فحوى الرسالة السياسية التي حملتها أو التي أرادت الدول الغربية أن توجهها للشعب الجنوبي على وجه الخصوص من خلال موقفها المعارض لإرادة الشعب الكردستاني التي عبّر عنها بأغلبية أصوات أبنائه في الاستفتاء الذي تم إجراءه مؤخرا على استقلال إقليمهم عن العراق ..تؤكد على أنه لن يكون بوسع الشعب الجنوبي تحقيق استقلاله عن الشمال دون الاتفاق معه على ذلك أولاً ، وأن اعتراف العالم بدولته المستقلة مرهون فقط باتفاق الطرفين على ذلك أو بموافقة الشمال على تحقيق رغبة الجنوب في إعلان الاستقلال ، وأن النصر العسكري الذي أسفر عن تحرير أرضهم من غزاتها لا يكفي وحده لتحقيق هدفهم الاستقلال عن الشمال مالم يرافقه أو يلحقه نصر مماثل أو موازي له على الجانب السياسي أيضا ...وأن إعلان استقلال الجنوب من جانب واحد لن يحققه لهم بشكل فعلي على الأرض ولن يغير من الواقع المأساوي الذي وصلنا إليه اليوم شيء مالم يزيده تعقيداً وصعوبةً أكثر وأكثر، وأن رهانهم ـ شعبا وقيادة ـ على الخارج وحده في تحقيق ذلك هو رهان خاسر في باطن الأمر كما يبدو في ظاهره ، وأن تلك الاختلافات السياسية والقانونية التي يزعمون بأنها تميز قضيتهم عن قضية الشعب الكردستاني لن تشفع لهم هي الأخرى لديه ولن تغير موقفه القائم على حسابات سياسية ودبلوماسية ودولية مختلفة تجاههم وتجاه قضيتهم حتى لو قرر الجنوبيون بعد كل هذه الانتصارات العسكرية التي حققوها على الأرض تنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصيرهم على غرار ما جرى في كردستان العراق بالتزامن مع ما جرى في إقليم "كتالونيا" في نفس الوقت ، فإن ذلك لن يكون كفيلا ولن يكون كافيا لتغيير الموقف الغربي تجاههم مالم يكن الجانب الشمالي مقتنعا من جهة مقابلة بهذه الفكرة مهما كانت النتائج التي ستترتب عليها كما لم تغيره النتائج التي ترتبت على استفتاء الشعب الكردي والكتالوني الذي جرى من جانب واحد فقط لكل منهما ...
وما ينطبق على الجنوبيين بالنسبة للموقف الغربي الثابت تجاه قضيتهم هو نفسه ما ينطبق على الشماليين فيما يخص علاقتهم بالجنوب من جهة أخرى...
إذ فلا يمكن أن تقبل أو تسمح الدول الغربية للشمال بفرض الوحدة الاندماجية أو إقامة الدولة الفيدرالية مع الجنوب دون موافقة الجنوبيون على ذلك أيضا ...
وللحديث بقية سنتطرق فيها إلى الخيارات المتاحة أمام المجلس الانتقالي للتعامل مع هذا الموقف في مقال قادم بإذن الله...