إدانة الولايات المتحدة لما تعتبره انخراطا من قبل الصين في تسليح جماعة الحوثي وتشجيعها على التصعيد ضد إسرائيل وحركة الملاحة في البحر الأحمر صيغت هذه المرّة بطريقة عملية واتخذت شكل إنذار لبكين وذلك من خلال لائحة العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الجماعة وشملت شركات ومتعاملين صينيين.
صنعاء- بدت العقوبات الجديدة التي أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها على جماعة الحوثي اليمنية أقرب إلى رسالة موجهة إلى الصين أكثر من كونها إجراءات رادعة للجماعة وهادفة لإضعافها وشل قدرتها على التعرض للملاحة الدولية وقصف إسرائيل، وذلك باستخدامها أسلحة وتكنولوجيات ونظم تقول جهات أميركية إنّ مصدرها صيني وإنّها تصل إلى أيدي الحوثيين عن طريق إيران التي تجمعها ببكين مصالح كبرى وتعاون في العديد من المجالات ومن ضمنها مجال التسلّح.
وتقول الجماعة التي تعتبر إحدى الأذرع الإقليمية للجمهورية الإسلامية إنّ ترسانتها من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ومن بينها صواريخ فرط صوتية وأخرى ذات رؤوس انشطارية، مصنّعة محليا. لكن خبراء في مجال التسلّح يجزمون بأنّ تلك الأسلحة مستوردة من الخارج وأنّ الاختبارات التقنية تسمح بتتبع منشئها وموطن تصنيعها والتكنولوجيا المستخدمة فيها وهي بلا خلاف تكنولوجيا صينية.
وفرضت الولايات المتحدة جولة جديدة من العقوبات على الحوثيين، فيما وصفته إدارة ترامب بأنه أكبر إجراء من نوعه تتخذه واشنطن ضد الجماعة المتحالفة مع إيران. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان أنها فرضت عقوبات على 32 فردا وكيانا بالإضافة إلى أربع سفن، في محاولة لتعطيل عمليات جمع الأموال والتهريب والهجمات التي يقوم بها الحوثيون.
الحوثيون لا يعدمون وسيلة في الالتفاف على العقوبات الأميركية وجعلها قليلة الأثر العملي على قدراتهم وسلوكهم
ومن بين الأهداف العديد من الشركات الصينية التي قالت وزارة الخزانة إنها ساعدت في نقل مكونات عسكرية، بالإضافة إلى شركات أخرى تساعد في ترتيب شحن سلع ذات استخدام مزدوج إلى الحوثيين. وأضافت الوزارة أن العقوبات تستهدف أيضا مهربي النفط وشركات الشحن المرتبطة بالحوثيين.
وفهمت بكين مغزى الرسالة الأميركية المضمنة في العقوبات على الحوثيين وردت عليها، الجمعة، ببيان لوزارة الخارجية الصينية قالت فيه إنّها ترفض “إساءة استخدام العقوبات أحادية الجانب وتوسيع نطاق الولاية القضائية من جانب الولايات المتحدة،” معتبرة أن ذلك “ينتهك القانون الدولي والمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية.”
وعرقل الحوثيون التجارة العالمية منذ أواخر 2023 بشن المئات من الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على السفن في البحر الأحمر، قائلين إنهم يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين بعد حرب إسرائيل على غزة.
وكان ترامب قد أعلن في مايو الماضي عن قرار مفاجئ بوقف الضربات العسكرية الأميركية لجماعة الحوثي الذي صعّدت من جهة مقابلة، وبشكل كبير، من استهدافها لخطوط الملاحة وخصوصا من قصفها لأهداف داخل إسرائيل ردّت عليها الأخيرة بعنف بالغ أودى برئيس الحكومة التابعة للجماعة وعدد كبير من وزرائها كما دمر بنى تحتية ومرافق حيوية ومدنية وعسكرية في العاصمة صنعاء وعدد من مناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ومع ذلك لم تتراجع واشنطن عن قرارها بوقف الضربات للحوثيين واتجهت نحو محاولة الضغط عليهم باستخدام العقوبات وهي وسيلة لم تظهر إلى حدّ الآن أي أثر عملي على قدرات الجماعة التي لا تعدم وسيلة للالتفاف عليها بمساعدة من إيران وتواطؤ من بكين على تقول مصادر غربية.
ويعكس ورود اسم الصين ضمن لائحة العقوبات الأميركية الجديدة على الحوثيين حالة من الامتعاض الأميركي من انخراط بكين في تسليح الجماعة الأمر الذي لا يوفر لها فقط موردا ماليا ولكنّه يكسبها ميزات أخرى من بينها ضمان الأمن لتجارتها المتدفقة عبر خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر، حيث تحدّثت تقارير غربية عن تمتّع شركات صينية بنوع من الضمان ضدّ هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة في تلك المناطق الأمر الذي يمكّنها من مواصلة تسويق منتجاتها عبر ممر بحري مختصر يوفر الكثير من الوقت والمال في وقت اضطرت فيه شركات دولية أخرى لاستخدام ممرات أطول وأعلى كلفة تفاديا للتهديدات والمخاطر التي أوجدتها الجماعة بهجماتها التي تضعها تحت عنوان دعم الفلسطينيين في الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزّة.
ويبدو الأمر كما لو أن صداقة نشأت بين الجماعة التي تقيم سلطة أمر واقع غير معترف بها دوليا على أجزاء واسعة من اليمن والصين التي تعلن ضمن سياساتها الرسمية الالتزام بالقوانين الدولية والحياد في الصراعات ما يجعل تلك الصداقة، على افتراض وجودها بالفعل، مجافية للمنطق ومتناقضة حتى مع مصالح بكين في المنطقة والعالم والمترابطة مع مصالح دول إقليمية وقوى عالمية ممتعضة شديد الامتعاض من سلوكات الحوثيين ومتضررة ماديا واقتصاديا من اعتداءاتهم على خطوط الملاحة بعد أن اضطرت شركات تحمل جنسيتها لتحمّل الخسائر الناجمة عن تعطيل حركتها في البحر الأحمر وتغيير مسارات تسويق منتجاتها أو استقبال منتجات ومواد خام من دول وشركات كانت تستخدم الممر البحري نفسه.
ورود اسم الصين ضمن لائحة العقوبات الأميركية الجديدة على الحوثيين يعكس حالة من الامتعاض الأميركي من انخراط بكين في تسليح الجماعة
ويكمن سرّ العلاقة بين الحوثيين والصين لدى إيران التي تربطها أيضا علاقات حيوية عالية المردود للصينيين لا تتردّد في استثمارها لمصلحة جماعة الحوثي التي تمثّل ذراعا للجمهورية الإسلامية في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية.
وكان من مظاهر المفعول العكسي للعقوبات الأميركية الصارمة المفروضة على إيران أنّها ساهمت في بناء علاقات اقتصادية متينة بين طهران وبكين التي لا ترى نفسها ملزمة بتطبيق تلك العقوبات وهو ما تقوم به فعليا من خلال استحواذها على الغالبية العظمى من صادرات النفط الإيراني.
ويبدو أن مثل هذه المصالح شديدة الحيوية بين الطرفين أتاحت عقد تفاهمات جانبية غير معلنة اتّسعت لتشمل بعض حلفاء إيران الإقليميين وتحديدا الحوثيين. وتروج منذ أكثر من سنتين أخبار بشأن قيام بكين بتزويد جماعة الحوثي بأسلحة متطورة وأجهزة مختلفة بما فيها أجهزة اتصال عسكرية.
وغير بعيد عن سياق هذه العلاقة الملتبسة ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير سابق لها أن شركات تصنيع السيارات الصينية مازالت تواصل شحن مركباتها إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس رغم استمرار خطر هجمات الجماعة على السفن في هذا الممر البحري الحيوي، وذلك في وقت تتجه فيه معظم شركات الشحن العالمية إلى اتخاذ مسار أطول وأكثر تكلفة يلتف على القارة الأفريقية ويمر عبر رأس الرجاء الصالح لتفادي الهجمات.
ويرجح محللون أن بكين توصّلت إلى تفاهم غير معلن مع إيران ومن ورائها الحوثيون يقضي بعدم استهداف ناقلات السيارات الصينية. وقال دانيال ناش المدير المساعد في شركة فيسون نوتيكال إن “الصين تبدو وكأنها وجدت طريقة للتعامل مع الحوثيين المدعومين من إيران، وتم إبلاغها بأن سفنها لن تُستهدف.”
ويختصر العبور عبر البحر الأحمر وقناة السويس المدة الزمنية التي تستغرقها الرحلة ذهابا وإيابا بين آسيا وأوروبا بما يتراوح بين أربعة عشر وثمانية عشر يوما، ما يوفر مئات الدولارات من تكلفة كل سيارة محمولة على متن السفن عبر تقليص استهلاك الوقود وأجور الطواقم، إضافة إلى خفض الانبعاثات. ويمنح هذا الامتياز شركات السيارات الصينية ميزة تنافسية في السوق الأوروبية أمام نظيراتها اليابانية والكورية والأوروبية التي لا تستخدم حاليا المسار المختصر عبر البحر الأحمر.