وصف المجلس الانتقالي الجنوبي المُطالِب باستعادة دولة الجنوب المستقلّة، شراكته الاقتصادية والمالية مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بغير المتكافئة، معبّرا عن عدم استعداد محافظات الجنوب لمواصلة تمويل رواتب الآلاف من الموظفين التابعين للسلطة الشرعية قال إنّهم فارّون من مناطقهم في الشمال، فيما تحتفظ محافظة مأرب الغنية بمواردها للتصرف فيها محليا.
يأتي هذا الموقف الذي عبّر عنه فادي باعوم عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي كأحدث حلقات معركة تحويل الإيرادات المالية إلى البنك المركزي، والتي انتقلت عدواها بين المحافظات منذرة الشرعية اليمنية بأزمة مالية أكثر حدّة من تلك القائمة في الوقت الحالي.
وتساءل باعوم “لماذا مأرب اليمنية الغنية بالموارد لا تقدم إيراداتها إلى الخزينة العامة، في حين أن المحافظات الجنوبية تلتزم بتوريد كافة إيراداتها لدعم الاقتصاد”.
وأضاف في تعليق له عبر منصّة إكس “في الوقت الذي يتم فيه تخصيص مئة وخمسة ملايين دولار من خزينة الدولة لأحد عشر ألف وزير ووكيل ومدير تتراوح رواتبهم بين ألفين وستة آلاف دولار شهريا، نجد أن معظم هؤلاء المسؤولين يعيشون في الخارج، بينما أراضيهم يسيطر عليها الحوثيون ولديهم فرص لتحريرها”.
واختتم تعليقه بالقول “الشراكة غير متكافئة حيث تتجنب أغنى منطقة في اليمن، مأرب، الإسهام في دعم الخزينة العامة”.
ومحافظة مأرب الواقعة شرقي العاصمة اليمنية صنعاء هي أحد منابع النفط في اليمن وتعتبر من أكثر مناطق الشرعية استقرارا وازدهارا وحركية تجارية واقتصادية نظرا لثراء مواردها التي تتحكّم بها محليا.
كما تعرف المحافظة نوعا من الوحدة السياسية نظرا لوقوعها بشكل شبه كلّي تحت سيطرة حزب التجمّع اليمني للإصلاح الذراع اليمنية لتنظيم الإخوان المسلمين والممثّل محليا بشخص المحافظ سلطان العرادة عضو مجلس القيادة الرئاسي.
وتحدثت مصادر محلية في وقت سابق عن قيام وفد من الشرعية بمساع لدى العرادة لاستئناف تحويل إيرادات مأرب إلى البنك المركزي في عدن. ونقلت وسائل إعلام محلية عن المصادر المحلية قولها إنّ تلك المساعي جوبهت برفض المحافظ الذي عكس الهجوم على الحكومة وطالبها بالموازنة التشغيلية الخاصة بمأرب التي قال إنّها لم تتسلّم منها ريالا واحدا منذ سنة 2016.
هشاشة الوضع المالي والاقتصادي تؤثّر في مناطق الشرعية بشكل متواصل على قيمة العملة المحلية اليمنية، حيث شهد الريال اليمني، الإثنين، تدهورا جديدا في قيمته أمام العملات الأجنبية
وعلى العكس من الوضع في مأرب يعتبر الانتقالي الجنوبي أنّ محافظة عدن التي تمثّل المركز الرئيسي لنفوذه تعاني اقتصاديا واجتماعيا تبعات التزامها بالشراكة مع السلطة الشرعية وتتحمّل عبء أخطاء السياسة الاقتصادية والمالية للحكومة المعترف بها دوليا.
ولا يخلو كلام باعوم من تلويح بتفعيل قرار سابق كان المجلس الانتقالي قد اتّخذه في وقت سابق من العام الماضي وتراجع عنه لاحقا وتمثّل في منع تحويل إيرادات العاصمة المؤقتة عدن إلى البنك المركزي اليمني الذي تسيطر عليه الحكومة الشرعية.
ووصف محافظ عدن القيادي في المجلس أحمد حامد لملس ذلك القرار بأنّه “مسؤولية وواجب إنساني وأخلاقي رفضا لتعذيب أبناء العاصمة”، وبأنّه “تعبير عن الرفض التام لعدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها تجاه عدن”.
ولا يوجد تقدير دقيق لإجمالي إيرادات عدن لكنها واحدة من المحافظات المهمة التي تعتمد عليها حكومة الشرعية ماليا.
وكثيرا ما اتّهم الانتقالي الجنوبي الحكومة “بإيصال الوضع إلى حافة الإفلاس ولمزيد من الإفقار والإجهاز على حياة الناس”، بحسب ما ورد في أحد بياناته السابقة.
وليست صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الشرعية، التي يقع معظمها ضمن نطاق نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، من دون تبعات سياسية حيث تلقي بظلالها على وحدة السلطة المعترف بها دوليا.
وسبق أن دفعت تلك الأوضاع المجلس الانتقالي إلى التهديد بفض الشراكة مع الشرعية لعدم استعداده لدفع فاتورة سياساتها من رصيد شعبيته في مناطق نفوذه.
وخلال الصيف الماضي تحوّل الاضطراب الشديد في تزويد سكان عدن وعدة مدن جنوبية بالكهرباء إلى عنوان بارز للأزمة المالية للحكومة اليمنية.
وهدّد المجلس الانتقالي آنذاك بفض الشراكة مع الشرعية. وقال رئيس المجلس عيدروس الزبيدي إنّ الانتقالي “لن ينتظر إلى ما لا نهاية وإنه قد يراجع جميع قراراته إذا لم تسع الحكومة إلى حل مشكلة الخدمات في العاصمة عدن”.
ومن جهته اتهم القيادي في المجلس منصور صالح مجلس القيادة بعدم الجدية في تنفيذ مخرجات اتفاق الرياض وبالتسبب في الكثير من الخلافات.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي قد سعى من خلال الانخراط في الاتفاق المذكور إلى تحقيق استقرار اجتماعي في مناطق سيطرته بأن تتولى الحكومة المدعومة من السعودية توفير الرواتب لقيادات وأعضاء المجلس وللموظفين الحكوميين وكذلك تأمين الخدمات الاجتماعية الضرورية، لكن ذلك لم يتحقق بالشكل المطلوب، وهو ما يفسر تعالي أصوات الجنوبيين داعية إلى الانسحاب من الاتفاق.
وفتحت الشراكة مع الحكومة والتغاضي عن غياب التمويلات التي وعدت السلطة الشرعية بتوفيرها الطريق لانتقاد المجلس الانتقالي الذي أصبح يتخوّف من توجّه الغضب الشعبي نحوه.
ولم يمنع تراجع المجلس الانتقالي عن تنفيذ قرار عدم تحويل إيرادات عدن، تفاعلا مع اتصالات سياسية مكثفة قامت بها قيادة الشرعية، من انتقال عدوى احتفاظ المحافظات بإيراداتها المحلّية حيث بادر محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي أواخر العام الماضي إلى اتخاذ قرار الاحتفاظ بالموارد المالية للمحافظة وعدم تحويلها إلى البنك المركزي.
وصادق المكتب التنفيذي بالإجماع على قرار يؤيد إيداع إيرادات المحافظة في حساب خاص بها “وذلك للإيفاء بالتزامات الخدمات تجاه المواطنين وعرفانا بدورهم في الحفاظ على روح الدولة والتزامهم بالنظام والقانون”.
ودافع المحافظ عن قراره قائلا إنّه لا يتضمّن تمردا على الشرعية وإنه اتخذ لتوفير الخدمات لأبناء المحافظة “بعد أن أوصدت كل الأبواب في وجوههم”.
وحضرموت هي أكبر محافظات اليمن مساحة وتتميّز بموقعها المطلّ على البحر من الجنوب والمنفتح على المملكة العربية السعودية من الشمال، كما تتميّز باحتواء أراضيها على النفط والغاز.
وتضم المحافظة أحد أهم منافذ تصدير النفط ميناء الضبّة الذي أدى استهدافه من قبل الحوثيين، بالإضافة إلى ميناء النشيمة بشبوة، إلى توقّف التصدير وخسارة الحكومة اليمنية لأحد أهم مواردها لتتحوّل إلى الاعتماد بشكل كبير على المساعدات المالية السعودية التي تصرف كرواتب وتوظّف كميزانيات تشغيلية بعيدا عن أي نوع من أنواع الاستثمار في مشاريع منتجة ومدرّة للثروة.
وتؤثّر هشاشة الوضع المالي والاقتصادي في مناطق الشرعية بشكل متواصل على قيمة العملة المحلية اليمنية، حيث شهد الريال اليمني، الإثنين، تدهورا جديدا في قيمته أمام العملات الأجنبية ببلوغه سقف الـ1950 ريالا للدولار الواحد.
وينعكس ذلك بشكل مباشر على حياة سكان مناطق الشرعية، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن، الذين يواجهون بالإضافة إلى تردي الخدمات العمومية ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الأساسية بفعل التضخّم.
ويراقب المجلس الانتقالي تلك الأوضاع بقلق مخافة أن تنعكس سلبا على شعبيته في مناطق نفوذه، وعلى هذه الخلفية تصدر تصريحات غاضبة عن كبار مسؤوليه تهدّد تارة بفض الشراكة مع الشرعية وتلوّح تارة أخرى بالعودة إلى قرار وقف تحويل الإيرادات المالية إلى البنك المركزي على غرار ما قام به باعوم في تعليقه المذكور على منصّة إكس