تضمّت تصريحات لمسؤول كبير في جماعة الحوثي اعترافا ضمنيا بمسؤولية جماعته عن وقف مسار السلام في اليمن حين كان على وشك الدخول في مرحلة حاسمة لم يكن مستبعدا أن تفضي إلى إخراج البلد من حالة الحرب نظرا لجدية الأطراف المنخرطة في جهود إطلاق ذلك المسار وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية.
وربط الناطق الرسمي باسم الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي محمّد عبدالسلام تعليق التوقيع على اتّفاق بشأن خارطة الطريق كان جاهزا ومتوافقا عليه مع المملكة باندلاع الحرب بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل وفتح جماعته جبهة حرب جديدة باستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر تحت يافطة دعم حماس وقطاع غزّة.
ويعلم المتابعون للشأن اليمني يقينا أنّ جماعة الحوثي المرتبطة عضويا بإيران وتتلقى دعمها بالسلاح والخبرة العسكرية، لم تكن لتقدم على قرار خطير باستهداف حركة الملاحة الدولية، دون تنسيق كامل مع طهران وتلقي ضوء أخضر منها.
ودفعت هذه المسلّمة محلّلين سياسيين إلى اعتبار تصريحات عبدالسلام بمثابة إحالة على دور إيراني مباشر في تفخيخ جهود السلام في اليمن، وذلك في مواصلة لسياسة طهران القائمة على استدامة التوتّر في البلد لمنع السعودية من التخلّص من عبء الحرب هناك وتجنّب تبعاتها على أمنها واقتصادها.
وقال هؤلاء إنّ ذلك يأتي معاكسا تماما للمصالحة التي تمّت بين طهران والرياض والتي يبدو أنّها لا تزال إلى حدّ الآن من دون نتائج عملية على استقرار المنطقة بسبب عدم تخلّي إيران عن سياساتها المثيرة للقلاقل والتوتّرات وعدم استعدادها للتراجع عن دعم أذرعها في اليمن والعراق ولبنان والتي تستخدمها كأدوات تنفيذية لتلك السياسات.
ويدرك الإيرانيون مدى حاجة السعودية إلى بسط الهدوء والاستقرار من حولها بما في ذلك في اليمن حيث لم تخف المملكة رغبتها الشديدة في إنجاز سلام مع الحوثيين مبدية في سبيل ذلك قدرا كبيرا من المرونة لم تكن متوقّعة في سنوات سابقة ووصلت حدّ القبول بالتحاور المباشر معهم، وهو ما كانت ترفضه من قبل بشكل قاطع على أساس أنها ليست طرفا في الأزمة اليمنية وأنّ تدخّلها العسكري هناك هو على سبيل تقديم الدعم للسلطات المعترف بها دوليا وكردّة فعل على التهديدات الحوثية لأمنها.
وتريد الرياض بمحاولتها إنهاء الحرب في اليمن وكذلك بموجة المصالحات التي أطلقتها وشملت التصالح مع العديد من الأطراف الإقليمية بدءا بقطر ومرورا بتركيا ووصولا إلى إيران تحقيق استقرار فريد في الإقليم، ليشكّل أرضية لإنجاز مشروعها التنموي الضخم المعروف برؤية 2030 ويتضمن إنجاز مشاريع بعشرات المليارات من الدولارات.
وتدرك الرياض أنّ مشاريعها المليارية سواء كانت في طور الإنجاز أو اكتملت ودخلت طور الإنتاج لن تكون آمنة في مرمى صواريخ الحوثيين التي زودتهم بها إيران وجرّب السعوديون مدى خطورتها على الأقل لدى توجيهها سنة 2019 لمنشآت شركة آرامكو العملاقة التي تمثّل رئة الاقتصاد السعودي.
لكنّ حالة التهدئة التي تروم السعودية بلوغها قد تصل مدى مقلقا على نحو خاص للإيران وهو إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل الأمر الذي لم تعد الرياض ترفضه من حيث المبدأ، رغم أنّ التقدّم نحوه معلّق في الوقت الراهن بسبب حرب غزّة وما جرّته من توتّرات فرعية بما في ذلك في البحر الأحمر وباب المندب.
وقال عبدالسلام إن اتفاق جماعته مع السعودية كان جاهزا وتم الاتفاق على نص خارطة الطريق ولم يبق إلا الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، قبل أن يتمّ تجميد الاتفاق بعد اندلاع الحرب في غزّة وبدء الجماعة هجماتها على السفن التجارية التي تقول إنّ لها علاقة بإسرائيل.
وأوضح رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين أنه كان من ضمن بنود الاتفاق في مرحلته الأولى وقف إطلاق النار ورفع القيود عن الموانئ وصرف المرتبات وإجراءات اقتصادية لتحسين الوضع الاقتصادي والإفراج عن الأسرى.
وشرح في تصريحات تلفزيونية أن جماعته توصلت إلى “اتفاق مكتوب وضمن مراحل على خارطة طريق للحل وافقت عليها السعودية ونُقلت إلى الأمم المتحدة”، لكنها جُمِّدت بسبب مشاركة الجماعة “في إسناد غزة”، مستدركا بأنّ تجميد الخارطة لا يعني إلغاءها.
والحوثيون جزء مما يسمى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويضمّ أيضا حزب الله اللبناني وفصائل موالية لطهران في العراق وسوريا وهي تشكيلات مسلّحة نفّذت هجمات على إسرائيل ومصالح حليفتها الولايات المتحدة في المنطقة منذ بدء الحرب في غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي.
ويتضمّن التعرض للملاحة الدولية تصعيدا خطرا استوجب ردّ فعل عسكريا أميركيا – بريطانيا زاد في تعقيد الأوضاع وأضعف آمال التوصّل إلى سلام في اليمن. وحذّر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في وقت سابق من تداعيات حرب غزة وهجمات الحوثيين على السفن التجارية على جهود السلام في اليمن.
ودعا في إفادة له أمام مجلس الأمن الدولي إلى عدم جعل حل الصراع في اليمن مشروطا بحل القضايا الأخرى، قائلا “إن إهمال العملية السياسية في اليمن وتركها في غرفة الانتظار يمكن أن تكون لهما عواقب كارثية ليس فقط على البلاد، ولكن على المنطقة ككل”.