اتفاق خفض التصعيد مولود غير شرعي للحكومة !!
كتب احمد حرمل


اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي الذي اعلن عنه المبعوث الاممي والمتمثل في الغاء قرارات البنك المركزي بحق بعض البنوك التي رفضت نقل مقراتها الى عدن هو مولود غير شرعي للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ولكون الحكومة تبنت ذلك المولود غير الشرعي فعليها ان تتحمل تبعات ذلك التبني. 

الاتفاق اضاف انتصار جديد لمليشيات الحوثي للاسباب التالية :

1- ذهبت الحكومة الى ما هو ابعد من المطلوب منها فمذكرة المبعوث الاممي الى الحكومة طالبهم بتاحيل تنفيذ قرارات البنك الى اغسطس وما تم الاعلان عنه هو ان الحكومة وقعت على الغاء قرارات البنك ليس هذا فحسب بل وافقت على عدم اتخاء اي قرارات مستقبلاً وبهذا تمكن الحوثي من اسقاط الورقة الاقتصادية من يد الحكومة بمثل ما اسقط اتفاق ستوكهولم الورقة العسكرية من يد الشرعية في الحديدة .

2- تسبب الاتفاق في تصدع جدار الشرعية كون بعض الاطراف المكونة للشرعية لها مواقف مناقضة لموقف الحكومة. 

3- اعاد الحديت عن خارطة الطريق التي توقفت على اثر استهداف مليشيات الحوثي لخطوط الملاحة في البحر الاحمر وخليج عدن واعاد بوصلة الشرعية الى السير وفقاً لخارطة الطريق التي لم تكن في الاساس طرفاً فيها 

4- اسقاط الاتفاق المرجعيات الثلاث واستبدالها بخارطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها بين المملكة ومليشيات الحوثي وبهذا اسقط الاتفاق ورقة سياسية من يد الشرعية ظلت تتغنى بها طوال العشر السنوات الماضية .

5- شرعن الاتفاق تدخل مليشيات الحوثي في شؤون شركة الطيران وفتح لهم وجهات جديدة لرحلات الطيران الى بعض الدول بعد ان كانت حصريا الى الاردن . 

وفي ظل الضبابية في المشهد السياسي والتعقيدات والتداخلات بين ما هو سياسي وما هو وطني وبين الشان المحلي والاقليمي والدولي برز وبشكل واضح وجلي مشروعان مشروع سلالي طائفي في الشمال استطاع ان يولد قناعة لدى المجتمع الدولي والاقليمي بتصفية الملعب في الشمال لمليشيات الحوثي ساعد في ذلك عدم رغبة الاطراف السياسية الشمالية المنضوية في اطار الشرعية بتحرير الشمال وعدم قدرتها على تغيير موازين القوى شمالاً وصار الحوثي هو اللاعب الوحيد في الشمال ناهيك ان مليشيات الحوثي لا تؤمن بالسلام لانها لا تجيد الى لغة القوة ولذا فهي تناور وتراوغ للوصول الى اتفاق سلام شكلي يمكنها من كسب المزيد من الوقت للاستعداد لاستكمال مشروعها جنوباً. 

المشروع الاخر يتبناه المجلس الانتقالي وهو مشروع استعادة دولة الجنوب الى حدود ماقبل 22 مايو 1990م .

هذا المشروع يواجه خطر مليشيات الحوثي ومناهضة الاطراف الشمالية المنضوية في اطار الشرعية والتي فشلت شمالا ولذا فهي تتشبث بصحراء ووادي حضرموت وتسعى لاسقاط المحافظات المحررة التي يسيطر عليها الانتقالي بهدف تحسين وضعها التفاوضي ناهيك ان الملعب في الجنوب مفتوح وهناك لاعبين كثر  اضافة الى ذلك هناك عملية استقطاب واسعة تقوم بها بعض الاطراف الاقليمية وتبرز بين الحين والاخر مكونات جديدة تحت مسميات قبلية ومناطقية وعسكرية بهدف ارباك المشهد وضعاف الانتقالي.  

وبين هذين المشروعين هناك محافظة المهرة التي تم تفخيخها بالمتناقضات وصارت، ساحة لصراع دولي واقليمي. 

ومن هذا المنطلق لا اجد افضل من تعبير الزميل فؤاد مسعد ان ما يجري هو ( سلام، بالانابة) وهذا نتاج طبيعي لحرب الانابة ويمكن القول بان القرار لم يعد محلي بل صار دولي واقليمي ولذا فمصير الشمال ليس بيد الشماليين ومصير الجنوب ليس بيد الجنوبيين وبات تحقيق اي انفراجة في اليمن مرتبطة بتحقيق انفراجة في اوكرانيا وغزة. 

ان الحديث عن الاوضاع في اليمن دون الاشارة الى مشروع الشرق الاوسط الجديد يظل حديث قاصر فهذا المشروع الذي تبنته الولايات المتحدة الامريكية وتعطل تنفيذه بسبب غرقها في مستنقع العراق وافغانستان نجد بان هذا المشروع قائم على ثلاث مراحل وجدت الولايات المتحدة الامريكية في ثورات الربيع العربي فرصة لتنفيذ مشروعها دون ان تدفع اي تكاليف لتنفيذة. 

وتتمثل مراحل مشروع الشرق الاوسط بالتالي : 

1- مرحلة الفوضى الخلاقة 

هذه المرحلة بدات مع بداية ثورات الربيع العربي ولا زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم ونعيشها على ارض الواقع وتنقسم هذه المرحلة الى شقين .

الشق الاول هو الفوضى وهي من نصيب بلدان وشعب الربيع العربي دفعت ثمنها ولازالت تدفع الثمن الشعوب في اليمن وسوريا وليبيا والسودان وبشكل اقل كلفة في مصر وتونس. 

والشق الثاني هو الخلاقة وبمثل ما كانت الفوضى من نصيب دول وشعوب الربيع العربي كانت الخلاقة من نصيب بعض الانظمة الدولية والاقليمية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية حيث خلقت وعلى وجه الخصوص للولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا فرص عقد صفقات بيع اسلحة كما خلقت  للاعبين الدوليين والاقلينيين فرص اعادة رسم موازين القوى في اطار كل بلد على حدة وخلقت فرص تاسيس ادوات لكل طرف. 

2- مرحلة التفكيك 

هذه المرحلة هي الاخرى اخذت اتجاهين :

الاتجاه الاول عسكري وتمثل في تفكيك المنظومة العسكرية لبلدان الربيع العربي التي انقسمت على نفسها ووجدت الولايات المتحدة وحلفائها فرصة لتخلص من فائص السلاح لدى الجيوش العربية التي اعتمدت في تسليحها على الاتحاد والسوفيتي سابقاً وروسيا الاتحادية حاليا وبالتوازي مع ذلك تم تشكيل تحالف دولي في سوريا وتم تاييد ومباركة تشكيل تحالف عربي في اليمن وتحالف غير معلن في ليبيا .

هذه التحالفات عملت على تشكيل جماعات مسلحة موازية لما تبقى من الوحدات العسكرية لجيوش تلك البلدان وسلحتها وساعدتها على ضرب خصومها ومكنتها من السيطرة على مساحات جغرافية شاسعة. 

 الاتجاه السياسي تم تفكيك قوى سياسية كانت الى قبل ثورات الربيع العربي حاكمة وتفكيك القوى السياسية التي كانت تعارض تلك الانظمة وظنت بانها  هي البديل وتم الدفع بتشكيل قوى سياسية جديدة ودفعت بها الى صدارة المشهد واستخدمت بعضها عصا تضعها في عجلة المسار السياسي لانهاء الصراع. 

وفي هذه المرحلة نجحت القوى الدولية والاقليمية في ايجاد توازن الضعف وبذلك صارت ملفات الصراع بيد تلك القوى الدولية والاقليمية التي وجدت ان ادارة الازمات في هذه المرحلة هو الخيار الامثل لاطالت امد الصراع بدلاً من حلها. 

3- المرحلة الثالثة 

هي مرحلة اعادة التركيب 

كانت الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها تخطط للانفراد في رسم خارطة الشرق الاوسط  واعادة تركيب الانظمة فيها وتموضع القوى في جغرافيتها بما يضمن مصالحها وامنها القومي ومهدت للانتقال الى هذه المرحلة بالاتفاق الابراهيمي. 

الا ان اندلاع الحرب في اوكرانيا غير اولويات الولايات المتحدة الامريكية وما شهدته هذه الحرب من تداعيات اعاد المشهد الى زمن الحرب الباردة وبروز الصين كقوة عسكرية واقتصادية وتشكيل تحالف مناهض لحلف الناتو يضم روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية كل هذه المعطيات تشير بان هناك نظام عالمي جديد بدا يتشكل ووجدت الولايات المتحدة من يزاحمها وانه لم يعد بمقدورها التفرد بمصير الشعوب .

واضافة الى ما افرزته الحرب في اوكرانيا جاء طوفان الاقصى هو الاخر ليعمل فرز حقيقي في الشرق الاوسط بين قوى التطبيع وقوى الممانعة وفشل المجتمع الدولي في ايقاف حرب غزة وفشل تحالف الازدهار في حماية خطوط الملاحة الدولية من هجمات مليشيات الحوثي لسفن النقل في البحر الاحمر وخليج عدن وترافق ذلك مع تراجع النفوذ الامريكي والفرنسي في دول غرب افريقيا النيجر ومالي وبركينا فاسو وحضور روسيا والصين وبقوة في القارة الافريقية وكل هذه المتغيرات عكست نفسها على بؤر الصراع وجعلت الكثير من البلدان تعيد النظر في تحالفاتها الدولية وفقا لمصالحها وليس وفقا لمصالح الولايات المتحدة الامريكية. 

تضارب مصالح الدول العظمى وصراع الارادات وصعف المجتمع الدولي في فرض السلام العالمي وازدواج المعايير  يجعل فرص السلام بعيد المنال على الاقل على المدى المنظور وان الرهان على الموقف الاقليمي والاممي لوقف االحرب في اليمن رهان خاسر وهذا الامر ينطبق على سوريا وليبيا والسودان وسيستمر الصراع سنوات قادمة ولا يعرف احد مالاتها.

متعلقات
عندما تنهار الدول
بناء الدولة يبدأ من الأمن
الماجستير بامتياز للباحث والدكتور محمد عبدالرحمن السامعي من جامعة تعز
تاريخ الأغنية اللحجية في ندوة فنية لمؤسسة سطور الثقافية بلحج
بمشاركة رئيس تنفيذية انتقالي المهرة.. قبائل يافع تقيم حفلاً تكريمياً للطلاب المتفوقين