تفاصيل تكشف للمرة الأولى عن معركة "تحرير المكلا"
كيف سطرت قوات النخبة الإماراتية حروفا من ذهب في التاريخ العسكري الدولي؟
هكذا دحرت الإمارات «القاعدة» باليمن
بعد نجاح كتابه الأول «25 يوماً إلى عدن»، يأتي الكاتب والباحث الأمريكي مايكل نايتس، بإصداره الجديد «السباق إلى المكلا»، ليكشف فصلا جديدا من البطولات العسكرية الإماراتية في اليمن، ولكن هذه المرة ضد تنظيم القاعدة.
وبينما كانت المعارك الضارية بين (القوات الإماراتية-السعودية المدعومة من القوات اليمنية على أشدها ضد مليشيات الحوثي التي انقلبت لتوها على الحكومة الشرعية) كان هناك خطر آخر يلوح في الأفق، إذ احتل تنظيم القاعدة مدينة المكلا الاستراتيجية المطلة على المحيط الهادئ.
وأشار الدكتور نايتس، في حواره مع "العين الإخبارية"، إلى أن "خطورة المكلا هي أنها لم تكن مدينة داخلية كالرقة السورية، أو الموصل في العراق اللتين سيطر عليهما تنظيم داعش الإرهابي، خلال وقت سابق"، قائلا: "القوات الإماراتية حافظت على مستقبل اليمن، واستقرار المنطقة، وحدّت من خطورة تنظيم القاعدة عالميا بتحريرها للمدينة اليمنية".
نايتس أفصح لنا أيضا عن تفاصيل يُكشف عنها للمرة الأولى عن معركة "تحرير المكلا"، وكيف سطرت قوات النخبة الإماراتية حروفا من ذهب في التاريخ العسكري الدولي، وتفاصيل نجاح قوات النخبة الإماراتية في كسر حصار قوة إماراتية تعرّضت للحصار من قبل عناصر تنظيم القاعدة في الطرق الجبلية الوعرة.
الكتاب، الذي استغرق 5 سنوات كاملة، وسجل العديد من المقابلات مع قادة وجنود القوات المسلحة الإماراتية، الذين شهدوا المعارك في اليمن، يكشف العديد من الصور والوقائع التي تم رفع السرية عنها وتشمل أحداث المعركة الحاسمة.
ناقشنا مع مايكل نايتس الدور الإماراتي الحاسم في اليمن، وكيف تصدت قواتها بمهنية وتصميم لتحرير المكلا من قبضة تنظيم القاعدة. كما استعرضنا الظروف الصعبة التي واجهها الجنود في أثناء المعركة، وكيف أثرت هذه العملية العسكرية على مستقبل اليمن واستقرار المنطقة.
وفيما يلي نص الحوار:
والكتابان الأول والثاني يتحدثان عن المعارك الرئيسية لحرب اليمن منذ عام 2015. فكان الكتاب الأول عن تحرير الجزء الجنوبي من الحوثيين، الذي دعّمت فيه دولة الإمارات السكان المحليين في إخراج الحوثيين من الميناء المتاخم لمضيق باب المندب الذي يُعد بمثابة بوابة الجنوب للبحر الأحمر، وكما كانت معركة عدن الهزيمة الأولى التي يتعرض لها الحوثيون، جاءت المعركة الثانية في المكلا، ولكن هذه المرة ضد تنظيم القاعدة.
ففي كتاب "السباق إلى المكلا" أتناول الحرب في شرق اليمن، والتعاون الإماراتي-اليمني لمنع الحوثيين من الاستيلاء على مدينة النفط والغاز في مأرب، ثم تحرير مدينة المكلا، وهي ميناء آخر على المحيط الهندي، ولكن هذا الميناء قد استولى عليه تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ولذا كان الأمر في الحقيقة يتعلق بمعركتين، وتناولت في كتابي أيضا التضحيات الهائلة التي قدمتها القوات المسلحة الإماراتية في دعم العمليات اليمنية، بما في ذلك أكبر عدد من الإماراتيين الذين استشهدوا في يوم واحد، لأول مرة في التاريخ، 50 شهيدا إماراتيًا، في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015 عندما ضربت صواريخ الحوثي قاعدتهم.
ودولة الإمارات كانت موجودة في الصراع اليمني منذ 2015 كقوة إيجابية، وبالفعل هذه مهمة صعبة للغاية كدولة أخرى تحاول مساعدة اليمنيين.
وكما تعلم، اليمنيون لا يريدون الأمريكيين على الأرض، إنهم حساسون للغاية بشأن ذلك، لكنهم رحّبوا بالقوات الإماراتية والسعودية، لأن تلك القوات جاءت بطلب للمساعدة من الرئيس اليمني، آنذاك، عبدربه منصور هادي، سواء للأمم المتحدة أو الجامعة العربية، لمحاولة منع مليشيات الحوثي المرتبطة بإيران من السيطرة على البلاد بأكملها.
كما عملت القوات الإماراتية والقوات السعودية جاهدة على الاندماج مع اليمنيين المحليين، وكان من الواضح تمتعهم بمزايا اللغة المشتركة، وبعض التقاليد المشتركة، والدين المشترك، وهذا يعني أنه من الأسهل عليهم العمل جنبًا إلى جنب مع اليمنيين مقارنة بالأمريكيين أو البريطانيين أو الروس أو حتى الصينيين.
ومع كل هذه المزايا، أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص أنها جيدة جدًا في العمل مع الشركاء المحليين.
دعني أكن صريحا معك، القوات المسلحة الإماراتية كانت محترفة جدًا في تنفيذ العمليات العسكرية في اليمن، والسبب في ذلك يرجع إلى أن عناصرها كانت تعمل لمدة 10 سنوات مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أفغانستان، كما تعاونوا مع الناتو في ليبيا، والقوات المسلحة الإماراتية عملت مع بعثات الأمم المتحدة في الصومال ولبنان، حتى في كوسوفو شاركت مع بعثات الناتو هناك. لذلك تمتعت دولة الإمارات بخبرة كبيرة في العمل مع القوات الشريكة بعيدًا عن القوات الإقليمية في الخليج، وكانت الإمارات تتبع نهجًا جادًا في العمل مع شركائها، وكان من الواضح تمامًا ما تريده. وقد شاهدت بنفسي العلاقة الصادقة تمامًا بين دولة الإمارات والشركاء المحليين من اليمنيين في جميع النقاط خلال الحملة العسكرية، وقد ساعد ذلك حقًا، لأن الجميع كانوا يعرفون ما يمكن توقعه.
ولدينا أيضًا الكثير من الصور، التي تم رفع السرية عنها، للمعارك، ولدينا أيضًا الكثير من الخرائط التي تساعدك على فهم كيفية ارتباط هذه الأحداث بجغرافيا التضاريس. ولذا فمن السهل على الناس أن يفهموا، إنها طريقة جيدة للدخول في التاريخ العسكري.
وكان هناك الكثير من القصص والزوايا المدهشة التي تعلمتها شخصيا ومعظمها على أرض الواقع في اليمن.
والحقيقة أن ما اكتشفته كان مذهلا بحق، كان الضباط المخضرمون في صفوف القوات الإماراتية أي الذين شاركوا في عمليات عسكرية حقيقية قبل حرب اليمن، أكثر من القوات الأمريكية أو البريطانية المماثلة، كان أمرا مذهلا بحق. كانت مفاجأة كبيرة لي عندما قال لي أحد الضباط الإماراتيين، إنه تعلم كيفية التفاعل مع القبائل عن طريق تعامله مع قبائل البشتون في مقاطعة هلمند في أفغانستان، لمدة 3 سنوات خلال وقت سابق قبل الاستعانة به في حرب اليمن. بشكل عام، أستطيع أن أؤكد لك، أن ما وجدته كان مبهرا بحق، إنكم تتعاملون حقاً مع أشخاص يمكنهم تعليم العالم الكثير حول كيفية القيام بعمليات عسكرية ناجحة، خاصة العمليات التي يوجد فيها تعاون قوي مع المدنيين، ومع القوات المحلية من العالم العربي والإسلامي.
وعندما تقرأ الكتاب، تشعر بالتوتر، (مبتسما) وبالطبع لن أخبرك كيف سينتهي الأمر، وإلا لأخبرتك بكل شيء.
والقصة رواها لي الأشخاص الذين عايشوها بأنفسهم، أولئك الذين نجوا، أنت تتحدث هنا عن أبطال كانوا على وشك الموت، ولم يكن هناك مخرج، ولم يحاولوا الهروب، وبدلاً من ذلك، قالوا استعدوا لمغادرة المركبات المدرعة، وجهّزوا كل أسلحتكم، واستعدوا للقتال، وإذا كنا سنموت فسيكون القتال، وسيكون من الأمام وليس من الخلف.
يخبرك هذا النوع كثيرًا عن تصميم هؤلاء المقاتلين، فلم يكن يريد الجندي الإماراتي أن يقع في أيدي الحوثيين، أو أي جهة خارجية، وهو ما جعلهم يقاتلون بقوة وحزم كبيرين.
كما تعلم، فإن الدفاع عن مأرب، مركز النفط والغاز في اليمن، يعني أن الحوثيين لم ينتصروا في الحرب في عام 2015. ولو تمكن الحوثيون من الاستيلاء على كل النفط والغاز اليمني، لكانت الحرب قد انتهت بالفعل، وكانت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ستنهار.
وفي المكلا، كان تنظيم القاعدة يهدف إلى السيطرة على المدينة ونجح جزئيا، قبل أن تأتي القوات الإماراتية واليمنية لتحريرها، والمدينة كانت مهمة استراتيجيا بشكل لا يصدق، إذ كانت تسيطر على تجارة تدر ملايين الدولارات يوميًا، فهي ميناء يتحكم في حركة تجارة نشطة لداخل وخارج البلاد، بسبب موقعها المطل على المحيط مباشرة.
المكلا في اليمن كانت مهمة وخطرة بشكل لا يصدق، هي ليست كمدن الموصل في العراق أو الرقة في سوريا والموجودتين في وسط البلدان ويسهل محاصرتهما، فقد كان موقعها المطل مباشرة على المحيط، مصدر قلق ليس للدول الإقليمية فحسب، بل في العالم أجمع.
لن أكون مبالغا، إذا قلت لك إنه لو نجح تنظيم القاعدة في السيطرة على ميناء ضخم كـ"المكلا" على المحيط الهندي، يتصل بخطوط الشحن العالمية، فإن ذلك كان سيمنحهم المال والعلاقات ليصبحوا منظمة إرهابية أقوى بكثير اليوم، بشكل يهدد العالم أجمع.
المكلا هي قصة نجاح اقتصادي أخرى. لقد أصبحت مركزًا تجاريًا قويًا جدًا، ولذا فقد ساعدت الحملة الإماراتية-اليمنية لتحرير المدينة من قبضة التنظيم الإرهابي في نمو المدينة اليمنية واستقرارها، لتصبح مدينة عظمى أخرى سببا لاستقرار المنطقة وازدهارها ولا تشكل تهديدا للعالم".