كان منتدى الوالد سليمان الكثيري بخورمكسر بعدن ، أول مكان ألتقي به ، ويتحاور فيه الحاضرين عن هموم الجنوب كوطن يرزح تحت الاحتلال ، وكيفية العمل لتعزيز الرفض الشعبي الجنوبي لهذا الاحتلال المدثر بالشعارات الجوفاء.
فقد تعرفت على المناضل الدكتور صالح يحي سعيد، المناضل الصلب بمبادئه وبمواقفه وقناعاته منتصف التسعينيات من القرن الماضي وقبيل انطلاق الزخم الجماهيري الكبير للحراك الجنوبي بأكثر من عشر سنوات.
كنا نلتقي في منتديات عدة لعل اهمها منذ العام 1996م منتدى سليمان الكثيري.
كان شجاعا صريحا وواضحا في عرض افكاره ومبادئه واحلامه عن جنوب حضاري مستقل أمام الجميع دون خوف، في الوقت الذي كان الكثيرين يخافون الخوض بهذا الامر وقتذاك.
تحدث مباشرة وعقب حرب احتلال الجنوب عام 1994م عن ان ماجرى هو ضم والحاق واحتلال وظلم..الخ، كان من قلة قليلة ممن رفعوا اصوتهم في اجتماعات اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي بعد عام 1994م، عن ضرورة انهاء حالة الضم والالحاق..، وترك الحزب الاشتراكي عندما توقف الاخير عن تقديم أي رؤية لاستعادة الدولة الجنوبية المغدورة ، وأسس مع ثلة من رفاقه الحراك الجنوبي ، وكان من اوائل من خرج بالمسيرات والمظاهرات السلمية..، وتمسك بخيار الكفاح السلمي حتى لايعطي مبرر لنظام صنعاء للتنكيل بالثورة الجنوبية الوليدة.
تعرض للاعتقال التعسفي مرات عدة في معتقلات نظام صنعاء باقطابه المتعددة..، وظل صامدا صابرا متمسكا بقضيته بالتحرر واستعادة الدولة.
لم يتزحزح عن مبادئة وعن مطلب الحرية للجنوب رغم المغريات التي عرضت عليه ، صبر وصابر عندما تخلى بعض الرفاق عن القضية الجنوبية ليتركوا سفينة الجنوب ويركبوا قارب هذا أو ذاك من رموز نظام صنعاء أو غيرهم، كان يؤمن دائما ان قضية الجنوب أكبر وأعظم من الاشخاص والاحزاب والمصالح الذاتية ومن المناصب.
قال لي ذات يوم وبعد ان أفرج عنه من المعتقل بأسابيع اثر تعرض سيارته لكسر بالزجاج الامامي .. ، قال لي: (يانصر كسر زجاج السيارة ليس الهدف بل هي رسالة أولية وتهديد لي بالتوقف عن النضال السلمي وقيادة المظاهرات ولكني لن اتوقف وسأستمر).
ذات يوم من أيام الاعتصام السلمي ذهبت لانقل احد اصدقائي للمجمع الصحي بكريتر وبينما كنت عائدا قرب تقاطع حي الوحدة السكنية مع الشارع الرئيسي بكريتر ، رأيت الدكتور صالح يحي سعيد وهو في حالة صحية صعبة فقد كان يكح بشدة وعيناه حمراء وعدم انتظام تنفسه نتيجة تعرضه للغازات المسيلة للدموع فعرضت عليه نقله سريعا بالسيارة واخراجه من الشارع (شارع أروى) والذهاب للمستشفى أو لمنزله ، رفض بشدة وأصر ان يبقى مع بقية المتظاهرين حتى يحقق العصيان المدني أهدافه ، معتبرا نفسه جزءا لايتجزء من المتظاهرين ولايجوز التخلي عنهم حتى في وضعه الصحي هذا.
آيه..دكتور صالح .. الآن تغادرنا ونحن أشد مانكون احتياجا لك ولحكمتك ولصلابة موقفك .. كنت صادقا بما تؤمن به ووفيا لشعب الجنوب ولقضيته ولم تتراجع قيد انملة عن مبادئك ولم تخضع ابدا لبورصة المصالح الخاصة.
آيه دكتور صالح .. لم تبهرك الأموال وبريق المنصب .. لم تغير أبدا من اتجاه بوصلتك لم تغير من مفردات كلماتك لم تغير من نقاءك وعفتك ونزاهتك كما فعل البعض!!.
كان يعتقد ان موته سيكون على يد عصابة نظام صنعاء الذي أوجعهم وعراهم بنضاله السلمي وعفته وعدم رضوخة لمحاولات للترهيب أو الترغيب..، قال لي (يانصر اعتقد والله أعلم انهم لن يتركوني حيا وسيوجدوا طريقة لقتلي ولكني مؤمن بالله وأنا راضي بقدره).
نصحني بعدم الانضمام الى أي مكون للحراك ، وخدمة قضية الجنوب بحسب الظروف المتاحة لي.
وقد أفادني ذلك كثيرا بمنعطفات عديدة بحياتي ، وتجنبت الخوض بمنافسات وصدامات عبثية.
ووقف إلى جانبي عندما تم اعتقالي عام 2008م ، وتحرك مع اخرين لتفعيل المطالبات لاطلاق سراحي سريعا.
انني أدين له بالكثير .. ، فقد تعلمنا منه معنى الصبر والثبات على المبادئ والصدق مع النفس والترفع عن الصغائر والمغريات امام قضية الشعب الكبرى..، تعلمنا من الدكتور صالح يحي البساطة والنزاهة ، وعدم التفريط بقضية الجنوب مهما كانت الفوائد الشخصية!!.
أراد الله ان يودع الدكتور صالح يحي دنيانا الفانية بمشيئته سبحانه وتعالى بدبحة صدرية عصر يوم السبت 20 يناير 2018م، لا برغبة أعداء الجنوب ..، مات صالح يحي وسط زملائه يناقش ويحاور بصبر وثبات لايلين لسبل مواجهة التحديات لتحقيق حلم إستعادة الدولة الجنوبية.
رحمة الله عليك أيها المناضل النقي العفي...عشت عظيما ومت عظيما..، وأسكنك الله "بإذنه" فسيح جناته مع الانبياء والصديقين والشهداء..انا لله وانا اليه راجعون.
.....