فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على عدد من أركان السلطة الموازية غير المعترف بها دوليا التي تديرها جماعة الحوثي الموالية لإيران على المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتها من بينها العاصمة صنعاء.
وبات فرض تلك العقوبات بمثابة إجراء روتيني عديم التأثير على الجماعة دأبت على اتخاذه الإدارة الأميركية الديمقراطية بقيادة الرئيس جو بايدن وبدت مصّرة عليه حتى آخر ولايتها التي تنتهي رسميا في العشرين من الشهر القادم بتسليمها السلطة لإدارة الرئيس الجمهوري المنتخب حديثا دونالد ترامب.
ولا تفصل سياسة فرض العقوبات على الحوثيين عن النهج اللين الذي سلكته الإدارة الأميركية الحالية في التعاطي معهم رغم انتقالهم إلى طور جديد وخطير من التصعيد طال خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ولم يستثن الحليفة الأولى لواشنطن في المنطقة، إسرائيل الذي اضطرّت إلى الردّ على قصفهم لها بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بشكل انفرادي بتوجيهها ضربات لمنشآت حيوية تابعة لهم جاءت أعنف وأكثر تدميرا من ضربات مشابهة وجهتها القوات الأميركية لمواقع تابعة للجماعة ويبدو أنّها كانت بدورها مدروسة بعناية كي لا تحدث سوى أضرار طفيفة وأن تكون مجرّد إنذارات لهم من دون أن تؤثّر بشكل عملي على قدراتهم.
ولا تعتبر العقوبات والضربات الأميركية المذكورة فقط غير مؤثّرة على وضع الحوثيين وقدراتهم لكنّها قد تحمل لهم في طياتها مؤشرات “إيجابية” لهم عن كون إدارة بايدن تحرص على عدم تجاوز سقف محدّد في التصعيد ضدّهم ولا تقطع عنهم جسور العودة عن سلوكاتهم والانخراط إلى جانب خصومهم المحليين في عملية سلام تحفظ لهم مكاسبهم السياسية وسيطرتهم الميدانية.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان عن فرضها لعقوبات جديدة على عدد من الأشخاص من بينهم رئيس فرع البنك المركزي اليمني في صنعاء الموالي للحوثيين “وذلك لدورهم في الاتجار بالأسلحة وغسيل الأموال وشحن النفط الإيراني غير المشروع لصالح الجماعة”.
ومن بين الأشخاص الذين أدرجتهم الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات “عملاء نشطون رئيسيون في عمليات التهريب وتجار أسلحة ووسطاء قائمون بتسهيل عمليات الشحن ونقل الأموال مكّنوا الحوثيين من الحصول على مجموعة من المكونات ذات الاستخدام المزدوج ومكونات الأسلحة ونقلها، فضلا عن توفير إيرادات لدعم أنشطتهم الإقليمية المزعزعة للاستقرار.”
وبالإضافة إلى ذلك يضيف ذات البيان “حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية خمس محافظ للعملات المشفرة مرتبطة بالمسؤول المالي للحوثيين المدعوم من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العميل النشط سعيد الجمل”.
وقال القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية برادلي تي سميث “إن وزارة الخزانة ستواصل الاستفادة من جميع الأدوات المتاحة لها، بما في ذلك العقوبات، لتعطيل التهديدات الحوثية ضد الشحن العالمي وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.” وأضاف أن واشنطن “ستحاسب أولئك الذين يسعون إلى الشراكة مع الحوثيين في الاتجار بالأسلحة والانخراط في مبيعات النفط غير المشروعة.”
وعلى العكس مما ذهب إليه سميث فإن الاعتماد على العقوبات وحتى على إدراج كبار المسؤولين الحوثيين على لوائح الإرهاب لتحقيق الأهداف عالية السقف التي ذكرها القائم بأعمال وكيل الوزارة، لم تسفر عن أي نتائج عملية حيث لم يتراجع الحوثيون قيد أنملة عن التصعيد ولم يكفّوا عن تهديد خطوط الملاحة وإحداث اضطراب في حركة التجارة العالمية والتسبب بخسائر هائلة لعدّة شركات ودول، كما لم يستجيبوا لعروض السلام المطروحة أمامهم من قبل جهات إقليمية ودولية.
وليست المرّة الأولى التي تفرض فيها إدارة بايدن عقوبات على الحوثيين الذين لا يتّبعون غالبا الطرق النظامية والقانونية في تحريك الأموال وتوفير التمويلات لأنشطتهم، كما أنّه يُستبعد أن يكون لكبار مسؤوليهم تحركات وحتى مصالح وأصول في الخارج يمكن لمثل تلك العقوبات تقييدها ومنع وصولهم إليها والاستفادة منها.
وكانت الخارجية الأميركية قد أعلنت في التاسع من الشهر الجاري عن فرض إدارة بايدن سلسلة من العقوبات بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد وعشية اليوم العالمي لحقوق الإنسان استهدفت بها أفرادا من عدة دول بما في ذلك مسؤول في جماعة الحوثي هو عبدالقادر المرتضى رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للجماعة.
وحين انخرط الحوثيون قبل نحو عام في استهداف خطوط الملاحة تحت عنوان دعم الفلسطينيين في قطاع غزّة توجّهت الأنظار نحو واشنطن غير المتسامحة عادة مع أيّ تهديد للمصالح التجارية للدول وعرقلة طرق إمداد النفط وخصوصا تلك التي تمسّ حلفاءها وقد تطال مصالحها بشكل أو بآخر.
لكنّ إدارة الديمقراطيين لم تفعل أكثر من تشكيل تحالف عسكري مع بريطانيا وعدد محدود من الدول قام ببعض الأعمال القتالية ضدّ الحوثيين جاءت أقرب إلى إدارة الصراع معهم بشكل مدروس وموجّه بحيث لا يتجاوز سقفا معيّنا.
وفي ظل يأس خصوم الحوثيين وخاصة دعاة الحسم العسكري ضدّهم من إدارة بايدن، بدأت الأنظار تتجه نحو إدارة خلفه في البيت الأبيض دونالد ترامب المعروف بشدّته تجاه إيران وأذرعها في المنطقة، في ظل توقّعات بأن يبادر القطع مع سياسة اللين التي سلكتها إدارة سلفه الديمقراطي.