ليس من الإنجاز أن يتحسن سعر صرف العم.لة الوطنية مؤخرًا؛ فذلك لا يُعدّ دليلاً كافيًا على نجاح السياسات الاقتصادية، بل هو نتيجة لمعالجات اضطرارية جاءت بعد تفاقم الأزمات والتضخم، الناتج بالأساس عن غياب الدور الحكومي في إدارة الاقتصاد على النحو المطلوب.
التساؤل المشروع الذي يطرحه الشارع اليوم هو: هل سيستمر هذا الاستقرار النقدي؟ وهل ستتبعه خطوات إصلاحية حقيقية تعالج جذور الأزمة، وتُعيد للعملة الوطنية قيمتها؟ أم أن ما يجري لا يتعدى كونه جرعة تهدئة مؤقتة، الهدف منها إسكات الشارع بعد أن بلغ السيل الزبى؟
إذا كانت هناك نية جادة لدى الحكومة لتحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي، فعليها أن تبدأ بتطبيق سياسة تقشف صارمة، تبدأ من داخل أروقتها، وخاصة في ما يتعلق بنفقات الوزارات والسلك الدبلوماسي ومجالس النواب والشورى، وكذلك مخصصات المحافظين ومديري المديريات، وقادة الألوية العسكرية، وكل من يشغل منصبًا رفيعًا في الدولة.
من أولى خطوات الشفافية أن تعلن الحكومة عن كشوف الرواتب والامتيازات الممنوحة للمسؤولين، وأن تُنشر رسميًا في وسائل الإعلام، ليشعر المواطن بأن المسؤول شريك في تحمّل أعباء الأزمة، رغم الفارق الكبير بين معاناة الطرفين.
كما ينبغي على الحكومة أن تُعيد النظر في رواتب كبار موظفيها في كافة القطاعات، وأن تُوقف هدر المال العام عبر الالتزام بنهج تقشفي صارم. حينها فقط يمكن القول إن الحكومة بدأت فعلاً عملية إصلاح اقتصادي جادة، وأثبتت صدق نيتها في معالجة الثغرات التي تنخر في جسد الاقتصاد الوطني.
فالمبالغ الطائلة التي تُصرف بالعملة الصعبة على كبار المسؤولين، إذا ما أُودعت في البنك المركزي، ستُسهم بشكل ملموس في تعزيز الاحتياطي النقدي، وضخ مليارات الريالات في شرايين الاقتصاد، ما من شأنه أن يُعيد الثقة، ويُطلق شرارة الإصلاح من قلب الأزمة.