لا تقف تأثيرات مغامرات مليشيات الحوثي الخطرة، في أعالي البحار عند المستوى السياسي فقط، بل تصل إلى الإضرار باقتصادات دول المنطقة والداخل اليمني القابع تحت سطوتها.
مقامرة على حساب أمن واقتصاد دول المنطقة، أكد خبراء ومحللون لـ"العين الإخبارية" أنها لن تقف عند الآثار السلبية بل ستمتد إلى حد استجلاب قوى دولية «لها أطماع في المنطقة»، أو تشعل صراعات للسيطرة عسكريا على المياه الإقليمية وتأمينها، بجانب مفاقمة مأساة الداخل اليمني.
وكانت مليشيات الحوثي قد أعلنت مؤخرا بدء تنفيذها هجمات ضد السفن في البحر الأبيض المتوسط، في مغامرة جديدة اعتبرها خبراء يمنيون بمثابة "تصعيد جديد؛ تسعى المليشيات من وراءه للإضرار ليس فقط باليمن، وإنما بدول المنطقة".
ورغم بُعد قواعد مليشيات الحوثي ومواقعه العسكرية في اليمن عن البحر الأبيض المتوسط، رجح الخبراء أن يقوم الحوثيون بتهديداتهم عبر التنسيق مع أدوات إقليمية، تتفق وسياستهم في زعزعة استقرار المنطقة؛ بهدف توسيع رقعة الصراع لتشمل مختلف دول الإقليم.
رقعة الحرب تتسع
ويرى الخبير العسكري اليمني محسن ناجي، أن "إعلان الحوثيين مهاجمة السفن في البحر الأبيض المتوسط يمثل تطورا جديدا، وتصعيدا خطيرا، قد يؤدي إلى توسع رقعة الحرب في المنطقة، خاصة أن ذلك يحدث بتوجيه من الحرس الثوري الإيراني المزود للحوثيين بكل أوجه الدعم اللوجستي والمعلوماتي والاستخباراتي والعسكري".
وقال ناجي لـ"العين الإخبارية" إن "إيران هي من تزود الحوثيين بخارطة حركة السفن في أعالي البحار وهي من تزودهم بكل العتاد العسكري مثل الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية طويلة المدى (1500 كيلومتر) ومتوسطة المدى (500 كيلومتر) وقصيرة المدى (من 300 إلى 500 كيلومتر) بما في ذلك المستخدم في قصف إيلات.
وأكد أن "الحوثيين يعملون وفقا للأجندات الإيرانية ووفقا لقواعد الاشتباك التي ترسم خطوطها إيران التي أعطت الضوء الأخضر للحوثيين لمهاجمة السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط"، مشيرا إلى أن "إيران هي من تشرف على تنفيذ مثل هذه العمليات عبر خبرائها العسكريين الموجودين باليمن".
ولفت إلى أن "الخبراء الإيرانيين في اليمن يبقى لهم القول الفصل في العمليات العسكرية التي ينفذها الحوثيون ضد السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط والذي تنفذ ضمن سياق الاستجابة الكاملة من جانب الحوثيين للتهديد الذي كانت قد أطلقته إيران في وقت سابق وتضمن تهديدا بإغلاق البحر الأبيض في وجه السفن التجارية".
أما مسألة مرور "صواريخ الحوثيين الإيرانية في أجواء دول إقليمية فهي قضية لا يعيرها الحوثيون الاهتمام الكافي لأن هدفهم ومعهم إيران هو سعيهم الحثيث إلى جر دول المنطقة للدخول في معترك الصراع الراهن"، وفقا للخبير العسكري.
تدويل الصراع.. وأبعاد اقتصادية
من جهته، قال الخبير العسكري اليمني صالح بلال، إن "الهجمات التي هدد بها الحوثيون في البحر المتوسط، يمكن أن تتم عبر الأذرع الإيرانية، وذلك بعد صدور التوجيهات واكتمال معلومات الرصد وتحديد الأهداف".
ويقول الخبير العسكري لـ"العين الإخبارية" إن "هذه العمليات التي هدد بها الحوثيون تتم في إطار الصراع الدولي للسيطرة على الممرات المائية، وتدويل مياه البحر الأحمر، والصراع الجاري في المنطقة منذ قرابة 6 أشهر".
ويشير بلال إلى أن "التهديدات الحوثية تأتي ضمن الأهداف التي رسمتها جهات عديدة تتوافق مصالحها -وإن اختلفت مع إيران- للإضرار باقتصادات الدول العربية في المنطقة وفي مقدمتها مصر.
وفيما يتعلق بتنفيذ الضربات الحوثية في البحر المتوسط، يعتقد بلال أن "الأمر غير متاح من اليمن، لكن تخادم المصالح يوفر البدائل المتاحة للتنفيذ"، في إشارة إلى "إمكانية تدخل أدوات إيران التي يحركها الحرس الثوري الإيراني بالمنطقة في تحويل هذه التهديدات إلى تصعيد حقيقي".
ولفت إلى أن تبعات تنفيذ الهجمات الحوثية في البحر الأحمر لها أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية، حيث تحدث عن أن احتمالات استجلاب قوى دولية لها أطماع في المنطقة، وإمكانية اندلاع صراعات للسيطرة عسكريا على المياه الإقليمية وتأمينها.
ولم يغفل الخبير العسكري صالح بلال التبعات الاقتصادية المترتبة على الهجمات الحوثية المتوقعة، والتي ستضاعف أسعار السلع الأساسية لدول المنطقة؛ نتيجة رفع أجور النقل والتأمين، ومفاقمة معاناة شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب اليمني.
ترجمة تهديدات إيران
في السياق، يشير رئيس صحيفة الثوري للحزب الاشتراكي اليمني سابقا خالد سلمان، إلى أن "إعلان الحوثي بدء تنفيذ استهداف السفن في المتوسط وغير من البحار الأخرى يأتي ترجمة لتهديدات الجنرال محمد رضا نقدي المنسق العام للحرس الثوري الإيراني أواخر العام الماضي بشأن قدرة إيران على إغلاق البحر المتوسط ومضيق جبل طارق".
وأشار إلى أن "نقدي لم يكن يلوح بالتهديد كحرب نفسية، بل لديه حيثية عسكرية على الأرض، تجعل من هذا التهديد أمراً واقعاً"، لافتا إلى أن "خطة التصعيد الرابعة تشمل كل السفن بلا تمييز بين وجهاتها وهويتها والجهة المالكة، واعتبار البحر الأبيض المتوسط منطقة عمليات".
وينبه سلمان إلى أن "التلويح الحوثي بالقوة يأتي لوقف احتمالات استهدافه عسكرياً بخطة واسعة النطاق ، وهو عمل استباقي جنبا إلى جنب مع خوض معارك إيران وتوسيع نطاق حرب الإنابة حتى البحر المتوسط".
واختتم حديثه بالتأكيد على أن "استهداف سفينة واحدة في البحر الأبيض المتوسط، يعد كافيا ليحمل في طياته ربما إعلان حرب"، وهو ما قد يجر المنطقة إلى صراع أوسع.
وكان الحوثيون قد شنوا منذ أشهر هجمات بحرية، وعبر الصواريخ الموجهة والمسيرات المفخخة، استهدفت السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر وخليج عدن وحتى المحيط الهندي بزعم دعم صمود قطاع غزة في وجه إسرائيل.