أعادت عقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على رجل الأعمال اليمني حميد الأحمر، العضو في برلمان اليمن والقيادي في حزب التجمّع اليمني للإصلاح، تسليط الضوء على مدى ارتباط الحزب، الذي تقول قياداته إنّه حزب وطني بالدرجة الأولى، بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
وجاءت العقوبات التي شملت تسعا من شركات الأحمر على خلفية ضلوع الأخير في تمويل حركة حماس الفلسطينية ما يجعل منه ومن الحزب الذي ينتمي إليه جزءا مما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويضم عددا كبيرا من القوى والفصائل الإسلامية السنية والشيعية المسلّحة عبر المنطقة، بما في ذلك جماعة الحوثي التي يفترض أن حزب الإصلاح نفسه أحد ألد أعدائها بانتمائه إلى المعسكر اليمني المضاد لها ممثلا بالسلطة الشرعية اليمنية والتي تضم في تركيبتها القيادية أعضاء بارزين في الذراع المحلية لتنظيم الإخوان.
ويمثّل سلطان العرّادة محافظ مأرب، حزبَ الإصلاح في مجلس القيادة الرئاسي اليمني بقيادة رشاد العليمي، كما أنّ الكثير من أعضاء الحزب يتبوأون مناصب عديدة في مؤسسات الشرعية المركزية، والجهوية في المحافظات، فضلا عن التمثيل الكبير للحزب داخل المؤسسة العسكرية عن طريق قادة عسكريين كبار ينتمون إليه.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الأفراد وعلى جمعية خيرية وصفت بالوهمية، لكونهم داعمين دوليين لحماس. وشملت تلك العقوبات حميد الأحمر المقيم في تركيا والذي يدير سلسلة من المشاريع والشركات قال بيان الخزانة الأميركية إنّها ظلت لوقت طويل تلعب أدوارا رئيسية في جمع التبرعات الخارجية لحماس، تحت ستار العمل الخيري.
كما وصف البيان القيادي الإخواني اليمني بأنّه جزء من المحفظة الاستثمارية السرية لحماس التي أدارت في ذروة نشاطها ما قيمته أكثر من خمسمئة مليون دولار من الأصول، موضّحا أنّ الأحمر يترأس منذ عام 2013 مؤسسة القدس الدولية.
واستند تصنيف الأحمر ضمن لائحة العقوبات على أمر تنفيذي ينص على معاقبة من يقدم إلى حماس الرعاية أو الدعم المالي والمادي والتكنولوجي وسائر أنواع الخدمات.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في إعلانها عن العقوبات الأخيرة إن الوزارة “ستواصل بلا هوادة تقليص قدرة حماس وغيرها من وكلاء إيران المزعزعين للاستقرار على تمويل عملياتهم وتنفيذ أعمال عنف إضافية”.
ووجهت دوائر وشخصيات يمنية انتقادات لحميد الأحمر من زاوية مختلفة عن الزاوية السياسية والحزبية وتركّزت على توجيهه ثروته لمساعدة فروع في تنظيم الإخوان على الرغم من أنّ اليمنيين في أمسّ الحاجة سواء للمساعدة المباشرة أو لانخراط رؤوس الأموال في إنجاز مشاريع تنموية وخدمية تساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية المنهكة في البلد وتحدّ من نسب الفقر والبطالة المرتفعة بين سكانه.
وقدّرت الخزانة الأميركية أنه “منذ أوائل 2024 ربما تكون حماس قد تلقت ما يصل إلى 10 ملايين دولار شهريا من خلال التبرعات”، موضحة أن أوروبا تعتبر مصدرا رئيسيا لجمع الأموال من قبل المجموعة.
وضمت لائحة العقوبات الأميركية الجديدة أسماء العديد من جامعي التبرعات في أوروبا، بمن في ذلك محمد حنون المقيم في إيطاليا، وماجد الزير في ألمانيا، وعادل دغمان في النمسا. وأشار بيان الوزارة إلى استخدام “جمعيات خيرية وهمية وصورية تدعي زورا مساعدة مدنيين في غزة”، في حين هي تدعم حماس.
وذهب أشدّ منتقدي حميد الأحمر وحزب التجمع اليمني للإصلاح إلى حدّ المطالبة بـ”حل الحزب وتقديم كل أعضائه المتورطين في غسيل الأموال ودعم الفصائل الجهادية داخل اليمن وخارجه إلى المحاكمة”، وهو مطلب طوباوي إلى حد بعيد بالنظر إلى سلطة الحزب ونفوذه.
لكنّ طيفا آخر من المنتقدين صرف انتقاداته إلى العقوبات الأميركية نفسها واصفا إياها بالصورية وعديمة التأثير على أرض الواقع، ومعتبرا أنّ الأحمر وحزبه سيحوّلانها إلى استثمار سياسي مربح عبر دغدغة مشاعر تعاطف اليمنيين مع الفلسطينيين على غرار ما يفعله الحوثيون، من خلال تعرّضهم لخطوط الملاحة في البحر الأحمر تحت عنوان دعم غزّة ضد إسرائيل.
وعلّق الكاتب اليمني صلاح السقلدي عبر حسابه في منصّة إكس بالقول إنّ الولايات المتّحدة “أدرجت تقريبا نصف دول العالم ومنظمات وشركات وشخصيات لا حصر لها بقائمة عقوباتها، إلى درجة أن صار خبر إضافة أحد إلى القائمة خبرا معتادا في وكالات الأنباء ولا يبعث على الدهشة”.
وأضاف أنّ الأحمر “الذي كان آخر من شملتهم القائمة سيستفيد من هذا ويوظفه توظيفا سياسيا وربما تجاريا لمصلحته ولحزبه لأنه يعرف أنه قرار مثل عدمه بل يعطيه شهادة أميركية غير مقصودة بانحيازه إلى القضية الفلسطينية”؛ “فحزب الإصلاح بارع ولا يضاهيه أحد في تحويل أزماته وخسائره الى مناجم من المكاسب خصوصا حين يكون الأمر متعلقا بقضية حساسة كالقضية الفلسطينية”.
وتضع العقوبات الأميركية الجديدة على القيادي الإخواني اليمني حزب الإصلاح في صفّ واحد إلى جانب الحوثيين ضمن المعسكر الذي تتزعمه إيران في المنطقة وتطلق عليه تسمية محور المقاومة. وظهر هذا التماهي بين “العدوين” المفترضين في موقف جماعة الحوثي من تلك العقوبات، والذي عبّر عنه القيادي في الجماعة نصرالدين عامر في تعليق عبر منصّة إكس قال فيه “نرفض رفضا قاطعا أي إجراءات أميركية ضد أي يمني مهما كان اختلافنا معه”.
ورفض حزب الإصلاح من جهته القرار الأميركي بشأن عضو هيئته العليا التي وصفت في بيان لها قرار العقوبات بالتعسفي والجائر اـ”كونه يهدف إلى تجريم التعاطف السياسي والشعبي مع القضية الفلسطينية وترهيب من يدينون مجازر الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة”.
وطالب البيان وزارة الخزانة الأميركية بـ”إلغاء هذا القرار الجائر والمتحيز الذي طال شخصية وطنية لها سجل حافل في التاريخ السياسي والنضالي محليا وإقليميا، وتقف إلى جانب القضايا الرئيسية للأمتين العربية والإسلامية، مسخرة جهدها في مختلف المسارات دون كلل، على نهج والده الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي يعرف الجميع بصماته محليا وإقليميا”.
ووجه الحزب دعوة إلى “مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والبرلمان وهيئة التشاور والمصالحة وكافة مؤسسات الدولة اليمنية لتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الشيخ حميد الأحمر الذي لم يخالف قانونا نافذا في الجمهورية اليمنية المناصرة للقضية الفلسطينية”. وطالب الأحزاب السياسية والمكونات الوطنية والمجتمعية ومنظمات المجتمع المدني برفض هذا القرار وإدانته والمطالبة بإلغائه، وكذلك طالب “القوى والأحزاب السياسية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني في الدول الشقيقة والصديقة بإدانة هذا القرار الجائر والمطالبة بإلغائه”.
ويحاول حزب الإصلاح بهذه الدعوة إشراك الشرعية اليمنية في تحمّل عبء مواجهته مع المجتمع الدولي، حيث يجعل انخراطه في أنشطة عابرة لحدود اليمن وتتصل بالصراعات الدائرة في المنطقة السلطة اليمنية المعترف بها دوليا في وضع أشبه بوضع الحكومة العراقية التي تواجه حالة مستمرة من الحرج إزاء شركائها الدوليين وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة، وذلك بسبب انتماء قوى مشاركة بقوة في السلطة وممثلة داخل الحكومة ذاتها إلى محور المقاومة وتبعيتها شبه الكاملة لإيران.
وغير بعيد عن مسعى الاستثمار السياسي للعقوبات أشار عبدالله الأحمر، ابن القيادي الإصلاحي المستهدف بالعقوبات الأميركية، إلى أنّ القرار الأميركي “لم يأت بشكل مفاجئ بل سبقته العديد من الإنذارات والتهديدات على مدى أحد عشر شهرا ترافقت مع هجمات إعلامية في أكبر الصحف العبرية والعالمية”.
وقال إنّ الأميركيين (دون تحديد جهة معيّنة) طالبوا حميد الأحمر بـ”وقف أعمال رابطة برلمانيين من أجل القدس والتخفيف من مساندة القضية في المحافل الدولية”، وإنّهم أصدروا قرار العقوبات بعد أن استنفدوا “أوراق الضغط التي لديهم بما في ذلك التهديد بتعطيل بعض الحسابات والأعمال والشركات بالإضافة إلى بعض الأوراق السياسية في الداخل اليمني”، مؤكّدا أن والده رفض الاستجابة لكل تلك المطالب والضغوط.