قصر الشيخ العقربي القديم ..أحد معالم عدن التاريخية في ذمة الله !
الأمناء نت/ تحقيق : أحمد حسن العقربي

احتضن القصر المفاوضات بين شيخ العقارب عبدالله حيدرة والمندوب السامي حاكم المستعمرة عدن بشأن مستقبل البريقة والحسوة والتفاوض كذلك على تغذية عدن بالمياه من أحواض بئر أحمد

 
   

ها هي بئر أحمد اليوم ، ضاحية عدن التاريخية ، تبكي أطلال قصرها الثلاثي التاريخي قصر الشيخ / عبدالله بحيدرة العقربي ، الشيخ القديم لمشيخة بئر أحمد قبل الاستقلال ، وهو أحد معالم عدن التاريخية ومكونها الثقافي الذي شهد أحداثاً قبلية وسياسية ووطنية واجتماعية ، وظل شامخاً وصامداً أمام نوائب الدهر والتقلبات الطبيعية والغزوات الأجنبية والحروب القبلية والمؤامرات البريطانية التي ظلت تساومه على حساب الأرض والثروة عن طريق التهديد والوعيد تارة , وتارة أخرى بمد له الجزرة لتأجير الأرض وبيعها في وضع غير متكافئ مع بريطانيا العظمى وشيخ قبلي لا يمتلك الإمكانيات ولا الخبرة السياسية ولا الحذاقة القانونية التي يتميز بها الحاكم البريطاني في التفاوض على مستقبل البريقة والحسوة فضلاً عن استغلال بريطانيا الخلاف الحدودي والنزاع المسلح بين مشيخة العقارب وسلطنة العبادل.
القصر يتحدى نوائب الدهر!

شهد هذا القصر عدداً من الأحداث القبلية القانونية والزراعية والاجتماعية والشوروية .. ففيه تم إقرار مدّ عدن بالمياه من أحواض بئر أحمد النقية لتغذية سكانها بالمياه فضلا عن توفير المياه للمعسكرات البريطانية في صلاح الدين في منطقة فقم ، وكان ذلك بعد مفاوضات طويلة اتسمت بالابتزاز البريطاني لشيخ العقارب بمقابل حصة مالية غير عادلة تعطى للشيخ مقابل قيمة المياه.. فيما شهد هذا القصر أيضأ ميلاد أول مجلس شوروي قبلي يستأنس به الشيخ في تقرير الأمور المهمة وإدارة شؤون المشيخة وسيادته وحدودها كالتوقيع على قرار الحرب والسلم وترسيم الحدود مع المستعمرة البريطانية عدن والسلطنة العبدلية حينها .

كما أُعلن في هذا القصر الإعلان عن تشكيل الجهاز الإداري للمشيخة وهو جهاز متواضع خصص لإدارة الشؤون العامة للمشيخة التي كانت تمتد حدودها إلى البريقة والحسوة وجبل إحسان وبئر فضل وبئر نعامة والفارسي ومنطقة جعولة والوهط وانتهاءً بالأراضي المحاذية لحدود السلطنة العبدلية .

أحداث قبلية وسياسية مهمة يشهدها القصر

فيما تكمن أهمية هذا القصر أيضأ أنه قد أُعلن فيه عن إشهار وتأسيس أول مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني في المجال التعاوني الزراعي وهما : جمعيتي مزارع القطن ، والجمعية التعاونية الزراعية المتعددة الأغراض في بئر أحمد ، وتزامنتا مع تأسيس جمعية شباب بئر أحمد الرياضي في الأعوام ما بين 1958 وأوائل الستينات حيث لعبت تلك الجمعيات المدنية دوراً تنموياً زراعياً وثقافياً ونهضوياً ورياضياً ووطنياً .

ولا يفوتنا بهذا الخصوص أيضاً لنعود بذاكرة الوطنية التاريخية لمنطقة بئر أحمد التي مثلت في الحرب العالمية الثانية ساحة عمليات عسكرية في الحرب بين تركيا وبريطانيا على احتلال عدن ، وحينها صدر في هذا القصر قرار من شيخ العقارب بالوقوف مع بريطانيا ضد تركيا .. وفي هذا القصر أيضاً صدر عنه قرار يؤكد مشروعية مقاومة أبناء العقارب بعد الاحتلال البريطاني لعدن ، حيث استمرت سلسلة المقاومات للثكنات العسكرية البريطانية من المقاومين العقارب برئاسة الشيخ الوطني محمد الحاج العقربي عاقل قرية الخيسة التي كانت تتبع مشيخة العقارب ، حيث استشهد الكثير من أبناء قرى المهرام والرباك والحسوة فيما تم اعتقال الشيخ الوطني محمد الحاج العقربي عاقل قرية الخيسة وزُجّ به في سجن جبل حديد المظلم إلى أن مرض وتوفي ، علماً بأن أبناء العقارب قد كان لهم شرف المقاومة في قلعة صيرة أثناء الغزو الإنجليزي لعدن واحتلالها ، إذ واجهوا مقاومة شرسة من العقارب استشهد خلالها 600 مقاتل عقربي إلى جانب أبناء عدن من الصيادين القبائل المجاورة وبعدها لم يهدأ العقارب في شن سلسلة من الأعمال الفدائية آخرها حينما هاجم أحد العقارب في ميناء التواهي الحاكم البريطاني فوجّه الرصاصة ببندقيته القديمة نحو الحاكم البريطاني فلم تُصبه ، وعلى الفور وجّه حارس الحاكم البريطاني بندقيته إلى المهاجم العقربي فأردوه قتيلاً مضرجاً بدمائه وأخذوا جثته وعلقوها على خشبة في عقبة عدن .

التوقيع على أول مشروع زراعي في ضواحي عدن (بئر أحمد)

وعندما نستذكر أهمية المكان فإن هذا القصر قد احتضن الاتفاق الهام الذي غيّر ملامح بئر أحمد أرضاً وإنساناً أنهوا الاتفاق الإنساني الهام الذي أُبرم وتم التوقيع عليه بين أصحاب الأرض وملاكها العقارب في بئر أحمد مع المستثمر رجل الأعمال الأمير فضل عبد القوي الذي بموجبه أجّر المزارعون أرضيهم الخصبة التي تسقى من وادي كبير مع المستثمر مقابل حصص عادلة تعطى للمزارعين مقابل زراعة أراضيهم وتوفير فرص العمل لأبنائهم في المجال الزراعي والفني والإداري والمحاسبي لإدارة المشروع الاستثماري الزراعي الذي تمثل في أكبر بستان زراعي وسياحي على مستوى عدن وضواحيها بمنافسة شديدة وجذب سياحي داخلي منقطع النظير مقارنة ببستان الحسيني وبستان الحبيل في لحج ، حيث استجلب هذا الأمير المستثمر أخبر المزارعين الإيطاليين ، ناهيك عن استحضار بذور محاصيل جديدة من الفواكه والخضروات وحينها شهدت بئر أحمد أكبر نهضة زراعية في عدن منافسة لمحافظتي أبين ولحج وأُطلق عليها (سلة غذاء عدن) من الخمسينات حتى بداية السبعينات بل تحولت إلى منتجع سياحي ترفيهي حقيقي لأبناء عدن للعوائل والأسر العدنية ولأدباء عدن وشعرائها وطلاب وطالبات كلياتها وفرق نواديها الرياضية للتسوح بين جنائن بساتينها والاستجمام في مسابحها الراقية التي أقيمت وفقاً لمقاييس دولية متعارف عليها سياحياً في العالم ، حيث كان يتحول يوم الأحد الذي كان يعتبر العطلة الرسمية حينها في المستعمرة عدن إلى حراك اقتصادي وسياحي وثقافي ورياضي تشهده منطقة بئر أحمد بأسره يستفيد منه الفقير والغني والمزارع وأصحاب محلات حلويات الخمير والقرمش وانتعاش تجارة الخل والبهش من دوش الطاري التي كانت تتصدر هدايا الزائرين القادمين من عدن فضلاً عن إطلاع الزائرين على معالم عدن التاريخية من القصور التاريخية القديمة والمعالم الأثرية لصناعة الزجاج والمواد الخزفية وزيارة الأربطة الدينية والثقافية والأثرية التي أهملت واندثرت بحكم عوامل التعرية ونوائب الدهر والأمطار الموسمية وعبث يد الإنسان ووعيه السطحي فتحولت بئر أحمد من حضارة سادت ثم بادت .

حتى لا تفقد بئر أحمد ذاكرتها التاريخية

إن انهيار وسقوط أجزاء من قصر شيخ العقارب القديم في منطقة بئر أحمد يهدد بطمس وانقراض معلم أثري عمراني تاريخي شيد بخصوصية محلية من مواد البيئة وبخبرة عمرانية محلية لم يدخل عليها الطراز الهندي أو الفارسي أو اليهودي ولكنه شيد بخبرة مهندس عمراني موهوب تعلم العمران بالفطرة والخبرة ، إنه المهندس العمراني الشعبي ( ابن حمدون)  من أبناء قرية الوهط الذي كان السباق في هندسة وبناء هذا القصر المتميز عن غيره من قصور عدن بخصوصيته المحلية الذي راعى المناخ والأرض ومذاق الإنسان .

هذا القصر تميز عن غيره من قصور محافظة عدن أنه بني بمواد محلية من طين وتربة الوادي والأشجار المعمرة من غابات شجر العصل والسمر إلى جانب شجر الأثل المستخرج منه مادة الهدي التي يتم مزجها مع عجينة الطين حتى تتحول إلى لبنة متماسكة فضلاً عن استخدام النورة في طلاء القصر ، أما نوافذ القصر فقد خضعت لفنون النمنمات الإسلامية المنجورة من الخشب المستخرج من الأشجار ومن مواد البيئة العقربية .. إن هذا القصر يعتبر معلم تاريخي أثري ويشكل أحد مكونات عدن التاريخية والثقافية ، فهو جدير بالاهتمام من وزارة الثقافة والسلطة المحلية ومنظمات المجتمع الدولي المحلية والدولية التي تعني بالحفاظ على القصور التاريخية الأثرية ، كما أنه يجمعه الكثير من أوجه الشبه بالعمارة الطينية الحضرمية والشبوانية في شكله وفنه المعماري ومواد بنائه المحلية وفي نمنمات نوافذه وفي أخشاب أبوابه الثمينة كخشب الساج وتعدد الأبواب في الباب الواحد وفي قولدته التاريخية.. إن إعادة بنائه وترميمه بنفس خصوصياته العمرانية التراثية ومادة بنائه الطينية بات أمرا مطلوبا من الجهات ذات العلاقة للحفاظ على كنوزنا الثقافية حتى لا تفقد عدن ذاكرتها التاريخية .

 

 

متعلقات
قصة قصيرة.. الأب المكافح والابن الشقي
قصة قصيرة..غزلان وغدر الزمان
قصة قصيرة .. الأميرة الضائعة وبائعة الصوف
الروائي اليمني "حبيب سروري" يفوز بجائزة "كتارا" للرواية العربية في دورتها الخامسة
صدور العدد الأول من صحيفة عدسة ردفان