أثير مجدّدا في الولايات المتّحدة موضوع تهريب الأسلحة إلى جماعة الحوثي، وذلك بعد أن أصبحت تلك الأسلحة موجّهة ضدّ حركة التجارة الدولية عبر الممر الحيوي في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وتمّت إثارة الموضوع من زاوية انتقادية لمعالجة الحكومة الأميركية للمشكلة بطريقة لا تنمّ عن جدية ولا يتم من خلالها رصد إمكانيات تناسب حجمها والمخاطر الناجمة عن التطوّر السريع في ترسانة الحوثيين وما يحمله ذلك من أخطار على استقرار الإقليم وتهديدات لمصالح القوى الكبرى داخله.
وكان الحوثيون قد أعلنوا مؤخّرا عن امتلاكهم صاروخا جديدا تفوق سرعته سرعة الصوت بمرات، ملمّحين إلى إعدادهم لمفاجآت كبيرة في الصراع الذي فجّروه بالبحر الأحمر.
ورغم تشكيك خبراء السلاح الدوليين في إمكانية حصول الحوثيين على منظومات مكتملة من تكنولوجيا الصورايخ الفرط صوتية، وترجيحهم أن يكون ما حصلوا عليه مجرّد بواكير تجارب إيرانية في المجال، إلاّ أنّهم وصفوا سعي الحوثيين لامتلاك تلك الصواريخ بأنّه مسار خطير نحو تغوّل الجماعة التي أبدت قدرا كبيرا من التهوّر وعدم الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، كما كشفت عن استعدادها لاستخدام كل ما تمتلكه من أسلحة سواء ضدّ أعدائها الداخليين أو ضدّ جيران اليمن بطريقة لا تراعي العواقب ولا تحسب لها أي حساب.
ويبدو أن الولايات المتّحدة التي سارت بخطى بطيئة في عملية وقف تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين رغم امتلاكها، بشكل مبكر، معلومات موثّقة عن حركة تدفّق تلك الأسلحة إليهم، ستكون مجبرة على الركض مستقبلا ومحاولة تدارك ما فات.
وسلّط تقرير أميركي الضوء على ضعف الجهد الأميركي لمنع حصول الحوثيين على المزيد من الأسلحة المتطوّرة. وقالت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير حمل عنوان “محاولات أميركية لوقف تهريب الأسلحة إلى اليمن بموارد محدودة” إنّ إدارة الرئيس جو بايدن تعمل على توسيع جهودها لمراقبة واعتراض الأسلحة الإيرانية التي يتم تهريبها إلى اليمن وتسعى في إطار ذلك إلى رسم خارطة للطرق البحرية التي تستخدمها طهران في تهريب السلاح، وذلك في ترجمة لتوقّعات بأن يشكّل الحوثيون تحدّيا أمنيا كبيرا في المستقبل المنظور.
وقال المحرّران دان لاموث وميسي رايان “إن هذا الجهد الذي يمثّل جزءا من إستراتيجية أوسع تشمل أيضا العقوبات والضغوط الدبلوماسية، يواجه قيودا بسبب نقص الموارد العسكرية الأساسية المخصصة له”.
ووصف مسؤول دفاعي أميركي كبير المهمة بأنها جهد متجدد لمحاولة فهم أفضل لما تبدو عليه الممرات المائية المستخدمة في تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وهو عمل يتطلب تعاونا كبيرا مع مجتمع الاستخبارات الأميركي.
ولفت مسؤول دفاعي ثان إلى أنّ واشنطن تستكشف كيف يمكن للدول الشريكة توسيع تركيزها على تعطيل تهريب الأسلحة الإيرانية للمساعدة في دعم الطائرات الأميركية دون طيار وغيرها من وسائل المراقبة المستخدمة في العملية.
ورأى أنّ على جميع حكومات الدول المتضررة اقتصاديا من هجمات الحوثيين أن تبذل المزيد من الجهود لوقف تدفق السلاح إلى مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وتحوّل الحوثيون من مجرّد متمردين يخوضون معارك متقطّعة ضدّ سلطة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى سلطة تدير جزءا كبيرا من اليمن وتعمل ضمن شبكة أوسع من أذرع إيران في المنطقة.
ومنذ اندلاع الحرب بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل انخرطت الجماعة في استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن تحت راية دعم الفلسطينيين، لكن استهدافهم كثيرا ما تميّز بالعشوائية حتى أنهم أطلقوا النار على سفينة تنقل الحبوب إلى اليمن الذي يعرف نقصا فادحا في المواد الأساسية بما في ذلك الأغذية.
وقال محمد الباشا محلل شؤون الشرق الأوسط في مجموعة نافانتي إنه عندما استولى المقاتلون الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء سنة 2014، ورثوا مجموعة من الأسلحة بما في ذلك صواريخ سكود الكورية الشمالية والسوفييتية، وصواريخ أرض – جو من الحقبة السوفييتية والصواريخ الصينية المضادة للسفن. ومنذ ذلك الحين تعلمت الجماعة صنع أسلحة أكثر تقدما عن طريق تعديل العناصر الموجودة في ترسانتها واستخدام التكنولوجيا التي تم الحصول عليها من الخارج، بما في ذلك من إيران.
ويعيب الخبراء على الولايات المتحدة عدم التوازن في جهدها الموجّه إلى اليمن حيث اهتمت على مدى سنوات بمواجهة مقاتلي تنظيم القاعدة وأهملت الحوثيين على الرغم من خطابهم المناهض لواشنطن، ما جعل وزارة الدفاع الأميركية اليوم لا تمتلك سوى فهم محدود لعمليات التهريب التي تضلّعت فيها الجماعة بمساعدة إيران.
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن التهريب البحري ينطلق من الموانئ الإيرانية ثم تأخذ الشحنات المهرّبة طريقها إلى مناطق الحوثيين عبر مسارات برّية.
ولفت الباشا إلى تنفيذ ما لا يقل عن ثماني عشرة عملية اعتراض خلال السنوات العشر الماضية صودرت خلالها أسلحة إيرانية شملت مدافع رشاشة وصواريخ مضادة للدبابات.
لكن الحجم الحقيقي لما تمّ تمريره من عتاد دون أن يتم اكتشافه ومصادرته يظل مجهولا، ما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة تقييم مدى فاعلية ضرباتها الأخيرة التي تستهدف ترسانة الحوثيين.
وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية فإنّ التحدي المستمر الذي يواجه الجيش الأميركي في مواجهة تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين يتمثّل في العدد المحدود من الطائرات دون طيار وغيرها من وسائل المراقبة والتي يزداد الطلب عليها من قبل القادة العسكريين الأميركيين في جميع أنحاء العالم. وقد قام البنتاغون، كجزء من إستراتيجية أمنية عالمية متغيرة تهدف إلى التركيز في المقام الأول على الصين، بإعادة توجيه بعض تلك المعدات التي كانت موجودة في جنوب وسط آسيا والشرق الأوسط على مدى عقدين من الحرب في أفغانستان والعراق.
وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا الذي يشرف، بصفته رئيس القيادة المركزية الأميركية، على النشاط العسكري الأميركي في جميع أنحاء الشرق الأوسط مؤخرا أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ إنه قام لبعض الوقت بتحويل قدرات المراقبة من أجواء أفغانستان إلى البحر الأحمر والعراق وسوريا حيث واجهت القوات الأميركية هجمات متكررة من مجموعات مدعومة من إيران.
وأضاف أنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى المزيد من التمويل لتوفير قدرات إضافية في مواجهة الحوثيين.