آخر تحديث :الاحد 03 اغسطس 2025 - الساعة:19:38:00
حرب الخدمات تجتاح الضالع.. وانتصارات الأبطال تجتاح الجبهات "تقرير خاص"
("الأمناء" تقرير/ عادل حمران:)

المدينة التي صنعت النصر للجنوب، واحتفلت بأول انتصار عسكري ضد المليشيات الحوثية، هُزمت أمام أكوام القمامة وطفح المجاري، وعانى سكانها من تردٍ كبيرٍ في الخدمات، ومنذ سنوات وشوارع المدينة مكدسة بالقمامة ومليئة بالحيوانات الضالة ومياه المجاري التي باتت يوميا تختلط بحياة المواطنين وطرقاتهم، حتى اعتادت أعين سكان المدينة على رؤية تلك المناظر. وقد أضحت جزءاً من المشهد اليومي في حياتهم، يلتمسون طريقهم وسطها قفزاً على ألواح خشبية أو فوق أحجار يضعون أطراف أصابع أقدامهم عليها للمرور والتنقل بين حيّ لآخر.

 

مشاكل قديمة

قد لا تصدق عزيزي القارئ بأن الضالع لا تملك مقلب قمامة ولا أحواضاً للصرف الصحي، وهذا السبب الرئيسي للمشكلة التي أرّقت حياة الناس، وكل ما تملكه المدينة أراضي قاحلة تم إيجارها كـ "مقلب للقمامة" لعدة سنوات، وبسبب التوسع العمراني تم البناء بالقرب منها وساهم السكان في منع سيارات النظافة من الوصول إلى المكان، بل تعرضت لإطلاق نار عدة مرات، وهذا ما فاقم المشكلة وساهم في تشويه وجه المدينة وبات صندوق النظافة عاجزاً عن إيجاد مقلب يساعدهم في تحسين وجه الضالع العابس.

مشاهد وصور صادمة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي لشوارع الضالع وأزقتها وهي مكدسة بالقمامة ومغمورة بمياه المجاري، وبدورها نزلت «الأمناء» إلى الضالع وبحثت المشكلة مع قادة السلطة المحلية والمجلس الانتقالي وجهات الاختصاص، بحثاً عن الإجابة عن الأسباب التي أدت إلى أن وصل مستوى النظافة في المدينة إلى هذه الدرجة من التدهور المريع.

مدير مكتب النظافة والتحسين الأستاذ عبدالسلام الجعبي، تحدث لـ"الأمناء" بالقول: "المشكلة ليست وليدة اللحظة؛ بل ممتدة منذ سنوات، حيث تفتقر الضالع إلى مقلب للقمامة و شبكة للمجاري، وكل ما عمله المسؤولون السابقون هو تأجير مقلب قمامة بـ 300 ألف ريال شهريا، وأحوض للمجاري عبارة عن أراض زراعية بـ 150 ألف ريال شهريا، وبسبب الانفجار السكاني بات المقلب السابق يقع على مقربة من منازل جديدة للمواطنين، ويتم منع سيارات النظافة من الوصول إليه، وهذا ما عرقل عملنا وتركنا عاجزين عن تحقيق أي شيء في ملف النظافة".

وبشأن مياه الصرف الصحي أوضح الجعبي أن "المدينة لا تملك شبكة مجاري حقيقية حتى الآن". مشيرا أن "كل ما تملكه هو شبكة بدائية أنجزها المواطنون ومالكو المحلات التجارية  بأنفسهم في عام 1998م، حيث بدأ التاجر محمد علي الوداد بعمل شبكة مجاري من المدينة إلى الفجير بحجم 12 هنش، وتم الربط إليها من العرشي وحافة كلد والرباط بعضها بحجم 16 هنش، مما وضع عجزاً أمام الشبكة، إضافة إلى تخريب متعمد برمي أحجار إسمنتية وأكياس بلاستيكية ومكدسات القمامة وإطارات الدراجات بهدف إفساد الشبكة وطفح المجاري".

وتابع: "قدمت إلينا عددٌ من المنظمات - منها الصندوق الاجتماعي والصندوق الدولي ومركز الملك سلمان - وعملوا دراسات، ووعدونا بتجهيز أحواض مجاري وشبكة داخلية، ولكننا لم نجد مكاناً حتى الآن لتنفيذ المشروع، فكل منطقة تمانع من عمل الأحواض بالقرب منها، وتم إيقاف المشروع عدة مرات، رغم أن الميزانية كانت موجودة والدراسة جاهزة".

وأشار الجعبي إلى أنه قام بإجراء دراسة أخرى ويبذل جهوداً متواصلة لإقناع المواطنين، وسيتم البدء بالمشروع إذا ما كتب لهذه الجهود النجاح". منوها إلى أن نجاح المشروع سيظهر الضالع بملامح أجمل وبشكل يبعث على السرور.

 

معاناة وعبث

صندوق النظافة والتحسين جزء من المشكلة، لكنه عمود الحل، إلا أنه يعاني، حيث يعمل دون ميزانية تشغيلية، وإيرادات الصندوق تذهب إلى أيادٍ عابثة، ناهيك أن عمال النظافة أيضا مشكلة بحد ذاتهم، فرواتبهم الزهيدة لا تكفي أجرة مواصلاتهم من منازلهم إلى أماكن العمل، حيث لا يتجاوز راتب الموظف 50$ شهريا، وهذا بعد الزيادة التي أعلن عنها الرئيس عبدربه منصور هادي، مما جعل نصف الموظفين يبحثون عن أعمال أخرى أو يتجهون إلى السلك العسكري، فيوجد قرابة 280 موظفا وموظفة لا يعمل منهم إلا 120 موظفا في عموم مديريات الضالع، وهذا ما أكده الجعبي؛ حيث أشار بأنه لا يملك ميزانية تشغيلية وأن هناك قوات تابعة للمقاومة لم يسمهم تسيطر على إيرادات صندوق النظافة والتحسين مستندين عن القوة العسكرية ولَم يجدوا من يمنعهم حتى الآن.

واسترسل الجعبي بأن المعوقات أمامهم كثيرة؛ حيث تم فرض عشرات الموظفين الذين لا يعملون؛ بل يستلمون رواتبهم إلى البيوت فقط؛ لأنهم من أبناء المدينة، وآخرون تَرَكُوا أعمالهم وتوجهوا نحو السلك العسكري؛ نظرا لتدني رواتب النظافة ولا تفي بتوفير ولو جزء من متطلبات الحياة اليومية للعمال.

 

كارثة بيئية

غياب المقلب وأحواض المجاري في الضالع وضع المدينة أمام كارثة بيئية حقيقية ساهمت في انتشار الأوبئة و الأمراض المختلفة، وشوهت منظرها؛ حيث تحول شارع المدينة اليتيم إلى مقلب كبير للقمامة، وبات موطنا لتكاثر الحشرات والأبقار والحيوانات الضالة التي تتخذ من تلك الأكوام طعاماً لها وتتشاطر أكياس القمامة وبقايا الطعام وتسكن وسط الشارع دون اعتراض من أحد؛ بل أصبح المشهد طبيعياً وبات الناس يتعايشون مع واقعهم الجديد.

لم نكتفِ بما قاله مدير صندوق النظافة بالضالع، بل توجهنا بالسؤال لرئيس انتقالي المحافظة العميد عبدالله مهدي والذي تحدث لـ"الأمناء" بالقول: "أساس المشكلة هو مقلب القمامة، لاسيما أن مالك المقلب أخلّ بالاتفاق ومنعهم من إحراق القمامة فيه، رغم وجود عقد إيجار سابق مع صندوق النظافة، بالإضافة إلى أن أصحاب الطريق يحاولون ابتزاز صندوق النظافة، حيث منعوا سيارات النظافة من الوصول إلى المقلب". مضيفا بأنهم يعملون إلى جانب السلطة المحلية ومحافظ المحافظة من أجل حل المشكلة التي فاقمت حياة الناس في الضالع ولا حل إلا بإيجاد مقلب للقمامة بعيداً عن منازل السكان".

وطالب مهدي من كل الأصوات التي تنتقد دون معرفة إلى مساعدتهم و العمل معهم من أجل إيجاد الحلول، فالانتقاد سهل ولكن الصعب هو العمل، داعياً كل من يهمه أمر الضالع إلى مساعدتهم في نظافتها وتحسين وضعها وترميم جراحها فما زالت الدماء تنزف يوميا.

 

إهمال وفساد

المنظمات المحلية والدولية تسعى إلى صناعة حلول نهائية لمشاكل المواطنين وخصوصا في إعداد وتأهيل البنية التحتية، والضالع ليست استثناء، إلا أنها لم تجد عقولاً حقيقة ومسؤولين بحجم المسؤولية التي على عاتقهم. في عام 2009م كان لدى الضالع منحة تقدر بمليون و200 ألف دولار لعمل شبكة داخلية وأحواض مجاري، ولكن المواطنين رفضوا المشروع، متعذرين بأنها تقع قرب منازلهم، رغم أنها كانت مخططة في إحدى الشعاب البعيدة، إلا أن المسؤولين حينها عجزوا عن إقناع الناس بأهمية المشروع وحاجة المدينة له.

المهندس محمد عبدالله الضالعي اتهم المسؤولين بالتواطؤ وإهمال أعمالهم والسعي وراء مصالحهم.  مشيراً أن وضع النظافة أيّام المدير السابق فارس المحرابي أفضل مما هي عليه اليوم، وحمّل المسؤولية بدرجة رئيسية محافظ المحافظة اللواء علي مقبل ومدير عام التحسين في محافظة الضالع الأستاذ عبدالسلام الجعبي، مضيفا بأنه يجب على الانتقالي الجنوبي الضغط ووضع آلية عمل وفرضها على السلطة المحلية لكي تنتشل الضالع من الوضع المزري الذي تعيشه اليوم.

وتابع المهندس في تصريح خاص لـ"الأمناء": "يجب على المجتمع مساندة الجهات العاملة وتذليل الصعوبات أمامها ومطالبتها بالقيام بواجبهم؛ لأن المواطن هو المتضرر الأول، وإذا استمر الصمت سيتفاقم الوضع من السيء إلى الأسوأ، هناك ملايين الريالات يتم استقطاعها من رواتب الأمن والجيش، أين تذهب؟ لماذا لا يستفيدون بجزء بسيط منها في تحسين وجه المدينة للقيام بالعمل ولشراء مقلب قمامة؟ للأسف ملايين الدولارات عادت إلى البنك الدولي للمرة الثالثة تقريبا بسبب عجز السلطة عن توفير مقلب قمامة، الكثير لا يعرفون بأن البنك الدولي سينفذ مشاريع المجاري والأحواض والطرق وغيرها على حسابهم وميزانيتها متوفرة, فقط هم بحاجة إلى من يطرق أبوابهم و يذلل مهمتهم.


#

شارك برأيك