ما مضمون الاتفاق؟ وما النتائج المتوقعة منه؟ وما الأسباب الذاتية لتوقيعه؟ تحليل يسرد تفاصيل الاتفاق السعودي الإيراني الصيني
الأمناء/خاص

 

لماذا أصبحت الصين طرفًا في الاتفاق؟

ما دلالة ترتيب طاولة اجتماع بكين على شكل مثلث متساوي الأضلاع؟

 

الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه بين الدول الثلاث في شكله وموضوعه اتفاق أمني، ومن الناحية التنفيذية كان دبلوماسياً، أما نتائجه ستكون عسكرية وبالتالي اقتصادية.

فيما يخص الخطوات التنفيذية الأولى متمثلة في استعادة العلاقات الدبلوماسية، فهي تحصيل حاصل، إذ لا يمكن الانخراط في هكذا اتفاقات بين بلدين لا يتبادلان السفراء ولا توجد بينهما أي شكل من أشكال العمل الدبلوماسي.

 

أركان الاتفاق

من حيث الشكل تم التوقيع على الاتفاق من قبل رئيس جهاز الأمن الوطني السعودي وأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، دون إشراك أو حضور وزراء الخارجية في البلدين.

من حيث الموضوع أكد الاتفاق على تفعيل الاتفاقية الأمنية بين البلدين الموقعة في عام 2001، وهي اتفاقية تم توقيعها في عهد الرئيس الاصلاحي خاتمي، في مرحلة مثلت ذروة سنام العلاقة بين البلدين منذ ثورة الخميني في 1979.

 

نتائج وردود الفعل السابقة

بعد توقيع تلك الاتفاقية الأمنية وأثناء التحضير لإبرامها تزايدت الزيارات الرسمية وارتفع مستوى المسؤولين المشاركين في مباحثاتها، ناهيك عن زيادة التبادلات والمعارض التجارية التي وصلت مستويات قياسية.

ورغم أن الاتفاقية يمكن تلخيصها في محاور كلاسيكية هي التنسيق الامني ومكافحة التهريب والمخدرات وتبادل المطلوبين وعدم دعم المعارضين، إلا أن جوانب فيها أثارت الجدل ذلك الحين من ضمنها مصير الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران.

بالإضافة الى مشاكل الدول الخليجية مع إيران، برز الحديث عن الدور الذي ستلعبه البلدان في وقف الانشطة البحرية العسكرية للدول من خارج المنطقة كما تسميها إيران، والمقصود بها نشاط البحرية الامريكية في مياه الخليج العربي ذلك الحين.

 

مصير الاتفاقية الأمنية

الاتفاقية الامنية سرعان ما تم تجميدها لاحقاً بعد الحرب على العراق، وتدهورت العلاقات بين البلدين جراء دعم إيران للمليشيا والجماعات المعارضة أو المسلحة في العراق والبحرين ولبنان، والحرب باليمن وحتى في السعودية، حتى تم قطع العلاقات الدبلوماسية تماماً عام 2016 عندما قامت مجاميع ايرانية باقتحام السفارة السعودية في طهران وإحراق قنصليتها بمدينة مشهد الايرانية.

 

أطراف الاتفاق الجديد وأسبابه

هناك أسباب ذاتية لتوقيع الاتفاق لكلاً من الصين السعودية وايران.

أولاً الصين؛ تعد أكبر المستفيدين في العالم من أمن مياه الخليج العربي كونها اكبر مستورد للنفط الايراني المشمول بالعقوبات الأمريكية، وهي تسعى لاستدامة هذا المورد النفطي الهام لاقتصادها، وعدم قطع سلاسل امدادته جراء أي اضطرابات قد تحصل في الخليج، وتحديداً مضيق هرمز.

أيضاً الصين وقعت اتفاقية تاريخية مع المملكة لشراء النفط السعودي مقابل العملتين المحلية (اليوان، الريال السعودي) وهو ما يعتبر فك ارتباط عملي بين الدولار والنفط السعودي، هذه الاتفاقية لو وقعت قبل الحرب الروسية الاوكرانية، كانت امريكا ستقابلها بكثير من الصرامة كما حدث مع صدام حسين ومعمر القذافي عندما قررا فك ارتباط النفط العراقي والليبي بالدولار وعرضه للتداول باليورو والعملات الأخرى.

إذاً الصين اصبحت معنية اكثر بتأمين أمدادات النفط السعودي وعدم السماح لأي قوة دولية أو إقليمية بضرب سلاسل توريد الطاقة القادمة إليها، بشروط تصب في مصلحتها هي والمملكة على حساب المنافس الأكبر للصين وهي الولايات المتحدة الامريكية ودولاراتها.

ثانياً إيران؛ هي الاخرى تمتلك اسباب خاصة بها لتفعيل التعاون الأمني واتفاقية 2001، فالنظام الايراني يعيش اليوم حالة عزلة تامة جراء العقوبات الأمريكية القصوى عليه، والمقاطعة العربية، والحرب الروسية الاوكرانية، وهي تحتاج لهذا الاتفاق لفك احدى أهم حلقات الحصار الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي المفروض عليها، جراء سياساتها الرعناء في الاقليم، وانتهاك سيادة الدول العربية، وعدم احترام مقرات البعثات الدبلوماسية الأجنبية المتواجدة على اراضيها.

إيران أيضاً التي تخوض حرباً مفتوحة مع العرب، على رأسهم السعودية، وعمليات متصاعدة عسكرية أمنية استخباراتية سيبرانية مع اسرائيل، هذه الأخيرة التي يبدو أنها باتت تملك قائمة أهداف استراتيجية داخل إيران تسعى لضربها (مفاعلات نووية، مصانع صواريخ بالستية، ومراكز تصنيع الطائرات المسيرة) أيضاً أشخاص وشركات، يعتقد أنها المسؤولة عن تطوير القدرات الدفاعية والتكنولوجية في إيران.

ومنذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لا تخفي إسرائيل نواياه وتحركاتها، لحشد الدعم الدولي والإقليمي لعمليتها العسكرية المباشرة بالداخل الإيراني، وهذا ما ينذر ببلوغ المواجهة بين البلدين مستوى الحرب المباشرة والشاملة، لهذا تسعى ايران لتصفير خلافاتها بالمنطقة قبل الدخول في هذه المواجهة المرتقبة.

إيران تعاني من اضطرابات شعبية داخلية، واضطرابات في كل الاقاليم ومن مختلف العرقيات سواء الكردية والتركمان والعرب في الأحواز، الحد الذي وصل للمواجهات العسكرية خصوصاً بكردستان إيران.

وتبقى احتجاجات الطلبة الليبرالين بعد مقتل (مهسا أميني) في احد المعتقلات هي الأكثر أنكشافاً أمام العالم والأعلى ازعاجاً، للسلطات الأمنية والمرجعيات الدينية الايرانية، إذ تهدد مطالب المحتجين الليبراليين اهم أركان النظام الايراني المحافظ، القائم على مبدأ ولاية الفقيه.

وتعتقد دوائر القرار الاستراتيجي بإيران، أن التزامن في هذه الاحتجاجات، جاء بسبب الدعم السعودي، المقدم على أكثر من صعيد، وهو ما تنفيه الرياض، لكن إيران ترى بالاتفاق مع المملكة، إمكانية تجاوز حالة الفوضى الداخلية المتصاعدة، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

ثالثاً السعودية؛ هي الأخيرة تملك عدداً لا بأس به من الأسباب الذاتية دفعتها نحو هذا الاتفاق، إذ تعاني المملكة من الاضطرابات الأمنية على حدودها بسبب النشاط الايراني، سواءً باليمن أو سوريا أو لبنان أو العراق.

هذا الاتفاق إن تحقق العمل به وصدقت إيران سيخفف من بؤر التوتر على حدود المملكة ويخفض من الإمكانيات العسكرية لوكلاء إيران بالمنطقة (كماً ونوعاً) وسيوفر الحماية التعاقدية للمصالح والأراضي السعودية، على الأقل من الصواريخ والمسيرات الايرانية، التي تستخدمها المليشيا المدعومة إيرانياً (الحوثيين) على الأعيان المدنية والاقتصادية السعودية.

السعودية التي تعاني حالة جفاء بالعلاقات مع حلفائها الدوليين تحديداً الولايات المتحدة الامريكية، خاصة بعد فوز الإدارة الديمقراطية الحالية بالانتخابات الرئاسية الامريكية، إذ قطعت إدارة الرئيس جو بايدن الكثير من الوعود الانتخابية لانصارها تتعهد فيها بمعاقبة السعودية، تحت شعارات حقوقية وانسانية متعددة تتعلق بقضايا سعودية داخلية بحتة.

وتؤكد مصادر صحفية غربية، أن السعودية تتعرض لضغوط دبلوماسية كبيرة، وحظر استيراد اسلحة وتكنولوجيات أمريكية دفاعية كانت متوافرة لديها سابقاً، وذلك لدفعها إلى الانخراط باتفاقية "أبراهام" والتي يطلق عليها اصطلاحاً التطبيع مع اسرائيل.

الرياض بدورها ترى بأن المزاج العام للشعب السعودي يرفض فكرة التطبيع، ولهذا فإن قراراً بهذا الحجم يتطلب التروي أو الموافقة على الشروط السعودية المتمثلة في نوعين:

الأول نووي: إذ تطلب الرياض دعم إنشاء برنامج نووي سعودي للاغراض السلمية، وهو ما تعترض عليه إسرائيل وترى أنها لا تثق في نوايا السعودية بعدم امتلاك سلاح نووي وبالتالي الانخراط في سباق التسلح مع كلاً من إيران وإسرائيل على حدٍ سواء، ويخشى الأمريكان عدم الموافقة على هذا المقترح من قبل المشرعين بالكونجرس الأمريكي.

الثاني استراتيجي: وهو سعودي أيضاً يتمثل بالاتفاق مع واشنطن على اعتبار المملكة العربية السعودية حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، وهذه الشكل من التعاون لم يمنح إلا للدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي بالإضافة لإسرائيل وقطر والأردن، إذ يعطي لهذه الدول حق استيراد السلاح الأمريكي عالي التقنية، وهذا الاتفاق أيضاً تعتقد الإدارة الأمريكية أنه من الصعب تمريره بالكونجرس وأن السعودية ليست بمستوى الثقة الكافية لاعتبارها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الامريكية من خارج الناتو.

إذاً لم يبقى أمام المملكة العربية السعودية إلا حل مشاكلها بمعرفتها بعيداً عن الآمال والضغوط القادمة من واشنطن.

 

اتفاق السعودية وإيران في بكين

سؤال يطرح نفسه (لماذا كان اتفاق السعودية وإيران في بكين؟).. الرئيس الأمريكي جو بايدن قدم احاطته الاسبوعية للصحافة بالبيت الأبيض وقبل تلقي الأسئلة من الصحفيين، هرب نحو الباب وقبل أن يغادر القاعة سمع هذا السؤال بصوت عالي، فعاد إلى الميكرفون وأجاب: أنا متأكد أن العلاقات مع اسرائيل افضل من إيران، وغادر.

الصحافة الإسرائيلية وصفت الاتفاق السعودي الايراني الصيني بأنه بصقة في وجه اسرائيل.

اطراف اتفاقية ابراهام العرب، اكتفوا بالصمت، باستثناء البحرين التي رحبت به معتبرة هذا الاتفاق يدعم الحل السلمي للنزاعات ويؤكد على حسن الجوار واحترام سيادة الدول الأخرى.

اليمن؛ وهي أكبر المتضررين من سياسات الحرب الإيرانية بالوكالة على السعودية، قالت أنها تتابع بحذر النوايا الايرانية، ومدى التزامها عملياً بتنفيذ هذا الاتفاق.

يتبقى سؤال؛ لماذا اصبحت الصين طرفاً في هذا الاتفاق، ولماذا تم ترتيب طاولة الاجتماع في بكين على شكل مثلث متساوي الأضلاع، جلس المسؤولون الصينيون مقابل ضلع القاعدة، بينما كانت الاتفاقية المبرمة في 2001 قد وقعت بين السعودية وإيران في زيارات متبادلة للمسؤولين بالبلدين دون جود طرف ثالث؟

وربما يكون مفتاح الإجابة على هذا السؤال، في طريقة ترتيب الكراسي داخل قاعة الاجتماع، وأن هذه الاتفاقية ترتكز أساساً على المصالح الصينية واستثماراتها الحالية والمستقبلية بالبلدين والمنطقة، وأن السعودية وإيران مجرد أضلاع في مثلث العهد الصيني القادم بالمنطقة المستند على الحلفاء الأقوى اقليمياً (السعودية، إيران) خلفاً للعهد الأمريكي المشرف على الأفول المعتمد على أصغر الحلفاء بالمنطقة (إسرائيل، قطر).

 

 

متعلقات
انطلاق حملة تطعيم 1,3طفل ضد الفيروس القاتل المسبب لشلل الاطفال في 12 محافظة اليمنية
القائد العام للمقاومة الجنوبية ينفي علاقة المجلس العام للمقاومة الجنوبية بالدعوة إلى تظاهرة الثلاثاء
تهنئة للشاب الخلوق "أميـر عـادل الزيـدي" بمناسبة عقد القرآن
توضيح هام من اللجنة الخاصة بمتابعة صرف التسوية للمسرحين والمبعدين قسرآ من اعمالهم
لعبة حوثية تحاول بها تغيير حقيقة تبعية خلايا الاغتيالات في العاصمة عدن لها