الشرعية اليمنية أمام منعطف خطير .. الإصلاح العاجل أو تحمل التبعات
الامناء نت/العرب:

تراقب السلطة اليمنية المعترف به دوليا في ظل حالة من قلّة الحيلة تسارع انهيار الوضع الاقتصادي والمالي وتبعات ذلك على الوضع الاجتماعي في المناطق التابعة لها، حيث يتضافر عدم الاستقرار وشح الموارد مع ظاهرة الفساد المستشرية وسوء الإدارة وهدر المال العام في خلق الوضع الكارثي الذي أصبح في حكم المتحقّق على أرض الواقع.

واضطر الانهيار الجديد الذي سجّل الخميس في قيمة عملة الريال المحلية وبلوغها سقف 2360 ريالا مقابل الدولار الواحد محلات الصرافة في عدن ومأرب إلى وقف نشاطها، في وقت تعرف فيه مناطق الشرعية حالة من التململ الشعبي غير المسبوق بسبب تدهور الوضع المعيشي وتردي الخدمات الذي أصبح الانقطاع الطويل والمتكرر للكهرباء عنوانا بارزا له.

وتدعو أوساط حقوقية وسياسية ودوائر مالية واقتصادية يمنية إلى خطة إنقاذ عاجلة لمنع حدوث الأسوأ، على أن يترافق ذلك مع جهد دؤوب وخطة واضحة لمحاربة الفساد وسوء التصرف والحد من هدر المال العام كون تلك الظواهر عوامل رئيسية في اندلاع الأزمات واستمرارها وعودتها بشكل دوري.

وفي إشارة إلى مدى تغلغل الفساد وانتشاره في مؤسسات الحكم والإدارة في اليمن، أرجعت جهات بحثية الظاهرة إلى فترة تتجاوز بكثير عُمُر السلطة اليمنية الحالية المعترف بها دوليا وتمتد إلى حقبة تسعينات القرن الماضي وما بعدها حيث مثّلت جزءا من الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.


وحذّر تقرير لمركز المخا للدراسات الإستراتيجية بشأن الفساد في اليمن وسبل الحدّ منه من استشراء الظاهرة وتحوّلها إلى خطر وجودي يتهدّد السلطة الشرعية، مقرّا في نفس الوقت بجهود رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك في مواجهتها رغم ما يعتري تلك الجهود من نواقص وقصور.

وكان بن مبارك قد تبنى منذ توليه رئاسة الحكومة قبل نحو سنة سياسات ضد الفساد وأدرجها ضمن أولويات حكومته. وقام وخلال الفترة السابقة بتحريك ملف مكافحة الفساد واتخذ عددا من الإجراءات للحد منه بما فيها تحفيز وتنشيط الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإحالة قضايا فساد إلى النيابة العامة بناء على تقارير الجهاز المركزي للمحاسبة وتفعيل الشراكة مع المجتمع الدولي لدعم مسارات الإصلاحات.

لكن التحديات والمعوّقات لم تتأخر في الظهور في طريق هذا النهج ما جعل الجهود المبذولة في نطاقه تراوح مكانها فيما الأوضاع لا تتوقّف على الانسياق نحو المزيد من السوء وثقة الشارع بالسلطات تزداد تراجعا واهتزازا.

ولا ينفصل تغوّل الفساد في اليمن عن الوضع السياسي والأمني والمنعطفات الحادة التي عرفتها البلاد منذ مطلع العشرية الماضية وخلالها حيث أدى انقلاب جماعة الحوثي واستيلائهم على السلطة بقوة السلاح إلى تغيير في الأولويات الوطنية لصالح إنهاء الانقلاب واستعادة سلطة الدولة وما يستلزمه ذلك من إعادة بناء السلطة الشرعية وأجهزتها الحيوية، كخطوة ضرورية لتحقيق ذلك.

وقد امتزجت جهود إعادة بناء السلطة الشرعية بالكثير من الأخطاء والفساد وكان يتم التغاضي عن ذلك تحت عنوان طبيعة المرحلة. وتحولت الانحرافات والأخطاء، بحسب تقرير مركز المخا، إلى اتجاهات أصيلة في بنية السلطة الشرعية وتوجهاتها.


وتتعدّد أشكال الفساد ومظاهره مع تطوير الجهات المنخرطة فيها لأساليب متنوعة وطرق عديدة للوصول إلى المال العام وتحويل وجهته. وتشمل تلك الأشكال سطو التشكيلات العسكرية في عدد من المحافظات على جانب غير قليل من موارد الدولة من خلال الجبايات والتحصيلات التي تتجاوز مئات الملايين من الدولارات. كما تشمل الفساد الفاحش الذي يمارسه بعض محافظي المحافظات التي لديها حصة من عائدات النفط والضرائب.

ولا يستثني الفساد السلك الدبلوماسي الذي يظل أحد أفضل الأسلاك التي تتنافس عليها الأحزاب والشخصيات المتنفذة لما يتيحه العمل فيها من راحة ورفاهية واختلاس بعيد في الغالب عن أيّ رقابة.

واحتوت تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التي سمح مؤخرا بنشر أجزاء منها على عينة من الفساد في عدّة مجالات حيث بلغ حجم الاختلاسات التي تم كشفها أكثر من مليار وسبعمئة وعشرين مليون دولار.

ويضاف هذا الفساد إلى هدر معلن وسوء تصرف في الموارد على شحّتها تلخصه المدفوعات المنتظمة بالعملة الصعبة والتي تقترب من عشرة ملايين دولار شهريا يتقاضاها المسؤولون الحكوميون الذين يقيم أغلبهم خارج البلاد.


ومن الآثار الجانبية للفساد في اليمن تأثيره السيء على سمعة السلطة الشرعية في وقت تحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى  للمساعدة والإسناد من قبل المجتمع الدولي الذي أصبحت الكثير من مكوناته ومؤسساته تظهر حذرا وتردّدا في بذل المزيد من المساعدات لحكومته لعدم ثقتها بحسن توظيفها والتصرف فيها.

ويجعل الخطر الداهم والوضع الكارثي الذي لا يمكن توقّع نتائجه وتداعياته والذي قد تؤول إليه الأزمة الحالية من الإنقاذ العاجل جنبا إلى جنب مواجهة الفساد بشكل حاسم ضرورة لا يمنح ضغط الوقت والأحداث ترف تأجيلها.

وتقع على الأطراف اليمنية وخصوصا مجلس القيادة الرئاسي والأحزاب السياسية والمكونات الأخرى الداعمة له، كما على الأطراف الخارجية حشد الدعم السياسي لمسارات الإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد والتي تتبناها حكومة بن مبارك.

وحدّد تقرير مركز المخا تلك المسارات بعدد من النقاط من بينها سرعة إنفاذ التعديل الحكومي إذ على مجلس القيادة والمكونات المشاركة فيه والداعمة له تيسير إنفاذ التعديل الوزاري الذي طالب به رئيس مجلس الوزراء على وجه السرعة بما يُمكّن من تشكيل حكومة متجانسة تعمل بروح الفريق الواحد وتمضي قدما في القيام بالمهام والواجبات المنوطة بها بما فيها مسارات الإصلاحات ومواجهة الفساد.

ومن بين الخطوات الإصلاحية العاجلة أيضا إنفاذ التغييرات التي تقتضيها إحالة الفاسدين إلى القضاء وتمكين رئيس الحكومة من تعيين أشخاص يقومون بمهامهم والامتناع عن إعاقة ذلك بدعاوى التوافق على تعيينهم.

كما يقتضي الإصلاح العاجل إبعاد إجراءات الحد من الفساد عن التجاذبات السياسية إذ من المتوقّع أن تحدث تباينات بين القيادات والمكونات التي تنضوي تحت السلطة الشرعية حول العديد من القضايا بما فيها قضايا الفساد حيث تسهم التركيبة الحالية للسلطة الشرعية في حدوث تلك التباينات التي لا ينبغي أن تتحول إلى مادة للتجاذبات السياسية بما يعيق جهود مكافحة الفساد.

متعلقات
اسعار الخضروات والفواكه صباح اليوم السبت 15 فبراير بالعاصمة عدن
أسعار المواشي المحلية بالعاصمة عدن اليوم السبت 15 فبراير
أسعار الأسماك اليوم السبت 15 فبراير في العاصمة عدن
أسعار الذهب اليوم السبت 15-2-2025 في اليمن
درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت في الجنوب واليمن