كتب: جمال جابر
رئيس مجلس الحراك المدني
تعريف المسخ القيمي وربطه بالواقع المعاش في عدن والجنوب واليمن بشكل عام
المسخ القيمي هو تشويه القيم الأخلاقية والإنسانية، بحيث يفقد الإنسان إنسانيته ويتحول إلى مجرد كائن بلا ضمير أو رحمة. عندما تتآكل القيم، يصبح المجتمع بيئة خصبة للفساد، حيث تتلاشى الأخلاق لصالح المصالح الشخصية، وتتحول المبادئ إلى شعارات زائفة. هذه الظاهرة تتجلى بوضوح في الواقع المعاش في العاصمة عدن، والجنوب، واليمن عمومًا، حيث نشهد انهيارًا أخلاقيًا متسارعًا انعكس في جميع نواحي الحياة، من السياسة إلى الاقتصاد والإعلام.
شيطان في شكل إنسان.. كيف يكون ذلك؟
يكون ذلك عندما يُنتزع الضمير والرحمة من قلوب فئات معينة من الناس، فيتحولون إلى أدوات للشر، لا يكترثون بمعاناة الآخرين، بل يستغلونها لصالحهم. هؤلاء هم مسوخ العصر الحديث، الذين يشكلون أركان الأزمة التي يعيشها الوطن.
المسخ الأول: المسؤولون.. خيانة الشرف والوطن
من أعلى مسؤول في الدولة إلى أدنى موظف، نجد فئة ممن باعوا ضمائرهم، وأصبحوا مجرد أدوات لخدمة مصالحهم الخاصة. هؤلاء يعزفون سيمفونية شيطانية، يتغنون فيها بالوطنية والشرف، بينما هم في الحقيقة أول الخائنين لهذين المبدأين.
هم السبب الأساسي فيما يعانيه المواطن، لأنهم المسؤولون عن صناعة الأزمات وإدارتها لمصالحهم. قراراتهم لا تراعي معاناة الناس، بل تسعى إلى تعزيز نفوذهم وثرواتهم. فلا رحمة في قلوبهم، ولا شفقة على الجائع أو المريض أو المحتاج.
المسخ الثاني: التجار.. جشع بلا حدود
التجار الجشعون لا يقلون إجرامًا عن السياسيين الفاسدين. في ظل الأوضاع الاقتصادية المنهارة، تجدهم يستغلون الأزمات لتحقيق أرباح خيالية، رافعين الأسعار بلا مبرر، محتكرين السلع الأساسية، ومتذرعين بحجج واهية لتبرير استغلالهم للناس.
وصل الأمر ببعضهم إلى محاربة زملائهم من التجار الذين ما زال في قلوبهم ذرة من الرحمة، كي يخلو لهم السوق فيفرضوا أسعارهم المجنونة، ويمارسوا لعبة التجويع التي تدر عليهم الأرباح. هؤلاء لا يعرفون سوى لغة الطمع، ولا يهتمون بموت الفقير أو جوع العائلة المحتاجة، المهم أن تتضخم أرصدتهم على حساب معاناة الناس.
المسخ الثالث: الإعلام.. بوق المسوخ
أما الإعلام، فقد تحول في كثير من جوانبه إلى أداة لتبرير فساد المسؤولين وجشع التجار. الإعلاميون الذين كان يفترض أن يكونوا صوت الشعب، أصبحوا مجرد أدوات ترويج وتطبيل، يزينون الجرائم الاقتصادية والسياسية، ويغسلون عقول الناس لتقبل الظلم وكأنه قدر محتوم.
ورغم أن هؤلاء الإعلاميين لا يحصلون إلا على الفتات مما يجود به المسؤولون والتجار، إلا أنهم مستعدون لبيع أقلامهم وكلماتهم، والدفاع عن الظلم، متجاهلين حجم الألم والمعاناة التي يتسببون بها عندما يضللون الرأي العام ويخدعون الناس.
في النهاية.. لعنات الشعب ستطال الجميع
كل من ساهم في معاناة هذا الشعب، سواء كان مسؤولًا، أو تاجرًا، أو إعلاميًا منافقًا، لن ينجو من لعنة المظلومين. قد يراكمون الثروات، وقد يعتقدون أنهم في مأمن من الحساب، لكن الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يرحم، وقبل كل شيء، هناك عدالة إلهية لا تخطئ.
المجتمع الذي يمسخ قيمه يتحول إلى غابة، حيث يسيطر الأقوى ويُسحق الضعيف، لكن هذه الغابة لن تدوم طويلًا، فالمقهورون يومًا ما سيستعيدون أصواتهم، وسيحاسبون كل من سرق قوتهم، وباع أوطانهم، ومارس عليهم الظلم باسم الوطنية والاقتصاد والإعلام.