مصافي عدن التاريخية.. تسارع الزمن لتستعيد زمنها الجنوبي المجيد
الأمناء/ كتب/ صالح حسين الفردي :

الرئيس الزبيدي: مصافي عدن شريان اقتصادي استراتيجي للبلاد

29 يوليو 1954.. لحظة ميلاد المصفاة العملاقة في عدن

150 ألف برميل يومياً جعلت عدن مركزاً عالمياً للطاقة

مايو 1977.. الدولة الجنوبية تتسلم مفاتيح المصفاة

كوادر جنوبية صنعت تاريخ التكرير النفطي في المنطقة

عشر سنوات من التوقف.. فساد وإقصاء أطفأ شعلة المصافي

زيارة تاريخية للزبيدي تعيد الأمل بعودة الدور الريادي للمصفاة

مصافي عدن.. 71 عاماً من المجد تعود من جديد

 

يوليو 1954م كانت البداية محليّاً والانطلاق عربيّاً وعالمياً:     

قبل واحدٍ وسبعين عاماً، وبالتحديد صباح الخميس التاسع والعشرين من يوليو، من العام 1954م، انطلقت أول عملية تكرير بترول في مصافي عدن، لتؤسّس لمرحلة جديدة في تاريخ العاصمة عدن، وتضعها في مصاف العواصم العربية والإقليمية والدولية المؤثّرة على حركة التجارة العالمية، وشريانها الحيوي -النفط -سلعة العصر، وميكنة الحياة، ومحرّك السفن، والأساطيل العملاقة العابرة للقارات، والبحار والخلجان والمحيطات.لم تكن فكرة إنشاء شركة الزيت البريطانية بي بي (BP) لمصافي عدن التي بدأت تنفيذها في مطلع العام 1952م، محظَ صدفةٍ، وإنما كانت ضمن استراتيجية الحكومة البريطانية عالمية، يومها سعت الشركة إلى استغلال موقع العاصمة عدن القابض على أهم على أهم الممرات المائية، مضيق باب المندب، كونه يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، ويمثّل أهم الطرق الحيوية للتجارة العالمية، وخاصةً تجارة النفط والسلع القادمة من الشرق الأقصى وأفريقيا إلى أوروبا عبر قناة السويس، إضافة إلى أهميته العسكريّة الكبيرة في حركة الملاحة البحرية وتأمين طرق التجارة.

ظلّت شركة الزيت البريطانية المحدودة هي المالكة والمشغّلة لمصافي عدن، طيلة عقدي الخمسينيات والستينيات، بطاقة إنتاجية بلغت (150) ألف برميل يوميّاً، نجحت المصافي خلال هذين العقدين من الزمن، في توفير الوقود اللازم للاستهلاك المحلي، وتوليد الطاقة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، وتحقيق عائدات مالية كبيرة من خلال تصدير المشتقات النفطية إلى دول الجزيرة والخليج، وغيرها من دول العالم.

مايو 1977م، تأسيس شركة مصافي عدن الجنوبية:

في مايو من العام 1977م صدر قرار حكومة الاستقلال في وطننا الجنوبي، قضى بتأسيس شركة مصافي عدن بموجب القانون رقم (15) لعام 1977م لتكون المسؤولة والمشغلة لمصفاة عدن ومنافعها وملحقاتها الواقعة في عدن الصغرى، البريقة، وكذلك لإدارة عدن لتموين البواخر بالوقود الواقعة في التواهي، لتؤول ملكية المصفاة بجميع منافعها وملحقاتها إلى الدولة الجنوبية بالعاصمة عدن.

تميّزت مصافي عدن خلال نصف قرن من بدء انطلاقتها، بتكرير النفط الثقيل كـ(نفط الكويت) ونجحت في تنويع منتجاتها النفطيّة ومشتقاها الأخرى، ومن ذلك وقود السفن، والمازوت الخفيف، والديزل ثقيل، الـ(بحري)، والبنزين، والكيروسين، والسولار، والوقود الخاص لاستعمال المصفاة، ووقود المحركات النفاثة، وقود الآلات الثقيلة، لتصبح رافداً مهماً من روافد الاقتصاد في وطننا الجنوبي لأكثر من نصف قرن من الزمان.

كوادر جنوبية صنعت مجد وتاريخ المصافي:

يسجّل التاريخ المجيد لمصافي عدن خلال سنوات الإنجازات الكبيرة في مسيرتها التشغيلية والإنتاجية بالكوادر الوطنية الجنوبية العاملة في كل مفاصلها الحيوية المهمة، أنها قد اكتسبت سمعة عالمية في جودة عمليات التكرير لأنواع مختلفة من النفط الخام، الذي كان يفد إليها من العديد من دول الشرق الأوسط وروسيا وشرق أفريقيا وإيران، وصولاً إلى نفطنا المحلي القادم من شركة بترو مسيلة، مؤكدةً نجاحها في كسب الثقة داخلياً وخارجيّاً، وايفائها بكل التزاماتها وفقاً ومعايير التعاقد وضوابطه الفنيّة والزمنيّة والماليّة.

كغيره من روافد الاقتصاد الوطني الجنوبي، كان التدمير الممنهج لقوى الاحتلال، والسيطرة والنفوذ، وتكتلات المصالح ومافيا الفساد الدور الحاسم في إيقاف شعلة النيران المتقدة لأكثر من ستين عاماً، لم تكن شافعة لبقاء هذا الوهج المشع في مدينة الحياة العصريّة عدن، لتسقط مصافي عدن لعشر سنوات في مستنقع التغييب القسري لدورها وريادتها في ديمومة النشاط المتعدد الاتجاهات لسلعة العالم النفط، وتغرق العاصمة عدن في أزمات الطاقة سنة بعد أخرى دون بارقة أمل من الحكومات المتعاقبة على ديمومة الحياة ومصير الشعب.

الرئيس الزبيدي يدفع باستعادة مجدها بالتزامن مع ذكرى إنشائها الحادية والسبعين:

 بالتزامن مع مرور واحد وسبعين عاماً على تشغيل مصافي عدن التاريخية، ومن أجل استعادة دورها المحوري في إنعاش الحياة المدنية والاقتصادية والتجارية، جاءت زيارة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي – رئيس المجلس الانتقالي – نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى مقر شركة مصافي عدن ولقائه بقيادة الشركة والقيام بجولته التفقدية، والاطلاع على ما يعتمل من جهود كبيرة ومضنية لعودة شعلة المصافي متقدةً في سماء العاصمة عدن، مؤكداً أن شركة مصافي عدن تمثل شرياناً اقتصادياً استراتيجياً للبلاد، مضيفاً بالقول: "نُدرك حجم التحديات والصعوبات التي تمر بها الشركة، لكننا نؤمن أنكم على قدر المسؤولية، واليوم أنتم أمام اختبار حقيقي، وكلنا ثقة بكم وبقدرتكم على تجاوز الصعوبات وإعادة تشغيل المصافي بكفاءة، وسنكون معكم وإلى جانبكم بكل ما نملك، وجنودا نتقدّم صفوفكم في ميدان إعادة بناء هذا الصرح الاقتصادي وتحديثه لاستعادة مكانته الريادية".

هذه الزيارة التي حرص الرئيس القائد أن يقف أمام التحديات والصعوبات والعراقيل التي تقف حجرة عثرة أمام التعجيل بإعادة تشغيل المصافي، وتسهم في عدم انطلاق عملية الترميم والصيانة وإعادة التأهيل لكل مكونات المصافي ومرافقها الحيوية، كانت محطّة مهمة في تاريخ المصفاة، ودفعت بقيادتها وخبرائها وفنييها وعمالها وطواقمها الإدارية والخدميّة إلى تشمير السواعد لتحقيق أهم الإنجازات الاقتصادية، والإسراع في تشغيل بعض الوحدات التي أصبحت جاهزة للعمل وطي صفحة الإيقاف والعجز التام.

وقد توالت لقاءات الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي بكل الجهات المعنيّة بإصلاح ما وصلت إليه مصافي عدن من تعطيل كامل لكل وحداتها الانتاجيّة، وعمل جاهداً بالتنسيق مع دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم صالح بن بريك على التسريع في انتشال أوضاعها المزرية التي آلت إليها، والاطلاع من وزير النفط إلى الخطوات التي تم اتخاذها لتأمين التمويل اللازم لإعادة تشغيل المصافي وتأمين الكميات المطلوبة من النفط الخام لتكرير المشتقات البترولية.

الوقوف أمام الخطوات العملية لاستعادة تشغيل مصافي عدن:

في صباح الاثنين الماضي 18 أغسطس 2025م، وقفت لجنة الإيرادات السيادية والمحلية، في اجتماعها الدوري السابع برئاسة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أمام التقرير التفصيلي المقدّم من وزارة النفط والمعادن مطلعة على ما أنجزته الوزارة لاستكمال الترتيبات الخاصة بالحصول على التمويل المطلوب لتشغيل شركة مصافي عدن، بما يسهم في تعزيز قدرتها الإنتاجية وتأمين احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية، بما يؤكّد الحرص الشديد على تذليل كافّة الصعوبات والعراقيل التي تقف عثرة أمام استعادة هذه الميكنة الاقتصادية الجنوبية العملاقة لدورها المهم في سلّم أولويات التعافي الاقتصادي في أرض الجنوب.

وقد شددت اللجنة على ضرورة مواصلة جهود التنسيق مع البنك المركزي والجهات ذات العلاقة لضمان سرعة تذليل كافة الصعوبات الفنية والإدارية لتوفير التمويل المطلوب لتشغيل المصفاة، باعتبارها ركيزة أساسية في تعزيز الاقتصاد الوطني وتخفيف الأعباء على المواطنين.

توجيهات الرئيس القائد، وجهود حكومة بن بريك

تثمر عن منح شركة المصافي ترخيصاً لمزاولة نشاطها الاستثماري في المنطقة الحرّة بالعاصمة عدن:وفي سياق الجهود التي بذلها الرئيس القائد لعودة النشاط التجاري لمصافي عدن، وتوجيهاته الكريمة وبإشراف مباشر من دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم صالح بن بريك، أصدرت قيادة المنطقة الحرة في العاصمة عدن قرارًا رسميًا بمنح شركة مصافي عدن ترخيصاً لمزاولة النشاط الاستثماري داخل المنطقة الحرة، التي تشتمل على أنشطة تكرير النفط الخام، وشراء وبيع المنتجات النفطية، وخزن المشتقات، إلى جانب التمتع بكافة المزايا والضمانات والتسهيلات المقررة في قانون المناطق الحرة ولائحته التنفيذية، بما يمهّد الطريق أمام مرحلة جديدة من العمل الاقتصادي المنظم والمفتوح على فرص استثمارية واعدة.

وهي الخطوة التي تعزز من مصداقية شركة مصافي عدن، وتمكّنها من استغلال كل طاقاتها وامكاناتها المادية والإنتاجية في خوض غمار المنافسة الحقيقية لجلب العقود الاستثمارية، واتساع مساحة نشاطاتها التجارية اقليمياً ودولياً، وتسهم في رفد السوق المحلي بما يحتاجه من منتجات نفطية ومشتاقته اليومية الوفيرة.

شركة مصافي عدن تصدر توضيحاً هاماً بشأن حقيقة تشغيل الوحدات الإنتاجية:

وفي سياق حرص شركة مصافي عدن على اطلاع الرأي العام الجنوبي، وأهمية معرفته لحقيقة ما وصلت إليه كل الجهود لتشغيل وحداتها الإنتاجية، وفي ظل ما تناقلته العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، من تأكيد باستئناف بعض وحدات الإنتاج في المصافي لعملها، أكّدت قيادة الشركة عدم صحة هذه الأخبار، ونفت نفياً قاطعاً أن تكون مثل هذه الأخبار غير الدقيقة، قد صدرت من أي جهة رسميّة في المصفاة، موضحة أنه منذ استلام الإدارة الحالية قيادة المصفاة، وهي تبذل جهودًا حثيثة لإعادة تشغيلها، وبفضل الله ثم بجهود المهندسين والفنيين والعمال خلال السنوات الماضية، تم تجهيز وحدتي التقطير الفراغي وإنتاج الإسفلت، ويجري حاليًا استكمال الترتيبات النهائية لتشغيلهما، مؤكدةً انه ما تزال الأعمال مستمرة على مدار الساعة لإعادة تأهيل وحدة صغيرة لتكرير النفط الخام، وعند استكمال أعمال التأهيل وتوفير النفط الخام، سيتم التشغيل بمشيئة الله، واهابت الشركة بالجميع تحرّي الدقة وعدم تداول أي أخبار عن المصفاة إلا بعد التأكد من صحتها عبر مصادرها الموثوقة، والمتمثلة في الموقع الإلكتروني للمصفاة أو ما تنشره إدارة العلاقات العامة والإعلام في شركة مصافي عدن.

نفي يؤكّد تسارع خطى الإنجاز والتشغيل

وعلى الرغم مما أكده بيان شركة المصافي من زيف الأخبار التي انتشرت كالنار في الهشيم خلال اليومين الماضيين بتشغيل المصفاة، إلا أن بيان النفي حمل في طياته، وأحرف سطوره ما يظهر العزيمة الصلبة لدى قيادة المصفاة كل طواقهما وعمالها، وتفانيها في العمل وبذل الجهود الكبيرة وعلى مدار السّاعة لانتهاء من أعمال الصيانة والتصليح لكل مكوناتها، وبما يضمن استئنافها لنشاطها اليومي، وفق خطوات مدروسة ومزمنة، سوف ننتظر هذه العودة الميمونة، لتعود شعلة نيران مصافي عدن تتّقِد من جديد لتكمل مهامها الحضارية والإنسانية والاقتصادية والخدماتية في العاصمة عدن وكل أرجاء الوطن، معلنةً أن وهجها لن ينطفئ، وإن خفتت شرارة اللهب ذات سنين عجاف، فهي كامنة إلى حين، ولكنها بعزيمة الرجال المخلصين سوف تنبعث من جديد.

متعلقات
الشعيبي: زيارتنا للضالع تأتي لتنفيذ توصيات النزول واللقاءات السابقة والالتزامات التي تعهدنا بتنفيذها
خبير اقتصادي : صرف الرواتب بالعملة الصعبة مخالفة قانونية وجريمة اقتصادية تُضعف العملة المحلية وتستنزف الموارد
الأرصاد الجوية تحذر من أمطار رعدية ورياح شديدة مصاحبة لها في عدة محافظات
الأرصاد الجوية تحذر من أمطار رعدية ورياح شديدة مصاحبة لها في عدة محافظات
تنفيذ حملة الرش الضبابي والرذاذي في المنصورة بعدن