مرت نحو عشر سنوات منذ بدء إغلاق عدة طرق رئيسية في اليمن من قبل أطراف النزاع نتيجة الحرب الدائرة بين الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي، ما أدى إلى عرقلة تنقل المواطنين بين المحافظات.
وأغلقت هذه الطرقات في عدة محافظات بشمال البلاد وجنوبها، ما جعل بعض المناطق والمدن تعيش ظروفا صعبة تشبه الحصار.
وعلى سبيل المثال، تم إغلاق الطريق الرئيسي الذي يربط بين محافظتي تعز وعدن، والطريق الرابط بين تعز وصنعاء، ما جعل السكان يتخذون طرقا وعرة وصعبة تستغرق ساعات طويلة من أجل الوصول إلى المنطقة المرجوة.
كما تم إغلاق طرقات تربط بين العاصمة صنعاء ومحافظات جنوبية أخرى كالضالع وعدن، إضافة إلى إغلاق الطريق الرئيسي الرابط بين محافظتي مأرب وصنعاء.
وخلال السنوات الماضية، جرت عدة جولات مفاوضات بين الحكومة وجماعة الحوثي تناولت عدة قضايا، بينها ملف الطرقات الإنساني الذي لم يتم حله حتى اليوم، وسط اتهامات متبادلة بين طرفي النزاع بشأن عرقلة إحراز تقدم في هذا الشأن.
وعمق إغلاق الطرقات من معاناة اليمنيين الذين يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
وأدى إغلاق بعض الطرقات إلى ارتفاع أجور النقل بشكل مضاعف، إضافة إلى خلق أعباء نفسية وصحية، وحتى خسائر بشرية، حيث سبق أن تم رصد العديد من الوفيات والإصابات جراء سقوط مركبات في طرق وعرة، فضلا عن وفاة الكثير من المرضى أثناء السفر بين المحافظات طلبا للعلاج.
ولعل أكبر معاناة ناتجة عن إغلاق الطرقات، ما يعيشه سكان مدينة تعز الذين يواجهون حصارا مستمرا منذ عام 2015، يفرضه الحوثيون من عدة منافذ، ما أدى إلى خلق أعباء إنسانية وصحية ومادية كبيرة.
وخلال الفترة القليلة الماضية، نفذ ناشطون من مختلف المحافظات حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، طالبت أطراف النزاع بفتح جميع الطرقات، وتحييد هذا الملف الإنساني الحيوي.
ونشر الناشطون الكثير من المنشورات والصور التي تلخص واقع المعاناة التي يواجهها الملايين من السكان جراء إغلاق الطرقات.
ورغم المفاوضات السياسية، والمطالبات الشعبية المتكررة بفتح الطرقات، لا يزال الملف متعثرا حتى اليوم.
ويرى عزوز السامعي، وهو صحافي وناشط سياسي، أن “تحقيق تقدم في ملف فتح الطرق مرتبط بالتسوية الشاملة في البلاد”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر بات واضحا مع اصطدام كافة الضغوط والجهود، التي تبذلها بعض الجهات المحلية لإنهاء هذا الملف، بالعراقيل والتعنت لاسيما من جانب الحوثيين”.
وأضاف أن “قضية إغلاق الطرق وقطعها أحد أبرز وجوه الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث هناك الآلاف من الناس لا يستطيعون التنقل والسفر بسبب إغلاقها أمام المسافرين وحركة النقل، فضلا عن الحصار الذي تعيشه مدن مثل تعز التي يتحكم الحوثيون بمنافذها الرئيسية، ويمنعون وصول عمليات الإغاثة الإنسانية إلى السكان، وهو أمر أحدث أضرارا بالغة بالملايين من اليمنيين”.
ولفت السامعي إلى أن “غياب الجهد الدولي الضاغط لفتح الطرق، وإبعاد هذا الملف الإنساني عن الصراع السياسي، لاسيما من جانب الأمم المتحدة ومبعوثيها، والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، كان كارثيا، وأعطى إشارة سلبية للأطراف التي تغلق الطرقات، لاسيما الحوثيين، الذين ذهبوا لمقايضة هذا الملف الإنساني المهم بالقضايا السياسية، وربطه بالتسوية النهائية للصراع”.
وبشأن مدى إمكانية حل هذا الملف، شدد السامعي على أنه “يجب بلورة موقف دولي موحد تجاه هذا الملف، وسائر المواضيع ذات الطابع الإنساني لإبعادها عن المسألة السياسية، والشروع في معالجتها بشكل فوري”.
وخلال السنوات الماضية، أعلنت كل من الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي مبادرات من جانب واحد، لفتح بعض الطرقات، لكنها لم تفلح في إحراز تقدم، نتيجة اتساع الهوة بين وجهات نظر طرفي النزاع، فكل طرف شدد على فتح طرق معينة يريدها هو.
ويقول عبدالسلام قائد وهو كاتب وباحث إن “من أسباب تعثر فتح الطرقات في مناطق عدة باليمن أن هذا الملف مرتبط أساسا بالحرب، وقطع الطرقات يتعامل معه الحوثيون من منظور عسكري بحت، ولا مجال للجوانب الإنسانية لحلحلة هذا الملف”.
وأضاف أن “قطع الطرقات يراد منه حصار بعض المدن العصية على الاستسلام للحوثيين كما هو حال مدينة تعز (مركز محافظة تعز) وعدد كبير من المديريات التابعة للمحافظة ذاتها”.
وأكد “قد لا يكون الهدف من استمرار الحصار إجبار المدن المحاصرة على الاستسلام، وإنما خوفا من أي نتائج عكسية قد تترتب على ذلك، مثل الخشية من أن فتح الطرقات قد يسهل على الجيش الحكومي التقدم ميدانيا صوب مناطق سيطرة الحوثيين وتحريرها، بدليل أن الجماعة زرعت أعدادا كبيرة من الألغام في الطرقات المقطوعة لتمنع تقدم الجيش عبرها”.
وتابع “فتح الطرقات ستترتب عليه إزالة تلك الألغام، وهذا ليس في مصلحة الحوثيين عسكريا، خصوصا أن الأزمة اليمنية ممتدة ومفتوحة ومن المحتمل عودة المواجهات العسكرية العنيفة مستقبلا جراء تعثر مسار السلام وتعذر إنهاء الأزمة من خلال الحل السياسي، وهكذا سيظل ملف فتح الطرقات مرتبطا بمسار الحرب”.
وأضاف “إذا تم فتح بعض الطرقات أو فك حصار بعض المدن من خلال العمل العسكري، سينتقل قطع الطرقات إلى مناطق أخرى تقع على خطوط التماس، ولن ينتهي هذا الملف وتبعاته الكارثية على المواطنين إلا بانتهاء الحرب، سواء بواسطة الحسم العسكري أو الحل السياسي”.
وأفرزت الحرب اليمنية سلسلة انقسامات وصراعات سياسية وعسكرية ومناطقية وطائفية، ما أدى إلى انعكاس ذلك على مختلف الملفات، بما في ذلك القضايا الإنسانية والاقتصادية.
ويرى المواطن ناصر الحجاجي أن اليمن يبدو حاليا منقسما بشكل كبير، ما يوحي بأن الوضع يشبه دولتين تحكمان شعبا واحدا.
وأضاف أن “اليمن يخضع لحكم الحوثيين من جهة الشمال، ومن جهة الجنوب لحكم الحكومة الشرعية المنضوية تحت إطارها عدة أحزاب”.
وأشار إلى أن “هذا الانقسام أدى إلى خلق مشاكل كبيرة يتجرع ويلاتها المواطنون، مثل صعوبة التنقل بحرية بين المحافظات نتيجة إغلاق الطرقات والحصار”.
ولفت إلى أن فتح الطرقات ملف مرهون بحسن نوايا أطراف النزاع لحل شامل لأزمة اليمن، وتجنيب المواطنين ويلات الصراعات السياسية.
وأوضح أن إغلاق الطرقات تسبب بخلق معاناة كبيرة للسكان، حيث الملايين لم يعد بوسعهم التحرك بحرية، ما جعل الكثير يمكثون لسنوات في منطقة محددة دون زيارة أقارب لهم يعيشون في مناطق أخرى.
وناشد أطراف النزاع تحييد ملف الطرقات، كونه قضية إنسانية بحتة، لا تقبل الصراع العسكري أو السياسي.