في كل عام يحتفل الشعب الجنوبي الأبيّ بذكرى ثورة الفداء والصمود والاستبسال ، ثورة 14 أكتوبر.. تلك الثورة التي ولدت لتبقى وتصنع بداية عهد جديد ومرحلة جديدة من مراحل الكفاح المسلح في الجنوب والذي انطلقت شرارتها الأولى من على قمم جبال ردفان الشامخة آنذاك في ظل غليان شعبي طامح للحرية والاستقلال ومتسلح بإرادة قويه لبناء دولة الجنوب.. دولة النظام والقانون ..
إنها الثورة التي قامت لتقول للمستعمر البريطاني وللعالم أجمع بأن شعب الجنوب لم ولن يسمح للمحتل بمزيد من الاستبداد والظلم والطغيان والهيمنة على أرضه .. ومع اندلاع الثورة المباركة في العام 1963م وبعد معارك كبيرة خاضها الثوار في مختلف مناطق الجنوب واحتدام المعارك إلا وبشائر النصر تلوح في الأفق ليتوجها النصر المؤزر وإعلان الاستقلال الوطني المجيد الـ30 من نوفمبر عام 1967م .
هكذا كان للفداء والاستبسال والتضحية من قبل ثوار الجنوب أن ترسم لوحة النصر الجميلة وتعلن هزيمة أكبر إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس في العالم.. ذلك الاحتلال البريطاني الغاشم الذي استخدم كافه أساليب الظلم والقيد والعبودية ضد شعب الجنوب منذ دخوله عدن في 19 يناير عام 1839م بذريعة حماية القوات البريطانية القريبة من ميناء عدن .
وبعد إعلان الاستقلال الوطني المجيد في العام 1967م ما كان لتلك الدولة إلا أن ظهرت بكل قوة في منطقة الجزيرة والخليج بالأنظمة والقوانين والبنية التحتية والمؤسسات والتنمية الذي شهدها الجنوب - آنذاك - لكن سرعان ما تعرضت بلادنا للعديد من المؤامرات من قبل الدول المعادية التي خلقت الكثير من الإرهاصات والحروب الداخلية بسبب تدخلها بشؤون البلد.
تعرض شعب الجنوب بعد إعلان الوحدة المشؤومة إلى احتلال همجي من قبل الجمهورية العربية اليمنية وذلك عند إعلان اجتياحه من قبل قوات المخلوع علي عبدالله صالح ، ليصبح الجنوب بعد ذلك وجميع ثرواته ومؤسساته وأرضه فيداً للتقاسم بين أفراد العائلة الاحمرية على مدى عقدين من الزمن .
كان لانطلاق الثورة الجنوبية المتمثل بالحراك الجنوبي في العام2007م التأثير الإيجابي الكبير لرفض مشروع الاحتلال اليمني وانطلاق الانتفاضة الجنوبية العارمة التي ابتدأت من جمعية ردفان للمتقاعدين العسكريين التي رفضت استباحة الأرض والعرض والهوية من قبل قوات الاحتلال اليمني وإعلان الثورة السلمية الجنوبية التي شملت محافظات الجنوب التي قوبلت من قبل قوات الاحتلال اليمني بالقتل والإخماد وتعرض الكثير من القيادات الجنوبية للقتل والتصفية الجسدية وتعرض البعض الآخر إلى الاعتقال والسجن.
وعند اندلاع الحرب الحوثية العفاشية في أواخر شهر مارس من العام 2015م كان شعب الجنوب مع موعد التصدي والاستبسال لاجتياح آخر من قبل قوات الاحتلال اليمني وباسم آخر(مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح) استكمالا لسيناريو حرب صيف 1994م التي أعلنت من ميدان السبعين من قبل المخلوع ،فلم يبخل شباب الجنوب وأبطالها الشجعان من الدفاع والذود عن الأرض الجنوبية وإعلان انطلاق الثورة المسلحة(المقاومة الجنوبية) الذي قدم الجنوب خلالها كوكبة من الشهداء وإعلان تحرير محافظات الجنوب من مليشيات الاحتلال اليمني .
إن الإعلان عن قيام المجلس الانتقالي الجنوبي بالتفويض الشعبي الكبير في مليونية 4 مايو بعد مراحل عديدة من التفاوض والتشاور بين المكونات الثورية التي باءت بالفشل في إيجاد حامل سياسي وقيادة موحدة تحمل قضيه شعب الجنوب في المحافل الدولية ،فكان لذلك الحدث الكبير انتقال الثورة الجنوبية إلى مرحلة أخرى من مراحل النضال ومنعطف تاريخي من البناء وترتيب الأوضاع الداخلية ونسج علاقات مع العالم والإقليم .
ويأتي اليوم الاحتفاء بذكرى ثورة 14 أكتوبر بعيدها الرابع والخمسين في ظل ظروف أوضاع ومستجدات معقدة يعيشها الجنوب في ظل تآمر واضح يستهدف قضيه شعب الجنوب الأرض والإنسان والهوية من قبل عملاء الاحتلال اليمني وفشل واضح وصريح لحكومة الاحتلال التي لم تسطع إدارة المناطق المحررة والذي استشرى فسادها جميع مرافق الدولة وكذا حرمان الآلاف من موظفي السلك العسكري والأمني من رواتبهم لأشهر عديدة ولاسيما تدهور الخدمات الأساسية والضرورية لأبناء الجنوب والتي وضعت تلك الحكومة المهزومة التي أصبحت قاب قوسين أو أدني من الفشل الكبير في إدارة محافظات الجنوب ، الأمر الذي هيأ للمجلس الانتقالي الجنوبي أن يتعامل مع تلك الأوضاع بحنكة وعقلانية وأن يجتاز كل العقبات التي وضعتها حكومة بن دغر وشرعية هادي لمواصلة الطريق والسير على خطى الاستقلال استناداً من تفويض شعب الجنوب للمجلس الانتقالي.
فكانت دعوة المجلس الانتقالي ومشاركة شعب الجنوب في مليونية المعلا في 14 أكتوبر هو التأكيد بما لا يدع مجالا للشك على السير على خطى الشهداء والتمسك بخيار مبادئ وقيم الثورة الجنوبية ، فكان الإعلان التاريخي في 4 مايو وتفويض اللواء عيدروس الزبيدي وتشكيل الجمعية العمومية الجنوبية في المعلا ما هو إلا نتاج للعمل الجاد والمثمر الذي تقوم به قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي في نسج العلاقات القوية مع التحالف ودول العالم والإقليم للتهيئة لإعلان حكومة جنوبية مؤقتة ومجلس عسكري واستفتاء جنوبي - جنوبي والإعلان التاريخي عن قيام دولة الجنوب باعتراف دولي وإقليمي .