تتسارع أحداث المشهد فى جنوب اليمن على المستوى السياسي و العسكري والإقتصادي، ويزداد الإنخراط الدول والإقليمي في أحداث هذا المشهد العبثي، وتظهر بين كل ذلك تحليلات وقراءات سياسية قد توهمك بتحليل نهائى للمشهد ،بينما هناك خبايا وكواليس غير معلنة يمكن أن تكشف عن جانب من خلفيات تصرفات الكثير من المشاركين في صناعة هذا المشهد العبثي.
فلا يوجد زمن منفصل عن زمن ، و كل حلقات أحداث المشهد تدور فى نهر يدفعك إلى أن تصل إلى حقيقة مصلحة أشخاص فى إقصاء الرجال الوطنيين من جنوب اليمن.
لفهم المشهد العبثى!
روايات كثيرة تتداولت حول غياب اللواء أحمد سعيد بن بريك عن المشهد ، منها أنه مسافر إلى الخارج من أجل العلاج! ، رغم أن هذا الرجل لم يترك بلاده يوما مهما اشتد عليه التعب!،ولابد أن وراء هذا الغياب تفاصيل غير معلنة ،ولكن من يتتبع تصريحات “بن بريك” الأخيرة يتوصل إلى الرواية الحقيقية ، كما أن التعمق فى الرسائل خلف تصريحاته الأخيرة يمكن أن نفهم طبيعة المشهد العبثى فى جنوب اليمن.
ولفهم كل هذا علينا أن نعود إلى تصريحات “بن بريك” على هامش فعاليات الجمعية الوطنية العام الماضى الذى تحولت لأشبه بأنتفاضة شعبية تجسد سلطة الشعب وحقه فى تقرير مصيرة ،حين قال :”هنقلب الطاولة” فى الإشارة ضمنيا إلى استمرار اللعب بتطلعات الشعب الجنوبى الذى عانى لسنوات ومازال يعانى .
حين أشارإلى أن هناك اتفاقات تجرى من أسفل الطاولة بين حزب الإصلاح – ذراع جماعة الإخوان المسلمين فى اليمن- وبين جماعة الحوثى ،مهددا بتحرير وادى حضرموت وبأى ثمن .
وعند متابعة تصريحات “بن بريك ” تستطيع أن تفهم الجوانب الخفية والتفاصيل الغير معلنه عن سبب إبعاده عن المشهد وفهم طبية مايحدث فى جنوب اليمن ..فمن خاف قلب الطاولة ؟.. ومن خاف من إفشال الخطط التى تبرم تحت الطاولة على حساب الشعب ؟!.
التصريحات لم تعجب خليطا من المستفيدين من استمرار اللعبة المتكررة ضد الشعب فى اليمن ، والذين يسعون إلى تنصيب شخصيات على كراسى بأسم الشرعية وهم لا يمثلون الشعب ولا يعملون لصالح استقرار البلاد.
خيوط المؤامرة !
ولا يمكن متابعة تطورات مايحدث فى اليمن إلا وأن تجد مسرحية ليلى والمجنون حاضرة أمامك ،وخاصة حين سأل والد ليلى قيس :”جئت تطلب نارا أم جئت تشعل البيت نارا؟!
فمن المفترض أن الدول التى تتدخلت بهدف حل السلام ف اليمن تأتى لتقدم نارا تضىء الطريق لشعب عانى لسنوات ،لا أن تأتى لتحرق الشعب وتضرب بتطلعاته وأحلامه عرض الحائط .
ولا يبدو أن بعض هذه الدول أنارت طريقا أو أخمدت نارا …فالطريق ينيره ابناء الشعب أنفسهم عندما يمتلكوا قراراهم فى اختيار مصيرهم،وعندما يمتلكوا القرار فى اختيار من يمثلهم على رأس الشرعية .
فالتاريخ أثبت أن الطريق إلى استقرار البلاد ، ينيره ابناء البلد انفسهم فى حكم أنفسهم ، لا بتدخل خارجى يربك المشهد ويزيده عبثية .
لم يخطأ “بن بريك” عندما نوه أن صبر الشعب قارب على النفاذ حين أشار أن شعبة يحترم و يلتزم الاتفاقيات التى تجرى تحت إشراف دولى ، ولديه سياسة النفس الطويل فى الصبر قائلا:”انتظرنا 8سنوات ولكن ليس بمقدرونا الإنتظار 8سنوات آخرى !”.
فلا يخفى على الجميع أن هناك دول تنفخ فى نار عدم الاستقرار فى اليمن كلما لاحت أى فرصة لوقفها،وتقذف بالمزيد من الوقود كلما ظهر أى قادة سياسيين مخلصين قادرين على كسب ثفة الشارع الجنوبى .
فلا يخفى على الجميع أن رغم إبرام العديد من الاتفاقات والمشاورات التى درات فى السعودية وجمعت كافة الاطراف ،بما فيها جماعة الحوثى الإرهابية ، إلا أن السلام والاستقرار لم يصل إلى اليمن حتى اليوم.
فعلى الرغم من إعطاء الشرعية لجماعة إرهابية والجلوس معاها على طاولة مفاوضات إلا أن الحوثى اثبت للعالم كله انه غير ملتزم باتفاقيات وأنها جماعة لا دين لها ولا عهد لها ولا تؤتمن على إبرام إتفاقات من أجل إنقاذ البلاد .
فكيف يطالبوا الشعب فى اليمن بالصبر لإنتظار نتائج اتفاقيات ؟! وما المتوقع من هذه النتائج فى ظل استمرار نزيف من الدماء وفى ظل تهديدات تحيطه من كل جانب لأن احد اطراف الاتفاقية يشعل المنطقة بخطط مدروسة وممنهجة لتنفيذ مخطط إقليمى يخدم مصالح بعض الدول فى المنطقة،بل ويستغل المشاورات التى حدثت ف السعودية لكسب مزيدا من الوقت للسيطرة على الأرض.
وهكذا فى إبحار مستمر لتجميع خيوط متفرقة تكشف لك أبعاد المشهد والخبايا الغير معلنة ، وتنكشف الحقائق بشأن من مصلحته أن يزيد الأوضاع اشتعالا فى الجنوب ويصب عليه ما يزيدها اشتعالا ؟.
لندرك على نحو أعمق الكواليس الغير معلنة فى المشهد الجنوبى فى هذه المرحلة الشديدة الاضطراب ،والذى تزداد تعقيدا يوما بعد يوم بسبب روح الأنانية التي تطغى على بعض المسؤولين في الدولة والجهل الذي يتحكم بتصرفاتهم.
و إذا رغبنا فى فهم باقى جوانب المشهد العبثى يجب البحث عن إجابة هذه الأسئلة:” من أتى بهؤلاء فى الشرعية ؟،ومن يحرك هؤلاء ؟!.. يجب البحث عن كفية تمكين أشخاص داخل الشرعية لخدمة مصالج دول على حساب الشعب تحت شعارات خادعة ؟!..يجب الحديث بصراحة،وعندما تحدث “بن بريك” صراحة كان مصيره النفى والإقصاء عن المشهد !.
وهو ما يثير تساؤلات عدة : لماذا اختار الشعب لنفسه هذا البؤس ؟ ، وكيف يصمت على استمرار وجود قيادات غير وطنية بالشرعية ؟ أم أن المدينة الصامدة غلبت على أمرها ؟.
فى الكواليس تفاصيل كثيرة ليس هذا التوقيت للحديث عنها ، ولكن أهم تفصيلة أن هناك قيادات داخل الشرعية تراهن على إشعال البلاد وتعمل لصالحها بأى ثمن وبأى طريقة حتى لو كانت على حساب تجويع وقتل الشعب .
سلطة الشعب!
إن الشعوب هى التى عليها أن تأتى بحكوماتها ، وإن الحكومات التى تأتى ب”البارشوت” وتعمل ضد إردة الشعب تفشل فى كل الأحوال بعد أن تنفضح أهدافها وأعتقد أن رائحتها فاحت.
فالقيادات بالحكومة تختبر خطواتها العملية بشأن حلول جذرية لرفع معاناة الشعب ،لا القيام بأعمال نحو مزيد من إستنزاف قدرة الشعب على التحمل.
ولقد عرفنا شعب الجنوب بالمقاومة والنضال من أجل استرداد دولته وكشف القيادات الغير مخلصة التى تخرب فى البلاد تحت اسم الشرعية .
ففي الوجه الآخر للمشهد، تنتصب البطولة بأبلغ ما لها من معانٍ، حيث يجسد شعب الجنوب كل معاني القوة والصلابة والتحدي فى تحمل حرب الخدمات المفتعلة،مستلهمين كل ما عرفت أمتهم وشعبهم من معاني التضحية والفداء والاستبسال في مواجهة أعداء البلاد الذين يحاربون الشعب بسلاح إنقطاع الكهرباء بأكثر من 12 ساعة يوميا .
وفى المقابل نجد الصمت من قبل مسئولين بالشرعية تجاه قتل ابناء الشعب بحرب الخدمات ،وهو ما يعنى الصمت عن سلاح يهدف به تشتيت الشعب عن عقيديتهم فى المقاومة والنضال واسترداد دولتهم.
وفى ظل استمرار مباركة سياسة تكسير الشعب وتجويعه ، لا يوجد سوى الإرادة الجنوبية هى من بإيديها أن تخرج البلاد من الفخ الذى ساعدت فيه بعض قيادات الشرعية للإيقاع بالبلاد في نفق مظلم.
و لذا من الأهمية أن تبقى الروح الجنوبية حية متقدة داخل كل هذا الركام والمشهد العبثى .ومن الضروري الحفاظ على روح الجنوب واساليب مقاومته من اجل استعادة دولته هو بحد ذاته عقيدة يجب الحفاظ عليها.
الشعب بحاجة لإحياء الروح !
ليس المأزق فى قدرة الشعب على الصمود والمقاومة بل الإشكالية الأساسية هى غياب الروح عن الجنويين …فلماذا لا يعود “بن بريك” ليحيى الروح من جديد؟
فليست هى المرة الأولى التى يجد فيها الشعب أنفسهم أمام فخ تاريخى ،وفى كل مرة يثبت للعالم باسره مدى صلابته ومقاومته وتمسكه بعقيده استرداد وطنه مهما كان الثمن..فى كل مرة يقف الشعب شامخًا صامدًا محتسبًا ومحتضنًا مقاومته، ومشاركًا لها في رسم مشهد يفتخر به كل إنسان حر عربى له ضمير حي.
كل حلقات المشهد تؤدى إلى القصة الحقيقية وراء إقصاء “بن بريك” ..ولا يمكن أن تتابع تطورات الأوضاع فى جنوب اليمن إلا وأن تشعر بالفراغ السياسي الذى خلفه غياب “بن بريك”،ولكن كلى ثقة فى إرداة الشعب فى استرجاع القيادات الوطنية المخلصة والوقوف أمام محاولة بعض المتذاكين فعله لإبعاد القيادات المخلصة والمناضلة.
و خلاصة المشهد اليوم فى جنوب اليمن ،صمود شعبى ،مقاومة عصية على الإنكسار ،يقابله ايادى خارجية وربما داخلية تعبث فى البلاد ..واستمرار هذا بدون عودة قادة سياسيين مخلصين إلى البلاد يعنى تهديد طريق النضال الطويل الذى ضحى فيه الكثير بأرواحهم.