ترمب يحيط نفسه بنخبة سياسية أكثر ولاء وإيمانا بأجندته
الامناء نت / متابعات

كان أحد وعود حملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابية هو الإطاحة بما يصفها بـ "النخب الفاسدة" في واشنطن و"الدولة العميقة" التي يتهمها بإغراق المجال السياسي الأميركي بالفساد، لكن بعد مشهد حفل تنصيبه في مبنى الـ "كابيتول" أصبح من المرجح أن تدفع ولايته الثانية إلى رأس البلاد نخباً جرى اختيارها بعناية، فهل تبشّر رئاسة دونالد ترمب الجديدة بصعود الشعب إلى السلطة ونهاية النخب الفاسدة؟ أم أن الرئيس ترمب يحمل نخبة معادية للنخبة الديمقراطية التي احتلت البيت الأبيض على مدى أربعة أعوام؟

برنامج طموح

في حين تحتل مواقف ترمب حيال قضايا الهجرة وأوكرانيا وغزة وكندا وغرينلاند وبنما مركز الصدارة في وسائل الإعلام، فإنها تطغى على برنامجه الطامح لتسريع تحويل الحكومة الفيدرالية والتخلص مما يصفه بـ "الدولة العميقة" عبر النخبة السياسية الجديدة التي وصلت رفقته إلى السلطة في البيت الأبيض.

وتتمثل فئة النخب الجمهورية في الأكثر ولاء لزعيم حملة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" المعروفة اختصاراً باسم (ماغا) والتي تشترك في كراهية مشتركة للنخب الديمقراطية وسياساتها، وتجد الآن فرصة سانحة لتحقيق أجندة مختلفة عن سابقاتها بعدما تمكنت من احتكار السلطة التنفيذية (الإدارة الحكومية) والسلطة القضائية (المحكمة العليا) والسلطة التشريعية في الكونغرس بمجلسيه، في الأقل حتى موعد الانتخابات النصفية المقبلة التي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026.

سرعة البرق

تحرك ترمب بسرعة مذهلة خلال أسبوعه الأول في السلطة عندما بدأ عملياً تنفيذ أجندته بطريقة يشبهها أنصاره بـ "سرعة البرق"، وترك استخدامه للسلطة الرئاسية منذ البداية بعض المراقبين مذهولين، لأنه لم يهدر كثيراً من الوقت في الوفاء بسلسلة وعود الحملة الانتخابية، أحياناً بطرق اعتبرها خصومه استفزازية، كما أظهر أنه يخطط لاختبار حدود السلطة الرئاسية، فقد تخلص من 17 من المفتشين العامين الفيدراليين وهو ما اعتبره بعضهم تعدياً على الكونغرس الذي كان ينبغي إخطاره، وطلب من 160 موظفاً في مجلس الأمن القومي البقاء في المنزل لحين تقييم وظائفهم، وأعاد تعيين ما لا يقل عن 15 مسؤولاً كبيراً في وزارة العدل، وأنهى العمل من المنزل لكثير من العمال الفيدراليين، وأمر بإغلاق مكاتب التنوع والمساواة والاندماج، ووضع موظفيها في إجازة ووضع خططاً لطردهم، وألغى التصاريح الأمنية لأكثر من 50 مسؤول استخبارات سابقاً.

التخلص من "الدولة العميقة"

وكل ذلك في إطار مكافحة "الدولة العميقة" التي أصبحت محوراً مركزياً في سياسات ترمب والتي خاض الجمهوريون لأجيال عدة حملات في محاولة كبح جماح البيروقراطية الفيدرالية التي يتهمها ترمب بتقويض إدارته الأولى، وهو الآن يريد قوة أكثر امتثالاً هذه المرة، وهو ما يفسره كبير موظفي نائب الرئيس في إدارة ترمب - بنس الأولى مارك شورت بأن الرئيس الـ47 للولايات المتحدة يتمتع الآن بكثير من الحرية وسط نخبة حزبه وشركات أميركا الكبرى، فيما اعتبر ستيف بانون الذي عمل كبير الإستراتيجيين في البيت الأبيض خلال فترة ولاية ترمب الأولى، أن هذا هو فريق رأس الجسر الذي سيستولي على الحكومة الفيدرالية.

وكان لهذه السرعة اللافتة أسبابها، فعندما تولى ترمب منصبه للمرة الأولى عام 2017 كان لا يزال يكافح من أجل تعزيز الدعم داخل حزبه ويتعلم في الوقت نفسه كيفية عمل الحكومة الفيدرالية، ولم يكن فريقه مستعداً لخوض غمار معارك سريعة بعدما نجح في الوصول إلى منصبه بانتصارات ضيقة في عدد قليل من الولايات المتأرجحة، ولهذا كان الأسبوع الماضي مغايراً تماماً لدورته الرئاسية الأولى، إذ لم يكن ما فعله سوى نتاج كل ما مر به وحلفاؤه على مدى الأعوام الثمانية الماضية، فقد تعلموا كيفية ممارسة السلطة خلال الإدارة الأولى، وبعد خسارته عام 2020 خططوا لكيفية ممارستها مرة أخرى إذا عاد للسلطة، وهو الآن يحيط نفسه بنخبة يعتبرهم أكثر ولاء وثقة، ويؤمنون بأجندته بعدما عزز الدعم داخل الحزب الجمهوري.

محاربة النخبوية الديمقراطية

غير أن المشروع السياسي لمعسكر الرئيس دونالد ترمب، بمن فيهم فريق حكومته الذي يتكون من عدد من المليارديرات، لا يتلخص في التشكيك في النخبوية بعامة بل في رؤية محددة للنخبة الديمقراطية الليبرالية، تدعمها بصورة متوازية الدعاية السياسية النمطية المناهضة للنخب، والتي ترى أن الزعيم الشعبوي قادر على ممارسة السلطة نيابة عن الشعب من دون وساطة أية نخبة منفصلة عن حاجات الشعب.

ويستفيد الخطاب المناهض للنخب من محاولة أتباعه الربط بين ما يسمى "القادة الأقوياء" والنخب التي تدور حولهم وتستغل هؤلاء القادة ونجاحهم السياسي في ظاهرة يمكن أن تهدد مستقبل الديمقراطيات الغربية، كما يشير عالم السياسة جون هيغلي الذي يرى أن إعادة انتخاب ترمب والمناخ السياسي المتسم بالعداء المتزايد، فضلاً عن المشاركة المباشرة لأباطرة التكنولوجيا دعماً له وللجمهوريين، من شأن ذلك كله أن يعزز إنكار النخبوية الديمقراطية.

تحدي الإجماع

ومنذ الحرب العالمية الثانية، ساد الإجماع في السياسة الأميركية بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء حول فكرة ومبدأ النخبوية الديمقراطية التي تعتمد على أن الوساطة أو الدور التمثيلي الذي تقوم به النخبة أمر لا مفر منه في الديمقراطيات الجماهيرية، ويجب أن تستند إلى معيارين أولهما احترام نتائج الانتخابات التي يجب أن تكون حرة وتنافسية، وثانيهما الاستقلال النسبي للمؤسسات السياسية.

لكن تحدياً واجه هذا الإجماع منذ تسعينيات القرن الـ 20 بعدما تزايد الاستقطاب في الحياة السياسية الأميركية، واكتسب زخماً جديداً منذ الحملة الرئاسية عام 2016 والتي اتسمت بالخطاب المناهض للنخبة الذي استخدمه الزعماء الشعبويون الجمهوريون والديمقراطيون على السواء، إذ جسد ترمب هذا الخطاب على الجانب الجمهوري وجسده على الجانب الديمقراطي بيرني ساندرز وإليزابيث وارن.

وكان في قلب خطابات هؤلاء نفور من المؤسسية التي تمثلها القوى القائمة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، حيث توجد كثير من المؤسسات المالية والسياسية والأكاديمية المرموقة، كما برز في الخطابات نفسها مفهوم المؤامرة و"الدولة العميقة".

الشعبوية من أعلى

وبينما يبدو أن فكرة الديمقراطية التي تتعرض للخيانة من قبل "ثورة النخب"، والتي طرحها المؤرخ الأميركي كريستوفر لاش، ليست جديدة، فإن هذه العملية تعد سمة خاصة بالشعبوية المعاصرة التي تأتي من أعلى، أي من النخب، وليس من أسفل، أي من الجماهير الشعبية، وفقاً لما يقوله عالم الاجتماع الإنساني أرغون أبادوراي.

وإذا كان القرن الـ 20 هو عصر "ثورة الجماهير" فإن القرن الـ 21 سيكون عصر "ثورة النخب" التي تحدث من أعلى ليس فقط مع أنظمة شعبوية استبدادية مثل أوربان في المجر وأردوغان في تركيا وبولسونارو في البرازيل ومودي في الهند، وإنما أيضاً مع انتصار الزعماء الشعبويين في الديمقراطيات الراسخة مثل ترمب في الولايات المتحدة وجورجيا ميلوني في إيطاليا وغيرت فيلدرز في هولندا.

وكما يوضح أبادوراي فإن نجاح الشعبوية الترمبية التي حملت لواء ثورة الأميركيين العاديين ضد النخب تخفي حقيقة أنه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت هناك نخبة جديدة أطاحت بالنخبة الديمقراطية المكروهة التي احتلت البيت الأبيض أربعة أعوام تقريباً.

استبدال النخب

ويبدو أن هدف هذه "النخبة الجديدة" هو استبدال النخب الديمقراطية العادية من الديمقراطيين والجمهوريين المعتدلين، عبر تشويه قيمهم الليبرالية وممارساتهم السياسية الفاسدة المزعومة، ومنذ ذلك الحين تشكل هذه الشعبوية "من الأعلى" التي يحملها أنصار الرئيس ترمب تكويناً نخبوياً بديلاً، وقد تكون عواقبه على تحول الحياة الديمقراطية الأميركية أكثر أهمية من تلك التي لوحظت خلال فترة ولاية ترمب الأولى.

وإذا كانت العبارة الشهيرة للمعلق السياسي الأميركي جيمس كارفيل "إنه الاقتصاد يا غبي!" قد ساعدت الرئيس الأميركي بيل كلينتون في هزيمة غريمه الرئيس جورج بوش الأب عام 1992، فيمكن إعادة صياغة العبارة الآن لتصبح "إنها النخبة يا غبي!" والتي ساعدت ترمب في الفوز بالانتخابات.

"أوليغارشية" فريق ماسك

إن فكرة تشكيل أوليغارشية يقودها إيلون ماسك، المسؤول الأول عن إدارة الكفاءة الحكومية وأغنى رجل في العالم، تمثل عصب النخبة الاقتصادية التي تضم بارونات التكنولوجيا وقائمة من أصحاب المليارديرات مثل جيف بيزوس مؤسس ورئيس شركة "أمازون" ومارك زوكربيرغ مؤسس ورئيس شركة "ميتا" والمستثمر مارك أندريسن، تعد فكرة مغرية لأنها تجمع بصورة مثالية بين رؤية التحالف الموجود بالفعل بين الطبقة الحاكمة الواعية والمتماسكة والتآمرية أحياناً، وبين رؤية الأوليغارشية المكونة من الأثرياء للغاية، وهو ما يعد تطوراً مهماً للشعبوية من أعلى، ومع ذلك فإن مراقبين آخرين يحذرون من أوليغارشية فريق ماسك ويشيرون إلى الانتقائية الاجتماعية لنخبة ترمب الجديدة التي يجري الحفاظ على واجهتها الموحدة معاً في المقام الأول من خلال الولاء السياسي لزعيم "ماغا" الذي لا يتزعزع في الوقت الحالي، لكن الفصائل المختلفة التي تمثل النخبة الجديدة "المناهضة للنخبة" التقليدية تتقارب حول أجندة مشتركة، وهي تخليص الدولة الفيدرالية من قبضة المطلعين على الأمور الداخلية في كواليس الحكم من الديمقراطيين، بحسب ما يقولون.

"حكومة العصابات"

في خطاب تنصيبه عام 1981، قال الرئيس رونالد ريغان إن الحكومة ليست الحل لمشكلتنا فالحكومة هي المشكلة، ويبدو أن معاداة النخبة الترمبية لتضخم الدور الحكومي مستلهمة من هذا التشخيص، ولهذا تدافع عن برنامج سياسي بسيط يتمحور حول "تخليص الديمقراطية من الدولة العميقة" على رغم عدم صحة فكرة أن الجمهورية الأميركية محاصرة بحكومة من النافذين الذين يقوضون المصلحة العامة، ومع ذلك تتجسد نظرية المؤامرة هذه إلى أقصى حد لدى كاش باتيل الذي رشحه ترمب لتولي منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، إذ أشار في كتابه المثير للجدل بعنوان "حكومة العصابات" إلى أن الحكومة الفيدرالية الأميركية تعمل بطريقة حكومة العصابات، ويستحضر المحامي السابق الحاجة إلى التطهير من أجل مقاضاة النخب الديمقراطية، ويسرد في كتابه هذا أسماء نحو 60 شخصية، بمن فيهم جو بايدن وهيلاري كلينتون وكامالا هاريس.

تفكيك الدولة الأميركية

ويسلط اختيار ترمب راسل فوغت لرئاسة مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض الضوء على التحول الذي من المرجح أن تتخذه إدارة ترمب من خلال تطبيق "مشروع 2025"، وهو برنامج مكون من 900 صفحة شارك في تأليفه أكثر من 400 خبير، والذي يقول معارضوه إنه "مشروع النخبة المناهضة للنخبة لتفكيك الدولة الأميركية".

ووفقاً لمدير مؤسسة "هيريتيج" الفكرية المحافظة التي نشرت نص "مشروع 2025"، بول دانز، فلم يسبق لأية مجموعة بهذا الحجم أن وضعت برنامجاً بهذا الطموح السياسي والذي يستهدف فرض الولاء لـ "مشروع 2025" على المسؤولين التنفيذيين الإداريين داخل كل الإدارات الوزارية في واشنطن.

وبحسب أستاذ العلوم السياسية ويليام جينيس فإن الهدف المعلن لهذه الشعبوية النخبوية المناهضة للنخبة التقليدية لم يعد تقليص حجم الدولة، كما كان الحال أثناء الليبرالية الجديدة التي ظهرت بقوة خلال حكم الرئيس ريغان، بل تفكيك الدولة لمصلحة سلطة رئاسية تعسفية محتملة، ومن وجهة نظره فقد "بدأ ترمب يمهد الطريق لديمقراطية منحازة بصورة علنية تتمكن من خلالها النخب الحاكمة من التصرف وفقاً لمصالح ورغبات رئيس الدولة، من دون أي اهتمام بالعدالة أو الحقيقة".

 

متعلقات
مليشيا الحوثي تُخضع مشايخ آل مسعود لدورات طائفية قسرية في صنعاء
اعتقال أسرة الناشطة سحر الخولاني في صنعاء يثير استنكاراً واسعاً
تنفيذية انتقالي الضالع تقف أمام جملة من القضايا التنظيمية في اجتماعها الدوري
تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الأربعاء بالعاصمة عدن
وزير الصحة يترأس اجتماع لشركاء الصحة