تقتحم الدراما اليمنية سباق القنوات المحلية الرمضاني، بعدد من المسلسلات هو الأكبر في تاريخها، رغم ظروف البلد المتردّية على عدة مستويات، جراء استمرار أزمته المعقدة، طوال ما يقارب العقد.
ويسهم تعدد القنوات الفضائية المحلية لأكثر من 20 قناة تلفزيونية بتوجهاتها المختلفة، في ارتفاع عدد الأعمال الدرامية المتنوعة هذا العام، والمقتصرة على مخاطبة الجمهور المحلي، باستثناء عمل واحد يتجسد في مسلسل "ممر آمن"، الذي يعرض على "التلفزيون العربي2"، كثاني عمل يمني يعرض على شاشة عربية، بعد مسلسل "العالية" المعروض العام المنصرم على القناة ذاتها.
وعلى الرغم من تسجيل الدراما اليمنية، في موسمها الحالي، تطورًا مبشّرًا في بعض الأعمال المقدمة نسبة إلى واقعها، إلا أن ردود أفعال الجمهور المحلي، تتباين على منصّات التواصل الاجتماعي، بين الإشادة بعدد الإنتاجات والتطور النوعي في بعضها، وبين انتقاد هفوات بعض المسلسلات، سواء على مستوى الصورة أو الديكور أو النصّ، وحتى أداء الممثلين.
مؤشر جيد
ويعتقد كاتب السيناريو، مروان مفرق، أن وصول الأعمال الدرامية إلى هذا العدد الكبير، خلال العام الجاري، مقارنة بالسنوات الماضية، "هو مؤشر جيد، بغض النظر عن مستواها، بحكم أن بلادنا مازالت تتلمس طريق الإنتاج الدرامي، بشكله الاحترافي".
ويقول في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الإنتاج بشكله الاحترافي، يتطلب ميزانية عالية، لذلك نرى تفاوتًا بين الأعمال من حيث المستوى، وذلك يظهر من خلال الصورة والملابس والديكور بشكل أساسي، إضافة إلى مواقع التصوير والعديد من المعايير والجوانب الأخرى.
ويشير مفرق، إلى أهمية تشجيع الأعمال التي تظهر فيها المحاولات الجادّة لتقديم مستوى جيد، "ويجب أن نضع في حسباننا أن كل القنوات المحلية هي في بداية طريقها لإنتاج الأعمال الدرامية بشكل احترافي محترم".
جملة تحديات
وتواجه الدراما في اليمن، جملة من المشكلات والعوائق التي تجعل تقدمها بطيئًا؛ فإلى جوار سوء أوضاع البلد حاليًا، فإن جزءا منها منفصل عن واقع المجتمع وبيئته الحالية، نتيجة لحالة الانقسام السياسي، فضلًا عن اقتصار الإنتاج الدرامي في معظمه، على ميزانيات منخفضة تقدمها القنوات المحلية، بهدف استقطاب الجمهور والحصول على أكبر قدر من الإعلانات التجارية خلال الموسم الرمضاني.
ويرى مخرج الأعمال الدرامية، حسن باحريش، أن العديد من المنتجين والمخرجين المحليين، "يفتقرون إلى الموارد المالية الكافية لتمويل مشاريع الدراما بشكل كامل، ولتوظيف التقنيات الحديثة في عمليات الإنتاج؛ وهذا بدوره يؤثر سلبًا على جودة الإنتاج وتنوعه".
وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هناك عدة معوقات يعاني منها صنع الدراما في اليمن كـ"ضعف البنية التحتية اللازمة لإنتاج أعمال فنية بجودة عالية، مثل استوديوهات التصوير، ومراكز الإنتاج، والمعدات اللازمة، إضافة إلى شحّة المواهب الفنية المتخصصة في مجالات: الكتابة، التمثيل والإخراج، ما يؤثر على جودتها ويحدّ من قدرتها على المنافسة الإقليمية والعالمية".
وبيّن باحريش، أن الدراما في اليمن، تتعرض في بعض الأحيان للتدخل السياسي فضلًا عن الضغوط القانونية، التي تقيد حريّة المبدعين، ويقلل من مجالات الابتكار والتعبير، "ناهيك عمّا يفرضه بعضهم من قيود أخلاقية وقيمية على محتوى الدراما، ما يقلّص من إمكانية استكشاف آفاق جديدة".
وأشار إلى نقص التقارب والتبادل الفني بين الممثلين والمسرحيين، وعدم وجود فعاليات تقابل تمثيلية منتظمة أو ورش عمل فنية، تهدف إلى تبادل الخبرات وتطوير الأداء، "وهو ما يحرم الفنانين من فرصة اكتساب الخبرة وتحسين أدائهم وتطوير مهاراتهم".
أفكار جريئة
من جهته، يرى الكاتب نشوان العثماني، أن الدراما اليمنية مازالت محلية الطابع، نتيجة لعدة عوامل وانعكاسات لمنظومة من التراكمات، منها: الاقتصادية والثقافية والسياسية والفكرية وغيرها.
وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن المجتمع اليمني ما زال بوعي مغلق في معظمه، ولم يرتبط بعد بالمشترك الإنساني، وهو ما قد يتصل بحال كثير من المبدعين، و"ذلك ما جعل الدراما المحلية تفتقد للآفاق المرجوّة والبعيدة والجديدة، وعلى الرغم من ذلك، إلا أننا إزاء تجربة مختلفة ظهرت هذا العام من خلال المسلسلين: (ماء الذهب) و(قرية الوعل)، رغم أنهما ما يزالان في بدايتهما، ولا نستطيع الحكم عليهما".
مشيرًا إلى أن الدراما اليمنية أصبحت الآن تنتج كمًّا، وربما يخرج منه كيفٌ للأفضل، مقارنة بالعقود الخمسة الأخيرة، "وما تحتاجه الأعمال الدرامية حاليًا، هو الأفكار الجريئة والمخرجين وسيناريست وغيرها من متطلبات هذا المجال، ليساعد المبدعين على الانطلاق".
وأضاف، أنه "يحسب للدراما اليمنية استمرار انتاجها لهذا الكمّ من الأعمال، وسط الظروف الصعبة للغاية، على الرغم من أن جزءا منها تحوّلت إلى مكاسب اقتصادية على حساب العمل الفني وجودته ونوعيته وأهدافه ومراميه، وفي تقديري فإن الوعي اليمني في المرحلة الحالية، يحتاج لدراما تخاطبه وتنتشله من الأوضاع التي بلغت حدًّا لم يعشه اليمن في تاريخه".
أبرز المسلسلات:
وتتنافس القنوات المحلية، على تقديم مجموعة متنوعة من المسلسلات خلال رمضان، استخدم في بعضها أحدث الإمكانيات الاحترافية في عملية الإنتاج، إلى جانب استعانة بعضها بشركات إنتاج خارجية، وذلك بهدف تطوير الدراما وإحداث نقلة يمكن البناء عليها.
ويبرز مسلسل "ماء الذهب" الذي تم انتاجه منذ عامين، مستعرضًا عناصر تاريخية مرعبة، وتقنيات بصرية متطورة، تجعله دراما جديدة ومثيرة بالنسبة للجمهور المحلي. وأُنتج هذا العمل قبل عامين من الآن بميزانية مالية كبيرة، حالت دون قدرة القنوات المحلية على شرائه، قبل أن يلجأ منتجوه هذا العام، إلى عرضه عبر منصات إلكترونية.
ويتناول "قرية الوعل" الذي تم إنتاجه في مصر بموارد وكوادر مصرية، وبمشاركة نجوم التمثيل اليمنيين، قصة قرية يمنية معزولة عن العالم الخارجي، تواجه تحديات ومؤامرات تهدد استقرارها.
ويسلّط مسلسل "لقمة حلال" الضوء على قضايا اجتماعية معاصرة تعبّر عن الواقع المعاش، مع توجيه رسائل توعوية، ويتميز بتنوعه وأصالته في استعراض الواقع اليمني.
ويعكس مسلسل "ممر آمن"، اهتمامًا بالقضايا الاجتماعية والسياسية في فترة محددة بعد الحرب؛ إذ يتطرق إلى أهمية تعاضد المجتمع ونبذ الفرقة والخلافات، باعتباره الطريق الأوحد للوصول إلى برّ الأمان.