فوضى في البحر الأحمر البعيد من فلسطين وهدوء في المتوسط القريب من إسرائيل
ما تأثير القرصنة الحوثية في البحر الأحمر على مصر والسعودية؟
ساعة الصفر تقترب من تسونامي البحر الأحمر
يعيش البحر الأحمر بين مد وجزر هذه الأيام، بفعل هجمات الحوثيين على سير السفن الدولية المتجهة إلى البحر المتوسط، ويرتفع منسوب خطر المياه بعد الاستهداف المباشر من قبل الحوثيين لسفن دولية وتعرضها لإصابات مباشرة وسط البحر الأحمر؛ مما زاد منسوب الخطر المحدق لكل من يحاول عبور باب المندب.
صيد الحوثيين للسفن يأتي لوقف عدوان إسرائيل على غزة - حسب ما أعلنته الجماعة في ردها - والتي قالت إنها ستغلق البحر الأحمر حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتلك الهجمات تأتي بالمقربة من ميناء جدة السعودي الذي يتأثر تأثيرًا مباشرًا مما يصطاده الحوثيون من البحر الأحمر الذي أضحى خطرًا يصل إلى قناة السويس المصرية.
يأتي تحريك مياه البحار وسط مبادرة سعودية للسلام مع الحوثيين بموجبها تثبته كلاعب أساسي في مناطق سيطرته، وكذا إعطائه عصا شرعية يعصد به البحر لإخراج زبده.
قلق دولي من مواجهة شاملة
اقتاد الحوثيون سفينة "جالكسي ليدر" التي تعود ملكيتها لشركة يابانية يملكها رجل أعمال إسرائيلي، هذا الإجراء مثٓل بداية تحريك مياه البحر الأحمر نحو مواجهة شامله قد تقود المنطقة إلى حرب واسعة.
الخارجية الأمريكية أعربت عن قلقها من عمليات الاخطاف في البحر الأحمر ومن وصول الأعمال الإرهابية للحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن، وقالت الخارجية الأمريكية بأن اختطاف السفينة التجارية "جالكسي ليندر" تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتابع أن الولايات المتحدة ستتشاور مع الحلفاء والشركاء بشأن الخطوات التالية.
من جانبه أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق من استهداف الحوثيين للملاحة الدولية. الحكومة البريطانية بدورها أصدرت في بيان لها التزام المملكة المتحدة بضمان الشحن في المنطقة، مضيفا أن هذه الحوادث "أظهرت أهمية وجود البحرية الملكية هناك" وأشار البيان إلى أن "تلك الهجمات تم التخطيط لها بالكامل من قبل إيران".
التحذيرات الدولية تأتي متزامنة مع تسريع الحوثيين من عملياتهم البحرية بوتيرة عالية.
خطة أمريكية: موانئ تركيا تستورد احتياجات إسرائيل بالنيابة لتفادي الحظر الحوثي
إسرائيل اتفقت مع تركيا بالاستيراد بدلا عنها لتجنب الاستهداف من الحوثيين، وتتضمن الخطة، تعويض نقص إمداداتها من آسيا التي يتم استهدافها في البحر الأحمر عبر تركيا، وسيتم إرسال السفن إلى الموانئ التركية ثم إعادة تصديرها إلى إسرائيل، وتتحمل الولايات المتحدة التمويل.
يوم الجمعة الفائت أعلن مسؤول أمريكي عن تعرض سفينة سويسرية بصاروخ حوثي في مضيق باب المندب، وقال المسؤول لرويترز إن صاروخا باليستيا أطلق في وقت سابق من مناطق سيطرة الحوثيين المتحالفين مع إيران أصاب سفينة ترفع علم ليبيريا.
تجديف البحار لإشراك تأمين إقليمي
على وقع اشتداد أعمال اعتراض السفن في البحر الأحمر من قبل الحوثيين أعلنت إيران دعمها لأعمال القرصنة التي تقوم بها جماعة الحوثيين في اليمن كنوع من الدعم الحوثي لغزة مما تواجهه من أعمال قتل متواصل ضد الشعب الفلسطيني.
هذا الدعم جاء بشكل رسمي كنوع من أنواع توزيع أدوار تتخذها إيران من حلفائها الحوثيين وبقية حلفائها في المنطقة. يبدو أن إيران اختارت منطقة البحر الأحمر البعيدة من تأثير إسرائيل كنوع من لعبتها التي تستغل بها أي حدث لتلعب لعبتها أمام أي تفاوض مع الدول الغربية بخصوص برنامجها النووي؛ وذلك الإجراء غير المدروس جاء على حساب اليمن ودول المنطقة وكون إيران بعيدة من ساحة المعركة المفترضة، فلا تكترث مما سيحصل للحوثيين من ردة فعل فهي بعيدة جغرافيا من أي صدام سيترتب عنه تلك التهديدات الحوثية للملاحة الدولية. غير أن سياسة إيران العدائية ضد إسرائيل تفضحها بنفسها، فهي تحاول تغطية صمتها مما يجري في غزة من فضائع لفتح جبهات بعيدة كل البعد من اسرائيل، فـ "حزب الله" اللبناني حليف إيران القوي القريب من إسرائيل لم يشترك إلى الآن في حرب حقيقية مع إسرائيل رغم امتلاكه لسلاح متطور أكثر من الحوثيين في اليمن، وكذا تواجد حزب الله اللبناني بسواحل البحر المتوسط القريب من إيران بعدة كيلوات.
"البحر المتوسط" تشترك فيه إسرائيل وتطل عليه، بل ويعتبر رئتها ونفسها الذي منه تجلب السفن العسكرية والتجارية لمواصلة عدوانها على غزة؛ لكن إيران غضت الطرف عن "البحر المتوسط" وحاولت اصطناع حرب وهمية مع إسرائيل عبر أذرعها الإقليمية البعيدة كالفصائل العراقية والحوثيين في اليمن، المتابع لتلك التحركات التي تجري بوتيرة متسارعة لإغفال البحر الأحمر من خلال الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية المختلفة التي تمر من البحر يدرك بأن هناك لعبة كبيرة تدار لخنق "مصر والسعودية" وتحويل البحر الأحمر إلى موطئ لتدخل إيراني غربي يتم ترتيب تأمينه عبر دول غربية من ضمنها إيران على غرار ما حدث في سوريا عبر "اتفاق استانه" والذي بموجبه أصبحت إيران إحدى الدول المهمة لحل الأزمة السورية، وكذا تواجدها في أي حلول مستقبلية، واستطاعت تثبيت تواجدها بكل قوه إلى اللحظة بعد أن نجحت في دور مهم في تحريك مياهه وتلاطمها، وهي رسالة من إيران بأن أي تأمين للبحر الأحمر وخليج عدن ستكون إيران جزءًا منه، وهذا حلم ظلت إيران تحلم به منذ زمن طويل، ويبدو أنه بدأ يتحقق بفضل أتباعها الحوثيين، وتلك الأحداث لو ربطناها تؤكد ذلك، خاصة مع دعوة الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة تشكيل قوات مشتركة لحماية البحر الأحمر والبحر العربي من القرصنة البحرية التي اشتدت وتيرتها في هذه الأيام بشكل هستيري، وبالتالي تغييب دول المطلة على البحرين العربي والأحمر من دورهم كقوة أساسية حصرية لتأمين الملاحة البحرية فـ"العجيش" الذي يحصل هذه الأيام بداية سحب يد تأمين البحار من دول المنطقة وخصوصا مصر والسعودية، الدولتان المؤثرتان في المنطقة إلى دول متعددة الأقطاب والسياسات.
قناة السويس وميناء جدة في شبك إيران
الهجمات الحوثية على السفن في البحر تأتي لتأزيم المنطقة وعسكرة البحر الأحمر وخليج عدن، ويعيد اشتداد التوتر في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وبالتالي تأثير عمليات الحوثيين في أعمال القرصنة في البحر الأحمر سيلقي بظلاله على أهم دولتين عربيتين، وهي مصر والسعودية، فقناة السويس المصرية ستخسر عائدات كبيرة من عدم عبور سفن منها وسيشل الحركة الملاحية بنوع من الكساد، الأمر ينطبق أيضا على ميناء "جدة" السعودي فهو سيصاب بفتور خاصة عندما بدأت شركات الملاحة الدولية العملاقة بتغيير مسار عبورها عبر البحر الأحمر.
غير أن السعودية ومصر إلى الآن تعاملت مع تهديدات الحوثيين بخفة دم وعدم إبداء انزعاجها من تلك الأعمال في المياه الدولية، وهذا يفسر رغبة السعودية بترك ملف تأمين البحار لدول الغرب، وابتعادها عن ملف البحر الذي سيرهقها وبالتالي فالكرة بيد دول الغرب، فإذا تم إغلاق البحر الأحمر فلن يكون هناك نفط سعودي، وهذا سيعود أثره على دول الغرب فالكرة الآن في ملعبها.
هذا التريث من قبل السعودية ومصر لا يخفي عدم انزعاجهم من تهديدات الحوثيين بقدر ما يعبر عن عدم إقحامهم في إجراء قد تكون تداعياته وخيمة، خاصة أن الحوثيين تمسك زمامهم إيران التي اعترفت بأن تأمين البحر الأحمر بيدها وبالتالي ترك المواجهة بيد أمريكا هذه المرة.
إيران عبر وزير دفاعها محمد رضا اشتياني أكد بأن البحر الأحمر يعتبر منطقة إيران ولا أحد من خارج المنطقة يستطيع أن يناور فيه، وهذا التصريح الواضح يؤكد بأن تحركات الحوثيين ما هي إلا أوامر إيرانية ستأجج المنطقة في صراع بحار مجهول المعالم سيترتب خطره على الدول المطلة على البحر الأحمر، وبالدرجة الأساسية مصر والمملكة التي تخاف من الوقوع في شباك إيران وبالتالي ضرب اقتصادها بحجة ضرب اقتصاد إسرائيل في حين أن البحر المتوسط مفتوح لمد إسرائيل بالسلاح والعتاد ولا تعطي إيران الأوامر لحزب الله بضرب سفن إسرائيل في البحر المتوسط.
ترقب أمريكي للرد على الحوثيين
أشارت صحيفة "بوليتيكون" إلى أن كبار المسؤولين في إدارة جون بايدن يدرسون خيارات الرد على الحوثيين، ونقلت "بوليتيكون" عن أحد المسؤولين المطلعين على الموضوع قوله إن البنتاغون قام في الأيام الأخيرة بنقل حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" إلى خليج عدن قبالة سواحل اليمن لدعم الرد الأمريكي المحتمل الذي سيكون بمثابة الكي للجماعة التابعة لإيران خاصة مع التساهل والتراخي من إدارة بايدن مع الحوثيين في الأعوام السابقة.
صنارة السعودية لإنقاذ الحوثيين من الغرق
وسط تلاطم مياه البحر الأحمر وخليج عدن بفعل التهديدات الحوثية بضرب أي سفينة تعود ملكيتها لإسرائيل أو متجهة إليها والقلق الدولي والإقليمي من تصرفات الحوثيين المخلة بأمن الملاحة البحرية، ما زالت السعودية تتحدث عن وجود مبادرة سلام سيتم التوافق عنها قريبا بين الحوثيين والحكومة الشرعية اليمنية، هذه الليونة السعودية تجاه الحوثيين تأتي في ظل إجماع دولي بخطر ما يقومون به من أعمال تقطع للسفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
تلك المقاربة المثيرة للجدل للملكة العربية السعودية تجاه الحوثيين في هذا التوقيت يبدو أنها فرصة للمملكة لحط ثقلها الثقيل جدا بدخولها في حرب اليمن ومحاوله للابتعاد من تلك الحرب التي تعلقت في شباكها خاصة مع إعطاء أمريكا ظهرها للمملكة في عاصفة الحزم وتغير مزاجها من مساند إلى متلاعب والابتزاز الذي مارسته طيلة تسع سنوات وتحمل المملكة تبعات الحرب اليمنية واستخدام أمريكا تلك الحرب وسيلة لتمرير سياساتها على المملكة، وهذا ما تيقنت منه المملكة واتجهت إلى إبرام اتفاق بينها وبين دولة إيران التي تعتقد أنه ستكون بندولا لتهدئة أتباعها في اليمن.
غير أن ذلك قد يكون بعيد المنال، فإذا كانت إيران بجد ستكون ماسكة بعصا الحوثيين في التصعيد ضد المملكة فإنها ستناور، خاصة بعد تأييدها بما يعمله الحوثيون من أعمال تقطع في البحر الأحمر، ويبدو بأن إيران ستطمئن السعودية من ذلك الخطر كونه لا يستهدفها شخصيا ويستهدف بالدرجة الأساسية إسرائيل وهكذا ستقبل السعودية على مضض كونها وقعت في وضع متشعب ومتعدد المخارج.
المبادرة السعودية لو تمت ستكون بمثابة عملية إنقاذ للحوثيين من الغرق الذي يشدوه لأنفسهم، فأي اتفاق بين الحوثيين والحكومة الشرعية سيكون صناره للحوثيين لشرعنتهم تحت الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا، وبالتالي عملية الصيد البحري للسفن الدولية ستكون جزء من عملية لعبة البحار الغامضة قد يتم سحب المملكة للسباحة فيه وهي مغمضة وهذا يؤثر على رؤيتها 2030 والتي بحاجة إلى أمن واستقرار مستدام.