يتذكر الصحافي القادري أنه خلال فترة احتجازه لم يحصل على أكل أو مياه صالحة للاستخدام الآدمي، فضلًا عن التعذيب النفسي. موضحًا أنه خلال ستة أشهر من فترة اعتقاله كانوا يخبرونه أنه سيتم إعدامه. يقول: “كانت تمر الأسابيع وأنا أنتظر الموت. كان الموت بالنسبة لي أفضل من ذلك”.
تقرير بسام كامل
أساليب الترهيب وجلسات التعذيب وظلام الزنزانة الانفرادية لاتزال عالقة في ذاكرته، وتلاحقه في منامه على هيئة “كوابيس وتخيّلات”، على الرغم من مضي عام ونيف على الإفراج عنه.
في غرفة من الخشب والصفيح على سطح أحد المباني وسط مدينة عدن، جنوبي اليمن، يقيم الصحفي محمد القادري (35 عامًا)، منذ أن فرّ من محافظة إب (وسط اليمن)، مطلع أغسطس/ آب 2022، خوفًا من تعرضه للاعتقال لمرة ثالثة من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين).
في المرتين اللتين اعتُقل فيهما القادري، كان السبب هو كتاباته الصحفية التي تتضمن انتقادات للجماعة. مع اندلاع الحرب في اليمن أواخر 2014، أصبح العمل الصحفي محفوفًا بالمخاطر، خصوصًا في ظل العداء المتزايد من قبل أطراف الصراع لوسائل الإعلام والصحفيين المستقلين.
منذ ذلك الحين أصبحت الأساليب القمعية القاسية مثل الاحتجاز والخطف والاعتداء الجسدي وإغلاق المؤسسات الإعلامية، أمرًا مألوفًا في اليمن.
خلال الفترة التي أمضاها القادري في واحدة من المنشآت التي يتخذها الحوثيون في محافظة إب سجنًا للمعتقلين، تعرّض للعنف الشديد وسوء المعاملة. ووجد هذا التحقيق الذي أجراه “المشاهد نت”، أن قيادات في جماعة أنصار الله (الحوثيين) متورطة في اختطاف القادري.
الاعتقال الأول
في أواخر عام 2015، اعتُقل القادري من قبل قوات تابعة لجماعة الحوثي، واقتيد إلى مكان مجهول، بعد أيام من فصله من جامعة إب التي تولى إدارتها أشخاص موالون للجماعة.
كان وقتها مسؤولًا عن الأنشطة الثقافية في الجامعة. أما قبل تلك الفترة فقد عمل محررًا في إذاعة إب، ومسؤول قسم الإعلام والعلاقات العامة بمكتب الأوقاف والإرشاد بالمحافظة.
يقول القادري في مقابلة مع “المشاهد” عبر تطبيق الزوم في يناير/ كانون الثاني الماضي: “أُخفيت ما بين شهر ونصف إلى شهرين في معتقل لا أعرفه. تعرضت لتعذيب شديد. وعندما خرجت لم أشعر إلا وأنا بمستشفى في صنعاء”. ويؤكد أن السبب وراء اعتقاله هو نشاطه الإعلامي المناهض للحوثيين.
لقد كان العام 2015 هو “الأسوأ والأكثر دموية وكبتًا للحريات الإعلامية” منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء نهاية 2014، بحسب توصيف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الذي رصد خلال العام ذاته ارتكاب أطراف الصراع 530 حالة انتهاك للحريات الإعلامية، توزعت ما بين القتل والاختطاف والاعتقال والاعتداء والتهديد. وتصدرت جماعة الحوثي قائمة المنتهكين بواقع 425 انتهاكًا.
بعد الإفراج عنه أواخر ديسمبر 2015، عاد القادري مجددًا لكتاباته الصحفية ضد الحوثيين، على الرغم من المخاطر التي تحدق به؛ فقد كانت أعين التشكيلات الاستخباراتية للجماعة تترصده سرًا، وتُوثق مقالاته.
يتذكر تلك الأيام قائلًا: “عشت وضعًا سيئًا وحياة كلها خوف وقلق. حياة شخص مُشرد ومتخفٍّ. ولأني لا أملك وساطة، ولست مرتبطًا بطرف معين، لم أستطيع الخروج من مناطق سيطرة الحوثيين”.
تعرض لعدة ملاحقات في مدينة إب، لكنه تمكن من الإفلات، قبل أن يلجأ إلى منزله في ريف مديرية حُبيش الواقعة شمال غرب مدينة إب، وهي منطقة يغلب على طبيعتها التضاريس الجبلية المنحدرة. ظلّ القادري مُتخفيًّا بعيدًا عن الحوثيين مدة خمسة أعوام ونصف، حتى وقع في قبضتهم مرة أخرى.
“موت بطيء”
في السادس عشر من مايو/ أيار 2021، داهمت حملة مُسلحة بشكل مفاجئ منزل القادري، وألقته في سجن الأمن والمخابرات (الأمن السياسي سابقا) بإب، سيئ الصيت، لمدة عام كامل.
“كانت العملية مُحكمة عندما اعتقلوني؛ الأطقم حاصرت المنطقة. وداهموا المنزل بطريقة روعت النساء والأطفال”، يروي القادري لـ”المشاهد”، موضحًا أنه عندما ألقوا القبض عليه باشروه بـ”الضرب”.
في اليوم التالي اعتُقل شقيقه “عزام” وأُودِع سجن إدارة أمن مديرية حُبيش، “ولم يطلقوا سراحه إلا بعد أن سلّم لهم هاتفي المحمول” بحسب القادري، لافتًا إلى أن هاتفه كان يحوي مقالات ورصدًا حقوقيًا لانتهاكات الحوثيين في المحافظة.
قبل يومين من احتجازه، كان القادري نشر مقالين على مواقع إلكترونية محلية، انتقد في أحدهما سياسة المجتمع الدولي في تعامله مع جماعة الحوثي. وتحدث في الآخر عن تردي الوضع المعيشي وعدم صرف مرتبات الموظفين وارتفاع الأسعار في مناطق سيطرة الجماعة.
أودع المسلحون الحوثيون القادري سجن الأمن والمخابرات بمدينة إب، وهناك تعرض للتعذيب النفسي والجسدي. يقول: “أحصيت 13 نوعًا من التعذيب طوال فترة احتجازي؛ تنوع ما بين الضرب بالعصي والكابلات والصعق بالكهرباء والتعليق بالسلاسل من المعصم لعدة ساعات”.
وهذه الأساليب من التعذيب في السجون التي يديرها الحوثيون، وردت أكثر من مرة في تقارير حقوقية لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) وفريق الخبراء البارزين المعني باليمن.
يقع سجن جهاز الأمن والمخابرات (الأمن السياسي سابقًا) في مديرية المشنة، ويضم 11 مبنى بينها ثلاثة مبانٍ مخصصة كعنابر احتجاز وزنزانات، كما أفاد “المشاهد” أحد السكان المحليين، وتؤكده صورة القمر الصناعي التي التقطت في 15 فبراير/ شباط من العام الجاري.
وتشمل بقية المباني مكاتب إدارية وقاعة استراحة للعاملين في الجهاز وغرف للتحقيق والخدمات اللوجستية وأخرى مخصصة لاستقبال النزلاء وزيارات.
في بعض الأحيان كان سجانوه يضعونه في زنزانة تحت الأرض تُعرف باسم “غرفة الضغاطة” مساحتها متران في متر، ودرجة برودتها عالية.
وتعرض النزلاء في هذا السجن لما تصفه تقارير حقوقية بأنها “معاملة سيئة وتعذيب” أدى في بعض الأحيان إلى الوفاة.
خلال عامي 2015 و2016 أحصت منظمة محلية وفاة تسعة نزلاء في هذا السجن نتيجة تعرضهم للتعذيب. وقالت إنها استندت في بياناتها إلى شهادات أهالي الضحايا.
يتذكر الصحافي القادري أنه خلال فترة احتجازه لم يحصل على أكل أو مياه صالحة للاستخدام الآدمي، فضلًا عن التعذيب النفسي. موضحًا أنه خلال ستة أشهر من فترة اعتقاله كانوا يخبرونه أنه سيتم إعدامه. يقول: “كانت تمر الأسابيع وأنا أنتظر الموت. كان الموت بالنسبة لي أفضل من ذلك”.
ويضيف: “ذات مرة كنت مستلقيًا على ظهري، وفجأة دخل عليّ أحد جنود السجن وأطلق ثلاث رصاصات إلى سطح الزنزانة، وأخبرني حان وقت إعدامك. ثم أخرجوني للتحقيق وقالوا لقد تراجعنا عن قرار إعدامك”. وفي إحدى المرات جاء أحد حراس السجن يناديه من خارج الزنزانة، ويخبره بأن أحد أقاربه توفي في حادث سير.
الفترة التي قضاها في السجن كانت بالنسبة له “موتًا بطيئًا”، وانعكست سلبًا على صحته، خصوصًا وأنه يعاني من مشاكل صحية في “القولون والكُلى”.
وتتطابق رواية القادري بشأن ما تعرض له في هذا السجن، مع شهادات محتجزين سابقين.
تحدثنا إلى الناشط أحمد هزاع الذي احتُجز في السجن ذاته لمدة ثلاثة أشهر، على خلفية نشاطه المناهض للحوثيين، وسألناه عن الظروف التي قضاها خلال تواجده في الحبس. فقال إنّه تعرض “لعدة أشكال من التعذيب لعلّ أبرزها: الاحتجاز في غرفة مظلمة والحرمان من دخول دورة المياه وإطفاء السجائر على جسدي وإبلاغي بأن أحد أقاربي توفي، وإجبارنا على توقيع أوراق لا نعلم مضمونها ومحتواها”.
أواخر مايو 2015 اختطف الحوثيون هزاع بينما كان يتزعم حركة “رفض” التي قادت آنذاك احتجاجات شعبية ضد الحوثيين في محافظة إب، ووجّهوا له تهمة “الارتباط” بالتحالف الذي تقوده السعودية، وهي تهمة “مُلفقة” كما يصف.
تفيد منظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان في تقرير لها، أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) أودعت في سجن الأمن والمخابرات في إب محتجزين يعتقد بأنهم معارضون سياسيون تم القبض عليهم دون أمر بالقبض. وقالت إنها تحققت من وقائع احتجاز وتعذيب في هذا السجن.
يكشف ضابط في الأمن السياسي، أنّ في تلك الفترة (2021) كان لدى مخابرات أنصار الله تعليمات بالتعامل “بصرامة وحزم” ضد من يعارض سلطات الجماعة أو ينتقدها من الناشطين والصحافيين، وكان لديها قائمة تتضمن أشخاصًا تصفهم بـ”المُندسين”. وهذا الوصف ومسميات أخرى تطلقها الجماعة ضد من تتهمهم بمعارضتها.
يقول الضابط في حديث مع “المشاهد”، شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، إنه كان على تواصل مستمر وقتها بأحد زملائه الإداريين العاملين في جهاز المخابرات في إب، وعلم منه أن هناك عدة أشخاص من بينهم ناشطون وإعلاميون، مطلوبين لأنهم “كثيرو الانتقاد للوضع العام في مناطق سيطرة الأنصار (يقصد الحوثيين)”.
وعندما توجهنا بالسؤال إليه عمّا إذا كان الصحافي محمد القادري أحد هؤلاء، تجاهل الرد؛ لكنه قال إنه “سيتأكد من ذلك”. عاودنا لاحقًا التواصل به مرة أخرى، لكنه لم يرد حتى كتابة هذه السطور.
وشهد ذلك العام 86 واقعة انتهاك ضد الإعلام في مختلف مناطق اليمن، تصدرت جماعة أنصار الله قائمة مرتكبيها بواقع 40 حالة، بينها أربع في محافظة إب، بحسب مرصد الحريات الإعلامية. وفي العام ذاته أيضًا، كشف فريق الخبراء البارزين المعني باليمن، عن تعرض ستة صحفيين للتعذيب على أيدي سلطات الحوثيين.
في اليوم الذي اعتقد فيه حراس السجن أنّ القادري على وشك الموت بعد أن تدهورت حالته الصحية، قرروا الإفراج عنه في يونيو/ حزيران 2022، بموجب ضمانة قدمها والده والتوقيع على التزام يفرض عليه عدم العودة لممارسة عمله الصحفي وعدم الخروج من مناطق الجماعة دون موافقة مسبقة. ومن ضمن شروط ضمانة الإفراج عنه “مصادرة كل ما لدينا من أراضٍ ومنازل في حال عدت إلى الكتابة مرة أخرى”.
واستُخدمت الطريقة ذاتها في إطلاق سراح الناشط هزاع، عندما لم يستطع الحوثيون إثبات التهمة المنسوبة إليه، وأُفرج عنه بضمانة تضمنت شروطها “عدم الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي أو الظهور في وسائل الإعلام”.
ولم يرد مسؤولون في إدارة جهاز الأمن والمخابرات بمحافظة إب، على عدة طلبات للتعليق حول الأمر. وفي مناسبات سابقة نفى مسؤولون في الجماعة تعرض المعتقلين لديهم للتعذيب أو المعاملة السيئة.
ظلّ القادري تحت الإقامة الجبرية في منزله مدة شهرين حتى مطلع أغسطس/ آب 2022 عندما تمكن من الهروب ليلًا إلى محافظة الضالع “عبر طُرق وعرة خوفًا من اكتشافه من قبل الحوثيين”، ومنها إلى مدينة عدن التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليًا عاصمة مؤقتة، تاركًا خلفه زوجته وطفله.
منذ بدء الصراع في البلاد، تجاوزت انتهاكات حرية الصحافة أكثر من 1500 حالة، بينها 350 حالة اختطاف واعتقال في مختلف المناطق التي تتقاسم الأطراف السيطرة عليها، بحسب نبيل الأسيدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين، لافتًا إلى أن الجهة التي ارتكبت النسبة الأكبر من هذه الانتهاكات هي جماعة الحوثي، تليها الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي.
“لايزال الحوثيون يحتجزون ستة صحفيين، فيما هناك صحفي آخر مختطف لدى تنظيم القاعدة منذ 2018″، حسب قوله.
لاتزال الانتهاكات ضد الحريات الإعلامية مستمرة؛ إذ يشير تقرير نقابة الصحفيين للعام الفائت، إلى وقوع 82 حالة انتهاك تنوعت ما بين الاحتجاز والمحاكمات والتهديد والتحريض والاعتداء والمعاملة القاسية للمعتقلين. ومنذ عام 2011 قُتل 50 صحافيًا يمنيًا.
ويحلّ اليمن في المرتبة 168 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي للعام 2023، وفقاً لتصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود”.
مُتهمون
يتهم الصحافي القادري قيادات وعناصر في الجماعة بـ”الوقوف وراء اختطافه وملاحقته والتسبب في تعذيبه واحتجاز نجله”؛ واستطاع “المشاهد” من التحقق من هوية بعضهم. أبرزهم رئيس فرع جهاز الأمن والمخابرات في إب المعروف بكنيته “أبو هاشم”. في الغالب تستخدم قيادات الجماعة التي تتولى مناصب حساسة، أسماء حركية، ويحيطها الغموض، والمعلومات بشأنها شحيحة، ولا يتم تدوال أسمائها الحقيقية.
يقول القادري: “بعد هروبي من مناطق الحوثي تلقيت في إحدى المرات تهديدًا عبر مكالمة من أبو هاشم رئيس جهاز الأمن والمخابرات في إب، وأبلغني أنه يستطيع الوصول إليّ من أي مكان”.
من خلال البحث المعمق باستخدام المصادر المفتوحة، تبيّن أنّ الاسم الحقيقي لأبو هاشم هو “محمد حسن عبدالله الضحياني”، وهو برتبة “عميد”، وتولى إدارة الجهاز الاستخباراتي خلال الفترة من سبتمبر 2018 إلى يونيو 2023، وينحدر من مديرية ضحيان بمحافظة صعدة، معقل جماعة الحوثي.
خلال الفترة التي قضاها الضحياني في إدارة الجهاز الأمني، وثقت منظمات حقوقية تعرض نزلاء في السجن لاحتجاز تعسفي وتعذيب.
وهناك شخص ثانٍ نرمز إليه “ص.ح.ق” يتهمه القادري بأنه وراء عملية اختطافه، ويقول إن هذا الشخص هو مسؤول عن المداهمات في مديريات حبيش والمخادر وريف إب، وكان على رأس الحملة الأمنية التي “اقتحمت منزلي واختطافي في 2021”.
ويتذكر أن هذا الرجل كان يومها برفقة قائد عمليات الأمن والمخابرات في المحافظة والمُكنى باسم “الحسن”، “فعندما اختطفوني باشروني بالضرب المبرح”.
ويتهم القادري قياديًا في الجماعة باحتجاز زوجته ونجله (عبدالله) ذي السبعة أعوام، للضغط عليه للعودة إلى مناطق سيطرة الحوثي. يقول: “منعوا زوجتي وابني من السفر إليّ في عدن أو بقائهم في منزل والدي”.
على مدى أسبوع كامل، حاول “المشاهد” التواصل مع قيادات جماعة الحوثي في إب للتعليق حول التهم الموجهة إليهم، لكنهم لم يردوا على المكالمات.
يرى المحامي توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (حقوقية غير حكومية)، أن مسألة “منع زوجة القادري من السفر والتحفظ على نجله جريمة تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، وهو الحق في التنقل بدون قيد أو بدون أي إجراءات تعسفية، وهي جريمة في حد ذاتها يُعاقب مرتكبها”.
ويضيف الحميدي، في حديث مع “المشاهد” عبر “واتساب”، أنّ “التحفظ يُعد جريمة اختطاف يجب محاسبة مرتكبيها أمام القضاء”، لافتًا إلى أن “العقوبة في هذا الأمر ستكون مشددة، لأنه طفل يترتب عليه وضع نفسي وحرمان من والده”.
تهديدات و”وضع سيئ”
على الرغم من مغادرة القادري نطاق سيطرة الحوثيين، إلا أن التهديدات والمضايقات استمرت في ملاحقته. يقول: “في إحدى المرات تلقيت اتصالًا من رقم مجهول، يطلب مني الحضور إلى مقر الأمن والمخابرات بذمار أو إب، وإن لم أحضر سيخرج بحملة لمداهمة منزلي، وعندما أخبرته أني في مناطق سيطرة الحكومة، رد عليّ قادرين نوصل إليك. وفي مرة أخرى كذلك تلقيت اتصالًا من رقم يخبرني بالتالي: إذا تريد ابنك يعيش اجلس في البيت وتوقف عن الكتابة”.
حاليًا، يقيم القادري في مدينة عدن، ويواجه “وضعًا صحيًا ونفسيًا صعبًا”، نظرًا لعدم حصوله على الاهتمام والرعاية.
يقول: “خضعت للعلاج في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمدينة عدن، خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، ثم توقفت عن مواصلة العلاج نظرًا لعدم وجود تحسن في صحتي، وكذلك وضعي المادي لا يسمح لي بالاستمرارية”.
يتحدث بأنه حاليًا يعاني “من وسواس قهري وخوف وشرود دائم وعدم استقرار في النوم نتيجة لما تعرضت له في السجن”، مطالبًا الحكومة اليمنية بإنصافه أسوة بزملائه الصحفيين المفرج عنهم من سجون الحوثيين.
واتهم القادري نقابة الصحفيين بعدم التفاعل مع قضيته. لكن في المقابل يتحدث الأسيدي عن جهود بذلتها النقابة في هذا الشأن، تمثلت في “طرح قضيته على عديد من المنظمات العربية والدولية، والتسهيل لاستضافته في عدد من المنظمات لشرح قضيته وما تعرض له من الانتهاكات”.
يقول إن “هذه هي الإجراءات التي تقوم بها النقابة وما تفعله دائمًا مع بقية الصحفيين”. مضيفًا في سياق حديثه لـ”المشاهد”، أنّ هناك إجراءات لا تستطيع النقابة القيام بها، مثل “توفير دخل مادي أو وظيفة”، كون ذلك يعد من مهام الحكومة.
ويشير إلى أن النقابة طالبت الحكومة أكثر من مرة برعايته صحيًا وتأهيله وظيفيًا وتقنيًا، لكن كعادتها لم تستجب لأي من المطالبات في هذا السياق.
من الناحية القانونية، فإن الانتصار لقضية القادري تبدو في الوقت الحالي “صعبة” بحسب المحامي الحميدي، مُرجعًا السبب في ذلك إلى “غياب الثقة في المؤسسات القضائية، كونها منحازة لأطراف الصراع، مما يجعل عملية المساءلة وملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم عملية مُعقدة”.
يقول إنّ “الانتصار لمثل هذه القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، أمر مؤجل إلى حين التوصل لاتفاق سلام وعدالة انتقالية ناجزة في المستقبل”.
أما في ما يتعلق بالجهود التي تُبذل لمساءلة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين، فيتحدث الأسيدي أن النقابة تسعى مع الاتحاد الدولي للصحفيين إلى تقديم ملفات صحفيين تعرضوا للتعذيب في المعتقلات، إلى الجهات الدولية الخاصة بمناهضة التعذيب.
كما سبق للنقابة تقديم شكاوى وملفات للأمم المتحدة والمقرر الخاص المعني بالحريات والحقوق الصحافية في مجلس حقوق الإنسان، لتتخذ المنظمات والهيئات الدولية إجراءاتها في مساءلة مرتكبي الانتهاكات، وفق عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين.
واتهم الأسيدي المجتمع الدولي بخذلان الصحفيين في اليمن، “لأنه لا يرى أن الانتهاكات الصحافية والإنسانية بشكل عام ترقي إلى اهتماماته. فهو لا يرى في اليمن سوى قضية سياسية ضمن صراع إقليمي”، حد تعبيره.