كامل، وبدون أي تحقيق، أو إخباره عن سبب الاعتقال، ظن خيرا عندما وضعوه في هذا السجن الذي اعتبره سجنًا قانونيَا، ومن الممكن أن يطلقوا سراحه بعد أن يعرفوا براءته، لكن ظنه خاب، بعدما ظهر لاحقا أن القائمين عليه ليس لهم صلة بالقانون، ولا بالأنظمة، أو اللوائح القضائية.

وما كان من زبانية الأمن إلا أن نقلوه إلى سجن آخر سري، وغير قانوني، يقع في المعهد التقني غرب مدينة عتق، الذي تتخذ منه القوات الخاصة مقرًا لها، وهناك دخل في فصل جديد من المعاناة، وسوء المعاملة، والحرمان من الزيارة، أو الاتصال، وقضى أكثر من شهر في زنزانة هي عبارة عن قبو أرضي لا منافذ له ولا ضوء ولا تهوية، ولا دورة مياه، وتسكن معه أنواع شتى من الحشرات والقوارض والصراصير، وتتكدس فيه المخلفات الآدمية وأكياس وبقايا الأكل، قبل أن يتم نقله إلى زنزانة أخرى لا يزال فيها حتى اليوم.

لم تتوقف معاناة المنصوري عند هذا الحد وحسب؛ بل تجاوزتها، حيث تم تفتيش منزله من قبل القوات الأمنية، وصادروا جوالاته، وكمبيوتره الشخصي، الذي يحتفظ فيه بالكثير من الصور والوثائق والملفات الخاصة بالمدرسة.

ثلاثة شهور قضاها الأستاذ مهدي المنصوري خلف القضبان، اختزلت قصة معاناة إنسانية، سكتت عنها الأقلام، وتجاهلتها المنظمات الحقوقية والإنسانية، ولم يلتفت لها أحد، في وقت كثر فيه المطبلون، والمتشدقون بالإنسانية.

 

سيكشف الحقيقة

مهدي المنصوري سيخرج يوما منتصرا لا محالة، وسيعطي الجميع دروسا في الوطنية، والنضال، والكفاح، والصبر، والعزيمة.

سيعري الزيف الذي فرض على قضيته، ويكسر حاجز التعتيم، وسيلقن خاطفيه، ومعتقليه دروسا لن تنسى، في معنى النضال، والشجاعة، والبطولة.

سيخرج بكل تأكيد ذات يوم وستحتفل أسرته وأولاده، ويبتهجون بنيله حريته وانتصاره على عتاولة الفساد والاستبداد.




شارك برأيك