تشهد العاصمة اليمنية صنعاء حالة من الاستنفار الأمني والانتشار الميليشياوي الواسع في المناطق الحيوية والشوارع الرئيسية، خشية أيّ رد فعل شعبي بعد مجزرة رداع التي ارتكبتها جماعة الحوثي بحق العشرات من النساء والأطفال والشيوخ الآمنين في منازلهم.
وفي الوقت الذي كان فيه الحوثيون يعلنون تعاطفهم مع غزة، كانوا يستنسخون أسلوب إسرائيل في استهداف المدنيين بأن قاموا بهدم المساكن على رؤوس ساكنيها في منطقة رداع بمحافظة البيضاء، وهو ما من شأنه أن يفسد عليهم دعاية نصرة غزة ويحرج أصدقاءهم في الداخل والخارج.
واستحدثت الميليشيات الحوثية العشرات من النقاط الأمنية والعسكرية، وطوقت مداخل أمانة العاصمة بالمزيد من النقاط، ونشرت مدرعاتها العسكرية والأمنية في جميع الشوارع الرئيسية، خوفا من ردّ فعل شعبي غاضب على الجريمة النكراء والوحشية التي هزت اليمن في شهر رمضان.
وقالت مصادر محلية إن جماعة الحوثي قامت بتفجير منزلين يتبعان آل ناقوس في رداع، ما أسفر عن هدم المنازل المجاورة على رؤوس ساكنيها. وذكرت وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” أن 18 شخصا على الأقل قتلوا في التفجير. ولاحقا قالت تقارير ميدانية إن عدد الضحايا بلغ 35 قتيلا، من بينهم أحد عشر طفلا وسبع نساء.
ووقع التفجير بعد مقتل قريب لأحد الوجهاء المقربين من الحوثيين الذين يسيطرون على البيضاء.
وحاولت سلطة الحوثيين التنصل من مسؤولية الجريمة، عندما خرج الناطق باسم وزارة الداخلية في حكومتها عبدالخالق العجري ليعبر “عن أسف الوزارة إزاء الحادث المؤلم في مدينة رداع الذي سقط على إثره عدد من رجال الأمن والمواطنين”.
وقال في بيان إن الحادثة حصلت نتيجة خطأ من قبل بعض رجال الأمن أثناء تنفيذ حملة أمنية لملاحقة بعض المخربين الذين هاجموا رجال الأمن في وقت سابق، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم وجرح آخرين. وأضاف أن وزير الداخلية وجه بضبط الجناة المتورطين في الحادثة وإحالتهم إلى العدالة، وأن الوزارة لن تتهاون في ضبط أي متجاوز من رجال الأمن أو المنتمين إلى المؤسسة الأمنية، مشيرا إلى أن وزير الداخلية وجه أيضا بتعويض أسر الضحايا والمتضررين من الحادثة.
وقال القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي إنه “تم اللقاء بالمتضررين وتم تعويضهم وتمت إحالة المتسببين إلى الأجهزة المختصة وستتم متابعة موضوع رداع حتى يتم الانتهاء (منه) تماما”، وإن “أي تجاوز مهما كان لن يمر”.
وفيما تحاول جماعة أنصارالله التي تسيطر على محافظة البيضاء تصوير التفجير وكأنه خطأ فردي معزول، إلا أن نشطاء على مواقع التواصل يقولون إن ما جرى هو جزء من سياسة حوثية رسمية تستهدف المعارضين، وأحيانا يتم تنفيذها لاستهداف من يبدي أي اعتراض على سلوك النافذين من الحوثيين أو المحسوبين عليهم حتى وإن كان هو نفسه من أنصار الجماعة.
ولفت الناشط الحقوقي المحامي رمزي الشعيبي إلى “تخبط ردود نشطاء وقيادات الحوثي حيث ذهب بعضهم إلى تبرئة المرتكبين من عناصرهم وذهب آخرون في محاولة لامتصاص حالة الغضب والاستنكار والإدانات الواسعة، حيث أدانوا على استحياء الجريمة وفي نفس الوقت أدانوا من اعتبروهم سببا فيها من المواطنين الأبرياء”.
وتابع الشعيبي أن هذه الأعمال ليست بالأمر الجديد “فقد سبق أن أقدمت هذه الميليشيات على ارتكاب جرائم كثيرة مماثلة منذ العام 2015 ووثقت عليها المئات من عمليات التفجير لمنازل خصومها في كل المناطق التي سيطرت عليها في الشمال والجنوب”.
وعبرت الحكومة اليمنية عن إدانتها بأشد العبارات الجريمة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الحوثي بتفجير منازل مواطنين في مدينة رداع وهدمها البيوت على رؤوس ساكنيها.
وقالت الحكومة اليمنية إن الحوثيين أقدموا صباح الثلاثاء على محاصرة منزل آل ناقوس وتفخيخه بالمتفجرات والعبوات الناسفة وتفجيره، ما أدى إلى تدميره بالكامل وتهدّم عدد من المنازل الشعبية المجاورة على رؤوس ساكنيها، أغلبهم من الأطفال والنساء الذين لا يزالون تحت الأنقاض، من بينهم عائلة محمد سعد اليريمي التي فارق جميع أفرادها التسعة الحياة.
وأدان المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، الذي يرأسه طارق صالح، ما أسماه “الجريمة المروعة التي ارتكبتها ميليشيا الحوثي التابعة لإيران بنسف منازل على رؤوس ساكنيها في منطقة رداع”.
وأصدرت بعثة الاتحاد الأوروبي بيانا قالت فيه “صدمنا بشدة بالتقارير التي نشرت حول تفجير منزل في رداع بمحافظة البيضاء، ما أسفر عن مقتل وجرح العديد من الأبرياء، من ضمنهم نساء وأطفال”. وأضاف البيان “تشكل هذه الجريمة المروعة انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان ويجب التحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها”.
وبحسب مراقبين، فإن جريمة رداع جاءت لتكشف من جديد عن طبيعة جماعة الحوثي واستهانتها بأرواح ودماء الأبرياء من السكان المحليين في مختلف المناطق الخاضعة لنفوذها. وأشاروا إلى أن هدم مساكن على رؤوس ساكنيها ومقتل من فيها من مدنيين، وخاصة من النساء والأطفال، يفضحان حقيقة زعْم الحوثيين تعاطفهم مع الفلسطينيين حيال جرائم الاحتلال الإسرائيلي.