حرص الاتحاد الأوروبي منذ العام 2015، على تقديم العديد من المساعدات طويلة الأمد لليمن، على شكل مشاريع للتنمية البشرية المستدامة، مثل: النقد مقابل العمل لتعزيز فرص كسب العيش للشباب في المناطق الحضرية، ودعم الصمود المعيشي في الريف، والتعافي المبكر، وسبل المعيشة، والأمن الغذائي، والرعاية الصحية الأولية، وبناء السلام، والشمول الاقتصادي ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- مشروع ترميم المباني التاريخية في عدن
يركز هذا التقرير على مشروع النقد مقابل العمل لتعزيز فرص كسب العيش للشباب في محافظة عدن (جنوبي البلاد) عن طريق ترميم نحو 100 منزل أثري وذات طابع تاريخي في مدينة عدن القديمة (مدينة كريتر)، والتي تأثرت بفعل الصراع والعوامل الطبيعية، إلى جانب عشوائية البناء الحضري والتداخل في المباني مما أفقدها حضورها التراثي والتاريخي العريق، ناهيك عن ضعف الاهتمام الرسمي بالمحافظة عليها.
دشن الاتحاد الأوروبي المشروع عبر الشريك المنفذ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في يناير الماضي، بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية والسلطة المحلية في مديرية صيرة (كريتر)، والذي يأتي ضمن تدشين المرحلة الثانية من مشروع "النقد مقابل العمل، وتعزيز فرص كسب العيش للشباب الحضري في اليمن"، كأكبر مشروع للمكتب الإقليمي لليونسكو بدول الخليج واليمن (الدوحة) يخص اليمن، بتمويل من الاتحاد الأوروبي بما يعادل 20 مليون يورو، لترميم المباني التي تأثرت نتيجة الصراع، ويستهدف إعادة جميع المباني والأسواق التاريخية في مدن (عدن وصنعاء وزبيد).
- أهداف المشروع
ويهدف الاتحاد الأوروبي واليونسكو من هذا المشروع إلى تعزيز فرص كسب العيش للشباب في مدينة عدن والحفاظ على الموروث الثقافي الوطني، مع الإسهام في الترابط الاجتماعي وبناء السلام من خلال خلق برامج للنقد مقابل العمل للمشاركين من ذوي المستويات المتباينة من المؤهلات، لإشراك مجموعة واسعة من الشباب في أنشطة إعادة التأهيل والترميم لتعزيز التماسك الاجتماعي والقدرة على الصمود.
- تخفيف المخاطر
حرص الاتحاد الأوروبي واليونسكو من خلال هذا المشروع على تجنب المزيد من الخسائر في هذه المنازل التاريخية، وتنفيذ آليات لتخفيف المخاطر عليها بما يضمن تمكين سكان هذه المنازل التاريخية من الاستمرار في العيش والحفاظ على تراثهم كما فعل آباؤهم وأجدادهم في السابق.
كما حرص على ضمان حصول السكان على سبل كسب العيش، وتعزيز مرونتهم الاقتصادية، وصقل مهاراتهم، وتوطيد التماسك الاجتماعي.
- الاستجابة للضائقة الاقتصادية
ويركز الاتحاد الأوروبي في هذا المشروع على إشراك الشباب المستضعفين اقتصادياً من خلال توظيفهم في مجالات إعادة تأهيل المباني والمعالم التاريخية، ويتمثل الهدف من هذه المبادرة في الاستجابة إلى الضائقة الاقتصادية، وحركة نزوح السكان على نطاق واسع، وتعطيل قطاع الثقافة، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية الأساسية والتراث جرّاء الصراع المستمر في بلادنا.
وتستفيد المنازل التاريخية في مدينة كريتر المستهدفة من المشروع في حمايتها من الانهيار والاندثار، وفي الوقت نفسه تخلق فرص دخل للكثير من الشباب من السكان في أكثر من موقع في المدينة.
- عدد المستفيدين من المشروع
أفاد المهندس عبدالرحمن باجرش، مساعد استشاري الصندوق الاجتماعي للتنمية، بأن عدد الشباب المستفيدين من مشروع ترميم المباني والمنازل التاريخية في مدينة عدن، ضمن مشروع "النقد مقابل العمل"، بلغ حتى الآن 18 شاباً (14 عاملاً، 3 فنيين، 1 مشرفة)..
مؤكداً أن "هذا العدد أولي فقط، لأن العمل مازال في بدايته"، مشيراً إلى أن "عدد المستفيدين قابل للزيادة خلال الأيام القادمة، حينما تبدأ الأعمال الكاملة لعملية الترميم".
وبحسب ممثل "اليونسكو" في دول الخليج العربي واليمن، صلاح الدين خالد، فإن عدد المستفيدين من مشروع ترميم المباني والمنازل التاريخية في اليمن بشكل عام - في مرحلته الثانية - بلغ 4 آلاف شاب وشابة، وقابل للزيادة.
- دور هيئة المحافظة على المدن التاريخية
ولمعرفة المزيد عن مشروع ترميم وإعادة تأهيل المباني التاريخية والتراثية في مدينة كريتر، والذي يأتي ضمن مشروع الاتحاد الأوروبي "النقد مقابل العمل لتعزيز فرص كسب العيش للشباب في المناطق الحضرية، التقينا بالمهندس ناصر عبدالرزاق مقبل - مدير عام الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية بمحافظة عدن، والذي أفادنا بالقول: (( منذ فترة ونحن نتابع لمحاولة إدراج عدن ضمن قائمة التراث العالمي، مثل صنعاء وزبيد وشبام التي كان لديها قاعدة بيانات كبيرة والتدخل سهل فيها عندما يكون هناك قاعدة بيانات واضحة)).
واضاف : (( عدن لم يكن لديها قاعدة بيانات بالمباني الأثرية من ناحية تقسيم الشوارع وأسماء المباني وأسماء الملاك ونوع البناء والواجهات والأخشاب وكثير من الأمور والتفاصيل بهذا الشأن)).
وتابع حديثه بالقول: (( قبل عامين كان هناك مبلغ من الاتحاد الأوروبي من ضمن المشاريع التي تُقدم للجهات المنفذة وهي الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة ، فقمنا بالتنسيق مع الصندوق الاجتماعي واقترحنا عليهم بأن نعمل حصر وتوثيق لمدينة عدن من خلال عمل قاعدة بيانات للمدينة، فقمنا بهذا العمل في شهري يونيو ويوليو 2021 )).
•مسح قرابة أربعة آلاف مبنى تاريخي
واردف المهندس ناصر مقبل قائلا : (( كان الوقت ضيقا وكان لازم نتحرك بسرعة فجمعنا فريق قوامه 75 شخصاً، 56 مهندسا ومهندسة والبقية فنيين ومدخلي بيانات، بالإضافة الى فريق إداري ليصل عدد الفريق إلى 81 شخصاً تقريباً، وفي ظرف شهرين عملنا مسح للمدينة وفق خرائط تم إعدادها عن طريق فريق مختص من أساتذة جامعة عدن، وأُسقطت خرائط لمدينة كريتر، واستطعنا مسح قرابة أربعة آلاف مبنى تاريخي، وبدأنا نعمل قاعدة بيانات لها، وكانت هذه المباني تُمسح وفق دالات وصلت إلى 112 دالة تقريباً (المبنى واجهته ومن ماذا يتكون، وطراز المبنى وعمره ومن هو المالك ومن المستأجر....الخ) بيانات كانت غير عادية )) .
•معايير اختيار المباني
وتابع بالقول: (( شكلت اليونسكو لجنة على أساس نحاول إدراج مجموعة من المباني سنوياً لتتدخل المنظمة فيها وفق معايير ومقاييس معينة وحسب المبالغ المتاحة ، فشُكلت لجنة وكان مدير عام هيئة المدن التاريخية عضو مراقب فيها ومندوب اليونسكو عضو مراقب أيضاً، والبقية أعضاء مصوتين في اختيار المباني من الهيئة العامة للآثار ومن الهيئة العامة للمدن التاريخية، ومن المجلس المحلي، ومن منظمات المجتمع المدني، وتم اختيار قرابة مائة مبنى مبدئياً وفق معايير وضعها الاتحاد الأوروبي وهي ثلاثة معايير رئيسية: أول معيار واجهة المبنى هل هو المبنى تاريخي أو غير تاريخي، ما هي نوعية المواد التي فيه (المواصفات العامة للمبنى) ، المعيار الثاني الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة الساكنة في المبنى، وهذا يتم تقييمه في استمارة عن طريق لجنة طلبوا منا تشكيلها، فتم مسح مائتي مبنى في الخصوص للنظر في وضعهم الاقتصادي، من ناحية هل هناك من أفراد الأسرة معاقون أو مصابون بحرب، وكم من أفراد الأسرة عاملون وكم عاطلون عن العمل ، ويتم ذلك عبر استمارة تحتوي على أسئلة معينة، وهذه البيانات يرفعها مندوب اليونسكو إلى برنامج معين في مكتب الدوحة، والبرنامج هو الذي يحلل ومن ثم يعطي الدرجة لهذا المبنى)).
واختتم مدير الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية بمحافظة عدن حديثه بالقول: (( طبعاً الهدف العام من هذا المشروع هو تشغيل الشباب في المدن الحضرية، من خلال اعطاء فرص عمل للشباب، لكي لا ينجذبوا نحو الصراعات والحروب، ولكي يكون انجذابهم نحو لقمة العيش ، يعني أن هذه المشاريع لها تأثير في موضوع الحروب )) .. مؤكداً أن العمل يسير على قدم وساق، والجهات المنفذة للمشروع تبذل قصارى جهدها لإتمامه وفق ما خطط له.