تثير المعركة الدائرة حالياً بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي الإرهابية، ذراع إيران في اليمن، حول القطاع المصرفي، التساؤلات حول تأثيرها على مسار السلام في اليمن ومصير ما تُسمى بخارطة الطريق .
وأعلن المبعوث الأممي لليمن هانس جروندبرغ أواخر العام الماضي عن توصل أطراف الصراع في اليمن للالتزام بمجموعة من التدابير أو ما سُميت لاحقاً بخارطة الطريق للسلام، عبر استئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.
الخارطة التي تمخضت عن مفاوضات سرية استمرت لعامين بين السعودية وجماعة الحوثي بوساطة عُمانية وبعيداً عن الشرعية، تتضمن بنوداً رئيسية تتمثل بوقف إطلاق النار، ودفع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وبين المحافظات ورفع كافة القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة الخاضعين لسيطرة الجماعة.
وتسببت الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي ضد الملاحة الدولية في تأجيل التوقيع على الخارطة والبدء في تنفيذها والذي كان متوقعاً مطلع العام الحالي إلى أجل غير مسمى، مع تصريحات أمريكية وبريطانية تربط العودة لمسار السلام بوقف هذه الهجمات.
إلا أن تصريحات حديثة للسفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن، كشفت عن موقف جديد لواشنطن، حيث قال إن خارطة السلام التي قدمتها السعودية للأمم المتحدة لن تكون قابلة للتطبيق على المدى القريب، متحدثاً عن "تعقيدات الصراع" في اليمن. في إشارة واضحة إلى الهجمات الحوثية ضد الملاحة الدولية.
وبعيداً عن الأهداف والمصالح الأمريكية التي تقف خلف هذا الموقف الجديد، إلا أن مصير خارطة الطريق بات سؤالاً مطروحاً بقوة في ظل مشهد المعركة الدائرة حالياً بين الشرعية ممثلة بالبنك المركزي بعدن ومليشيا الحوثي حول القطاع المصرفي.
ويعود هذا التساؤل إلى ما يشكله الملف الاقتصادي من أهمية محورية في خارطة الطريق وخاصة في بند صرف رواتب الموظفين بمناطق سيطرة مليشيا الحوثي من عائدات النفط والغاز المنتج والمصدر بالمناطق المحررة وبعيداً عن يد المليشيا.
حيث مثل بند الرواتب وعائدات تصدير النفط النقطة الأكثر خلافاً بين مكونات مجلس القيادة الرئاسي والمليشيا الحوثية التي تضغط نحو فرض تقاسم عائدات النفط وطرح حصولها على نسبة 70% منها.
وإلى جانب هذا الخلاف السياسي في بند المرتبات والعائدات، فإن التعقيدات في القطاع المصرفي باليمن تطرحاً تحدياً كبيراً بحد ذاته حتى في حالة التوصل لأي اتفاق حول ذلك، بسبب الانقسام المالي والنقدي الذي خلقته جماعة الحوثي بين مناطق سيطرتها والمناطق المحررة، منذ قرار منعها تداول العملة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن عام 2019م.
تعقيدات دفعت إلى اقتراح صيغ مختلفة من قبل الوسطاء الأمميين والإقليميين لتجاوز هذا الانقسام المصرفي والنقدي، عبر تشكيل لجان اقتصادية تعمل على إعادة توحيد العملة وإدارة البنك المركزي بين الإدارة الشرعية في عدن والإدارة الخاضعة لسيطرة المليشيا في صنعاء.
وبحسب ما تم تسريبه من هذه المقترحات في وقت سابق، فإن إحداها ينص على تشكيل إدارة "توافقية" للبنك المركزي من قبل الشرعية والحوثي تدير عملها من خارج اليمن، وتتولى إدارة القطاع المصرفي وتوحيد العملة.
وهو مقترح يُعد انتصاراً للجماعة الحوثية وتنازلاً مؤلماً للحكومة الشرعية يضرب المركز القانوني والدستوري لها بانتزاع سلطتها الاقتصادية لصالح الجماعة الحوثية، التي نجحت بانتزاع سلطة الحكومة القانونية باتفاق الهدنة السابق عبر شرعنة جوازات السفر الصادرة من سلطة الجماعة.
وفي هذا السياق، فإن نجاح الحكومة الشرعية في فرض قرارات البنك المركزي مستفيدة من التأييد الدولي وما تعنيه من فرض سلطتها الكاملة على القطاع المصرفي في اليمن، من شأنه أن ينسف أهم مكسب حققته المليشيا الحوثي بخارطة الطريق، ويفرض إعادة صياغتها وفق قواعد جديدة.