
تصريحات وتهديدات إيرانية للولايات المتحدة الأمريكية بالرد على العملية الأمريكية التي قُتل فيها قاسم سليماني، الأمر الذي اعتبره خبراء وباحثون بأنه مؤشر على حرب أمريكية إيرانية ستكون ساحتها اليمن ولبنان والعراق، فيما يكشف التوقيت والمكان، اللذان اختارتهما الولايات المتحدة لتنفيذ عملية اغتيال القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، عددًا من الرسائل "المبطنة" المرسلة من واشنطن إلى طهران.
واغتيل سليماني (63 عاما) في ضربة أميركية، استهدفته في ساعة مبكرة من يوم الجمعة قرب مطار بغداد الدولي، وأكد الحرس الثوري مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
ويعد قاسم اسمًا بارزًا في الساحتين الإقليمية والدولية، باعتباره أحد القادة العسكريين الإيرانيين، فيما يصفه البعض بـ"رأس حربة إيران".
ويأتي مقتل سليماني، بعد 3 أيام من هجوم غير مسبوق شنه مناصرون لإيران على السفارة الأميركية في العاصمة العراقية. وفي هذا الصدد، اعتبر محللون أن أميركا "اختارت بعناية" التوقيت والمكان، قبل الإقدام على استهداف قائد فيلق القدس رجل إيران القوي.
وقال رئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية" محمد عباس ناجي، إن واشنطن يبدو أنها كانت تملك معلومات استخباراتية مهمة مفادها أن إيران تستعد لتنفيذ مخططات تخريبية جديدة انطلاقا من العراق، وهو الأمر الذي يظهر جليا في الشخصيات التي استُهدفت في عملية مطار بغداد.
وأضاف: "طبعًا، العقل المدبر لكل هذه المخططات، هو قاسم سليماني، وبالتالي فإن استهدافه في هذا التوقيت يمثل استهدافا لإيران ولمشاريعها التخريبية في المنطقة".
وتابع: "الولايات المتحدة تهدف من خلال هذه العملية إلى أن توجه لطهران رسالة مفادها أن الاختلافات لا تنحصر فقط في الاتفاق النووي، إنما تمتد أيضا إلى الأدوار التخريبية التي تلعبها طهران في المنطقة".
وأردف قائلا: "أميركا لن تسمح لإيران باستهداف المزيد من مصالحها في المنطقة، ولن تتراجع في توجيه ضربات عقابية أخرى في حال استمرت إيران في النهج نفسه".
وذكر أن عملية الجمعة تشير إلى حدوث تغير كبير في السياسة الأميركية تجاه إيران، طالما أن الأخيرة "تواصل إصرارها على أدوارها ومخططاتها في الشرق الأوسط".
وفي ختام حديثه، لم يستبعد ناجي خيار استهداف أميركا المزيد من القادة الإيرانيين في حال لم يتراجع نظام الملالي عن أدواره وتهديداته.
ورأى المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات والمتخصص في الشأن الإيراني الدكتور هاني سليمان، أن مقتل قائد فليق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس سوف يؤسس لمرحلة جديدة من المواجهات العنيفة بين إيران وأمريكا بعد أن كانت هناك خطوط حمر لا يمكن تجاوزها بين البلدين.
وقال سليمان لموقع 24: "إن المرحلة المقبلة ستكون أشد عنفًا وربما تشهد اغتيالات لشخصيات أمريكية واستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة وأن إيران لديها تاريخ من العناد السياسي وتريد تصدير مشهد الانتقام أمام المؤيدين للنظام الإيراني".
كما أوضح المتخصص في الشأن الإيراني أن سليماني لم يكن شخصية عادية، بل كان مهندس العمليات العسكرية الإيرانية في المنطقة، وله مكانة عالية في الحرس الثوري الإيراني، ويقود غرفة العمليات لقيادة المسار السياسي في العراق لتحقيق المصالح الإيرانية، فضلاً عن هندسة سياسة إيران في الإقليم ككل، ومقتله ضربة قاصمة ورسالة شديدة لطهران.
وتوقع سليمان أنه لا مجال لحديث عن الاتفاق النووي وأصبح أمرًا بعيدًا بعد مقتل سليماني وساحة المواجهة ستكون في العراق ولبنان والأماكن التي تحتفظ بها إيران بوجود قوي.
وحملت كل التصريحات الأميركية الرسمية "احتفاءً" بمقتل سليماني، بدءًا بالرئيس دونالد ترامب مرورًا بالمسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إن سليماني "كان يعكف على وضع خطط لمهاجمة أميركيين في العراق والشرق الأوسط، وإن الجيش الأميركي اتخذ قرارًا دفاعيًا حاسمًا بقتل سليماني بتوجيه من الرئيس لحماية الأفراد الأميركيين في الخارج".
وأضافت: "هذه الضربة تهدف إلى ردع أي خطط إيرانية لشن هجمات في المستقبل". مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مواطنيها ومصالحها في أنحاء العالم.
بينما نشر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على "تويتر"، تسجيل فيديو قال إنه لعراقيين "يرقصون في الشارع" احتفالاً بمقتل سليماني.
وكتب بومبيو في تغريدة مرفقة بالتسجيل، الذي يظهر فيه حشد يجري في شارع وهو يرفع أعلاما عراقية: "عراقيون يرقصون في الشارع من أجل الحرية، معبرين عن امتنانهم لأن الجنرال سليماني لم يعد موجودا".
قائد فيلق القدس
القتيل قاسم سليماني جاء من خلفية متواضعة، فقد ولد لأسرة تعمل بالزراعة في بلدة رابور في جنوب شرق إيران في مارس 1957.وعندما بدأت الثورة لإطاحة الشاه في عام 1978 كان سليماني يعمل في مرفق المياه في بلدية كرمان، ونظم مظاهرات ضد الشاه، حتى نجاح الثورة الإسلامية عام 1979.
عمل سليماني في الحرس الثوري، وبعد أن اندلعت الحرب مع العراق في عام 1980 صعد سريعا على سلم الرتب وعمل بعد ذلك في مجال مكافحة المخدرات على الحدود مع أفغانستان.
تدرج الرجل في المناصب حتى عينه علي خامنئي قائدا لفيلق القدس عام 1998.
ظل سليماني بعيدا عن الأضواء بعد توليه هذا المنصب، في الوقت الذي عزز فيه علاقات إيران مع حزب الله اللبناني ونظام الأسد وجماعات شيعية في العراق. لكنه أصبح شخصية عامة وتزايد ظهوره في السنوات القليلة الماضية مع قيام مقاتلين وقادة في العراق وسوريا بنشر صور له على مواقع التواصل الاجتماعي وهو في ساحة القتال، وأصبح ذراع المرشد الإيراني لنشر الفوضى في المنطقة.
بعد صعوده إلى قيادة فيلق القدس، عمل سليماني على تعزيز علاقاته بقيادات حزب الله وتجهيزهم بالأسلحة في الحرب مع إسرائيل في 2006.
وفي ذروة الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في العراق عام 2007 اتهم الجيش الأميركي فيلق القدس بتوريد متفجرات بدائية الصنع لمقاتلين شيعة ما أدى إلى قتل العديد من الجنود الأميركيين.
وقدّم فيلق القدس بزعامة سليماني الدعم للأسد عندما بدا أنه على وشك أن يُهزم في الحرب الأهلية الدائرة منذ عام 2011.
وكانت زيارته لموسكو في صيف 2015 هي الخطوة الأولى في التخطيط للتدخل العسكري الروسي الذي أعاد تشكيل الحرب السورية وإقامة تحالف إيراني روسي جديد لدعم الأسد.
ظهر اسم سليماني أيضا في مؤامرة إيرانية عام 2011 لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة آنذاك عادل الجبير.
ويعتقد مسؤولون أميركيون أن سليماني كان على علم بالمؤامرة.
وقالت تقارير إن أميركيًا يدعى منصور أرباب سيار دفع حوالي 100 ألف دولار حولت من بنك أجنبي خارج إيران إلى قاتل مأجور مقابل اغتيال السفير.
وبعد الاستفتاء على الاستقلال في شمال العراق الذي يهيمن عليه الأكراد في عام 2017 أصدر سليماني تحذيرًا للزعماء الأكراد، أدى إلى سحب المقاتلين من المناطق المتنازع عليها ومكّن قوات الحكومة المركزية من إعادة فرض سيطرتها.
برز دور الجنرال الإيراني المقتول بقوة في الاحتجاجات التي انطلقت في العراق في الأول من أكتوبر الماضي، وذكرت تقارير أن سليماني طلب خلال اجتماع سري بقيادات الحشد الشعبي المدعومة من الحرس الثوري الإيراني بالاستمرار في دعم رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي.
"فرانس برس" كانت أيضا قد كشفت عن اتفاق بين القوى السياسية الرئيسية على إبقاء السلطة الحالية حتى لو اضطر الأمر إلى استخدام القوة للقضاء على الاحتجاجات.
ظهر دور الحرس الثوري، وخاصة "فيلق القدس" أيضا في تمويل وتسليح وتدريب قوات الحشد الشعبي التي تم دمجها في قوات الأمن العراقية بعد هزيمة تنظيم داعش.
وترى الولايات المتحدة أن وحدات الحشد الشعبي تخدم مصالح إيران أكثر مما تخدم مصالح العراق، وتكرس نفوذ الجمهورية الإسلامية في العراق.
واتهمت واشنطن كتائب حزب الله العراقي، الفصيل المنضوي في الحشد الشعبي، بالوقوف خلف هجوم صاروخي استهدف قاعدة في شمال العراق وأدى إلى مقتل متعاقد أميركي.
وضعت وزارة الخزانة الأميركية سليماني على اللائحة السوداء من قبل بسبب دعم فيلق القدس لحزب الله وجماعات مسلحة أخرى وبسبب دوره في دعم الأسد ومزاعم عن مشاركته في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي.
الحوثي يهدد وحماس تنعي وصمت إخواني
المليشيات الحوثية لم تصمت أمام واقعة اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال الإيراني قاسم سليماني، حيث سرعان ما أخذت تهدّد بأنّها سترد على الواقعة.
رئيس ما يُسمى المجلس الأعلى محمد علي الحوثي قال إنّ "الرد السريع والمباشر على عملية اغتيال قاسم سليماني هو الخيار والحل".
الحوثي غرَّد عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قائلًا: "نتقدم بأحر التعازي لآية الله السيد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني والقيادة السياسية في العراق وإيران والشعبين العراقي والإيراني في استشهاد المجاهد الكبير الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس ورفاقهما".
وأضاف ملوِّحًا بمزيدٍ من التصعيد: "هذا الاغتيال مدان والرد السريع والمباشر في القواعد المنتشرة هو الخيار والحل".
حديث القيادي الحوثي يؤشر إلى أنّ المليشيات المدعومة من إيران ربما تثأر من هذه العملية المهمة عبر تصعيد مسلح، سيدفع بالتأكيد ثمنه ملايين اليمنيين، الذي يعاصرون أبشع مآسي العالم بسبب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات الحوثية.
ويعتبر الحوثيون ذراعًا مسلحة في قبضة طهران، يعملون وفقًا للأجندة الإيرانية المتطرفة وينفذون سياساتها الرامية إلى إشعال الفوضى في المنطقة بغية ضمان نفوذهم في أكثر من دولة.
وسواء باستهداف المصالح الأمريكية أو غيرها، في اليمن أو حتى في بلد آخر، فإنّ الرد الإيراني في الأغلب سيكون عبر أذرعها المتطرفة المنتشرة في المنطقة، والتي يُنظر إلى المليشيات الحوثية باعتبارها أحد أهم محاور هذه الدائرة الشريرة.
أما حركة حماس فقد نعتت قائد لواء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ووصفته بـ"الشهيد".
وحمّلت أميركا المسؤولية عن ما سمَّته "الدماء التي تسيل"، محذرة من أن "سلوكها العدواني يؤجج الصراعات دون أي اعتبار لمصالح الشعوب وحريتها واستقرارها".
فيما التزم إعلام الاخوان الصمت أمام حادثة مقتل سليماني.