في موقف حازم يعكس حرص دولة الإمارات على استقرار السودان وسلامة شعبه، جدد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، دعوة الإمارات الصريحة لوقف الحرب الدائرة في السودان "فورا ودون شروط".
ويأتي هذا التأكيد القوي في أعقاب صدور تقرير نهائي عن مجلس الأمن الدولي، يفضح الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة بحق المدنيين السودانيين، ويقوّض بشكل قاطع المزاعم الباطلة التي يروج لها قادة الجيش السوداني، المدعومون بعناصر إسلامية متشددة، في حملة تضليل ممنهجة تهدف إلى التغطية على مسؤوليتهم عن الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
وعبر حسابه الرسمي على منصة إكس، أكد قرقاش أن "تقرير مجلس الأمن النهائي حول السودان يفضح انتهاكات الأطراف المتحاربة بحق المدنيين ويدحض مزاعم الجيش السوداني الباطلة ضد الإمارات، في حملة تضليل ممنهجة تهدف للتنصل من المسؤولية".
وجدد المستشار الدبلوماسي، موقف الإمارات الثابت قائلا "نجدد دعوتنا لوقف الحرب فورًا دون شروط، والانخراط الجاد في محادثات السلام، وتسهيل المساعدات الإنسانية، ودعم قيام حكومة مدنية مستقلة تحقق تطلعات الشعب السوداني".
وفي سياق متصل، كشف التقرير النهائي الصادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، والذي استند إلى تحقيقات معمقة وشهادات موثوقة، عن عدم صحة الادعاءات التي وجهها الجيش السوداني لدولة الإمارات.
وأوضح السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، في بيان رسمي أن التقرير "يسلط الضوء على الانتهاكات واسعة النطاق التي ارتكبها كلا الطرفين المتحاربين ضد الشعب السوداني الشقيق، بما يشمل الغارات الجوية العشوائية، والهجمات على المدنيين، وجرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، إلى جانب استخدام منع وصول المساعدات الإنسانية كسلاح".
وأعرب المندوب الإماراتي عن أسفه لاستمرار "أحد الأطراف المتحاربة، القوات المسلحة السودانية، في توجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة ضد بلادي، من أجل صرف الانتباه الدولي عما يرتكبه من فظائع، بما يشمل استخدام الأسلحة الكيميائية".
وشدد على أن "هذا التقرير لا يقدم أي دعم للادعاءات الباطلة التي وجهتها القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات ولا يتضمن أية استنتاجات ضد الدولة".
وجدد السفير أبوشهاب تأكيد موقف الإمارات الداعي إلى إنهاء الحرب الأهلية في السودان "دون شروط مسبقة"، والانخراط في "محادثات سلام، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى كافة أرجاء السودان".
ولم تقتصر دعوة الإمارات على وقف القتال وتقديم المساعدات الإنسانية، بل أكد سفيرها لدى الأمم المتحدة على ضرورة أن يوحد المجتمع الدولي جهوده لدعم "عملية سياسية ذات مصداقية، تُفضي إلى حكومة يقودها المدنيون، مستقلة عن الجيش، وتؤدي في نهاية المطاف إلى إرساء السلام والاستقرار الدائمين للشعب السوداني الشقيق".
وكان قادة الجيش السوداني، الذين يضمون في صفوفهم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، قد اتهموا دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بـ"انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها بدعمها قوات شبه عسكرية في إقليم دارفور".
وقد أكدت الإمارات مرارًا رفضها القاطع لهذه الاتهامات المغرضة، واصفة إياها بأنها "لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية"، ومشددة على أنها "لا تدعم أي طرف" في الحرب الأهلية السودانية، وأنه لا يوجد أي دليل يدعم ادعاءات السودان، بما في ذلك مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية.
وعلى الرغم من الحملة الإعلامية المضللة التي يقودها الإسلاميون المهيمنون على مفاصل الحكومة والجيش السوداني، فقد لعبت دولة الإمارات دورا محوريا بالتنسيق الوثيق مع الهيئات الأممية والدولية المعنية في تقديم مساعدات الإغاثة العاجلة لملايين السودانيين المتضررين من الحرب.
ولم تتأثر جهود الإمارات الإنسانية النبيلة بهذه الاتهامات الباطلة، بل استمرت بتدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية للتخفيف من معاناة الشعب السوداني الشقيق.
وقد أكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في مناسبات عديدة التزام دولة الإمارات بالوقوف على مسافة واحدة من طرفي الأزمة في السودان، وهما الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ اندلاع النزاع المسلح. كما دعت الإمارات مرارا وتكرارا إلى الحوار الجاد والمباشر بين الأطراف السودانية كسبيل وحيد لإنهاء الاقتتال وحقن الدماء.
في إطار جهودها الدؤوبة لإنهاء الصراع في السودان، طرحت دولة الإمارات قبل أقل من أسبوعين مبادرة جريئة وشاملة، تضمنت خريطة طريق واضحة المعالم تهدف إلى وقف الانهيار الإنساني الشامل ونشر السلام المستدام في البلاد.
وقد قدمت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، هذه الخارطة الطموحة أمام المجتمع الدولي خلال مشاركتها في "مؤتمر لندن حول السودان"، الذي استضافته المملكة المتحدة بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي.
وقد جاءت هذه المبادرة لتفند بشكل قاطع "الأكاذيب والاتهامات الزائفة" التي يروج لها قادة الجيش السوداني، وتؤكد على ضرورة محاسبة جميع الأطراف المتورطة في ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوداني.
وقد أولت المبادرة اهتماما خاصا بالتداعيات السياسية والإنسانية العميقة للأزمة السودانية، مع التركيز على حشد الجهود الدولية للعمل على إنهاء الصراع، والدعوة الصريحة لمساءلة ومحاسبة جميع أطراف الأزمة عما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب السوداني.
ويعكس موقف دولة الإمارات الواضح والصريح، والذي تجلى في تصريحات مستشار الرئيس وتقرير مجلس الأمن، التزاما راسخا بالسلام والاستقرار في المنطقة.
ويمثل الموقف المبدئي الثابت لدولة الإمارات، والذي تجلى بوضوح في تصريحات القيادة الرشيدة وتقرير مجلس الأمن الدولي، يمثل شهادة قوية على التزام الدولة الراسخ بالسلام والاستقرار الإقليميين.
وتعد مبادرة الإمارات الشاملة وخريطة الطريق المقترحة أساسًا متينًا للتحرك الدولي الموحد نحو إنهاء هذه الحرب المدمرة وتحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الأمن والازدهار.
ومن الأهمية بمكان أن تواصل دولة الإمارات جهودها الدبلوماسية المكثفة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة لحشد الدعم اللازم لهذه المبادرة، والضغط المستمر على الأطراف المتحاربة في السودان للانخراط بجدية وصدق في مفاوضات السلام.
كما أن استمرار دولة الإمارات في تقديم الدعم الإنساني والإغاثي السخي للشعب السوداني، بالتنسيق الوثيق مع المنظمات الدولية والإقليمية، يعزز دورها الإنساني الرائد ويجسد قيم التضامن والعطاء التي تمثل جزءًا أصيلًا من نهجها. فالقيادة الحكيمة لدولة الإمارات ورؤيتها الاستراتيجية الثاقبة تضعها في موقع فريد للمساهمة الفعالة في تحقيق السلام المستدام والعدالة المنشودة في السودان.
واندلعت الحرب في السودان في أبريل من العام 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، على خلفية خلافات حول خطة الانتقال إلى الحكم المدني.
وقد تسببت هذه الحرب في كارثة إنسانية مروعة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، باتوا بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، بينما يلوح شبح المجاعة في الأفق، وأُجبر نحو ثمانية ملايين شخص على الفرار من ديارهم بحثًا عن الأمان.