لطالما اتسمت العلاقات بين إيران والدول العربية بالتوتر والصراع المستمرين، حيث تحركها مصالح متضاربة وأطماع تاريخية متجذرة, من بين المحاور الأساسية التي تبرز فيها إيران كلاعب رئيسي هو الصراع العربي الإسرائيلي، لكن بالرغم من التصريحات العلنية التي تظهر الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية، إلا أن الواقع يظهر أن مصالح إيران الوطنية وبقاء نظامها يأتيان دائمًا في المرتبة الأولى، متجاوزين في أهميتهما القدس وفلسطين وسائر القضايا العربية, السياسة الإيرانية، التي تبدو ثابتة ولا تتغير عبر العقود، تتجذر في عدة عوامل أساسية.
أولًا، على الصعيد العسكري، نجد أن إيران تدرك جيدًا أنها غير مؤهلة لخوض معركة مباشرة ضد إسرائيل أو الدول الغربية الداعمة لها رغم الجهود المستمرة لتطوير قدراتها العسكرية، تظل الفجوة واسعة مقارنة بما تمتلكه إسرائيل من تقنيات متطورة وأسلحة متقدمة، بالإضافة إلى الدعم العسكري الهائل الذي تتلقاه من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. هذه القوة العسكرية الغربية والإسرائيلية تشكل رادعًا فعليًا لإيران، وتجعل من المغامرة في مواجهة مباشرة معهما خيارًا غير عقلاني بالنسبة لها ولهذا السبب، نجد أن التدخلات الإيرانية في الصراعات الإقليمية غالبًا ما تكون غير مباشرة، من خلال وكلاء محليين مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، حيث يمكن لإيران أن تضغط على خصومها دون تحمل تكاليف مواجهة عسكرية شاملة.
الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية عن العسكري في توجيه السياسة الإيرانية الاقتصاد الإيراني يعاني من تحديات هائلة، أبرزها العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت عليها نتيجة برنامجها النووي هذه العقوبات أدت إلى انهيار كبير في البنية الاقتصادية الإيرانية، مما جعل النظام غير قادر على تحمل تكاليف أي صراع عسكري طويل الأمد أو مكلف مع إسرائيل أو الغرب.
الواقع الاقتصادي المتردي يدفع إيران إلى تبني استراتيجية تعتمد على الحذر، حيث تسعى إلى تجنب الصدام المباشر الذي قد يؤدي إلى زيادة الضغوط الاقتصادية وتهديد استقرار النظام الداخلي.
أما على المستوى الديني والفكري، فإن إيران تستند إلى أيديولوجية مذهبية شيعية تميزها عن معظم الدول العربية ذات الغالبية السنية, هذا الانقسام المذهبي يعمق الهوة بين إيران والعالم العربي، ويؤثر على طبيعة السياسات الإيرانية تجاه القضايا العربية.
تاريخيًا، لم يكن للعلاقات الإيرانية العربية جانب من الوحدة أو التحالفات المتينة، بل كانت العلاقة مليئة بالصراعات والنزاعات, يُرجع الإيرانيون الكثير من هذا الصراع إلى ما يعتبرونه دور العرب في إنهاء الإمبراطورية الفارسية القديمة خلال الفتح الإسلامي هذا الشعور بالضغينة التاريخية ما زال يؤثر على العقلية الإيرانية حتى اليوم، حيث ترى إيران في كثير من الدول العربية سببًا في تراجعها التاريخي.
الأطماع الإيرانية في المنطقة تتجلى بوضوح في سعيها الدؤوب إلى التوسع الإقليمي وإعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية الفارسية هذا المشروع القومي الإيراني الذي يعمل على استغلال الفراغات السياسية في الدول العربية لتحقيق الهيمنة عبر أذرع دينية ومذهبية مثل حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، يأتي في صميم السياسة الخارجية الإيرانية. إيران تعمل على ترسيخ نفوذها في هذه الدول من خلال استغلال الخلافات الداخلية، وتغذية الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، مما يساعدها على توسيع نفوذها بدون اللجوء إلى المواجهة العسكرية المباشرة.
إن هذا التوسع الإيراني لا يقتصر فقط على الجانب الجغرافي، بل يمتد إلى طموحات سياسية وثقافية إيران تسعى إلى تصدير ثورتها ومفاهيمها الدينية والسياسية إلى المنطقة، وتستخدم كل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف، من الدعم المالي والعسكري للوكلاء المحليين إلى التغلغل الثقافي والديني في المجتمعات العربية هذه الاستراتيجية تعكس رغبة إيران الملحة.