قضيت (7) أشهر عجاف داخل زنزانة انفرادية
سُجنت بمعسكر الشهداء بعتق ثم بمقر قيادة المنطقة العسكرية الثالثة في مأرب
لم أُسجن في سجون رسمية مخصصة للقضايا السياسية والجنائية بل داخل (كنتينر)
بصَّمتُ على (27) صفحة وكنت معصوب العينين لا أعرف محتوى الأوراق
أفرزت حرب 2015م، التي شنتها مليشيا الحوثي، واقعًا صعبًا ومريرًا انعكس على حياة السكان بالشمال والجنوب، وتفاقمت مشكلاتهم ومعاناتهم الإنسانية، وتمثل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومواثيق القانون الدولي الإنساني، ومبادئ قانون حقوق الإنسان، أبرز ملامح هذا الواقع والصراع فتزايدت ظاهرة السجون السرية وحالات الإخفاء والاختطاف والاعتقال التي مارستها مليشيا الإخوان ومليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية من عمر الحرب.
وفي محافظة شبوة الصامدة صمود الجبال الشامخة تعرضت حقوق الإنسان لأسوأ أنواع الانتهاكات الممنهجة خلال الأربع السنوات من سيطرة الإخوان على المحافظة في 23 أغسطس 2019م، حيث وثقت الشبكة المدنية للإعلام والتنمية وحقوق الإنسان، الكثير من حالات التعذيب في السجون السرية للقوات الخاصة التابعة لحزب الإصلاح (فرع تنظيم الإخوان باليمن) والتي غيب فيها العشرات من الأشخاص ممن تعرضوا للتعذيب، والعنف النفسي، والجسدي، واللفظي، والتي ستظل آثار جراحها مفتوحة في ذاكرة وقلوب الضحايا وأسرهم لزمن طويل.
بينما تنص المادة "5" من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م على أنه: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الخاصة بالكرامة".
وكشف تقرير الشبكة المدنية أن حالات الانتهاكات بشبوة بلغت 700 حالة انتهاك منها 443 حالة تعذيب طالت كل فئات المجتمع منها: 262 حالة من الشباب، وعدد 27 حالة من الأطفال، وعدد 37 حالة من كبار السن، وعدد 17 حالة من الإعلاميين للمدة من يناير 2019- يونيو 2022م.
ويبرز التقرير حقائق ملموسة لنماذج وقصص إنسانية مؤلمة يرويها عدد من الضحايا، ولتسليط الضوء أكثر على معاناة المعتقلين في السجون السرية للقوات الخاصة بشبوة التابعة للمدعو عبدربه لعكب الشريف، كان لنا حوار مع أحد المعتقلين مناضل وقيادي أمضى سبعة أشهر في دهاليز السجون السرية بين محافظتي شبوة ومأرب، إنه المعتقل المناضل الأستاذ حسن بن حسن الطفي، القيادي بالثورة السلمية الجنوبية والمقاومة الجنوبية وعضو المجلس الانتقالي الجنوبي بلحج. بعد الترحيب به ومباركة خروجه من السجون، كان لنا هذا الحوار معه.
وكان معي زميلي وصديقي حسين علي حمزة الذي تم إطلاق سراحه قبل خروجي بثلاثة أشهر تقريبًا.
المكان كان عبارة عن مستودع فيها بعض بقايا الحديد الخردة وكان بداخله شخص مسجون وينام فوق الأرض دون فراش وكان المكان مظلما ولا توجد به أي فتحة للتهوية ماعدا هواء يسير يدخل من تحت الباب.
وفي اليوم الثالث تم نقلي إلى عتق مقيد الأيدي معصوب الأعين، وتم سجني في معسكر الشهداء داخل غرفة صغيرة ثلاثة متر في مترين ونصف، لا يوجد فيها أي شباك ولا فتحه تهوية بالباب وتركوني داخلها لأربعة أيام أنا وشخصين آخرين وكنت أنام فوق البلاط لعدة أيام، من ثم أتوا لي بقطعة فراش مقطع ومتسخ وقاموا بنقل الشخصين الآخرين من عندي إلى زنزانة أخرى وتركوني لوحدي في زنزانة انفرادية من نهاية يونيو 2021م إلى نهاية ديسمبر 2021م بعدها تم نقلي إلى مأرب.
خلال فترة بقائنا بالسجن في شبوة قاموا بالتحقيق معي مرات عديدة تم تبصيمي على 27 صفحة وكنت معصوب العينين لا أعرف ما محتوى الأوراق تلك.
وكان المحققون يقتادوني في الأسابيع الأولى لاعتقالي أحيانًا مرتين وأحيانًا ثلاث مرات بالليلة الواحدة ابتداءً من الساعة العاشرة والنصف ليلاً وتنتهي الساعة الثالثة فجرًا.
وزيارتهم كانت بغرض التوسط لإطلاق سراحي ولكنهم لم يتمكنوا من إطلاق سراحي حينها، رغم أنهم حصلوا على توجيهات بإطلاق سراحي من مدير أمن شبوة حينها العميد عوض الدحبول وأحد وكلاء المحافظة لا أذكر اسمه، إلا أن المدعو عبدربه لعكب، رفض تلك الأوامر، وقال يريد أمرًا من المحافظ وكان حينها المحافظ بن عديو.
بعدها قام بالتواصل مع رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية بالجمهورية الأخ أحمد محسن اليافعي، ووكيل الأمن السياسي الأخ شعفل اليافعي، والتواصل مع وزير الشباب والرياضة الأخ نايف البكري وإبلاغهم بأن الأخ حسن الطفي غير موجود في أي سجن من سجون شبوة، وهذا مؤشر يدل على أن القوات الخاصة ربما قامت بتصفيته جسديًا، وعليه فإنهم يرجون منهم إبلاغ رئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية إما أن يعطوا توجيهاتهم للمدعو عبدربه لعكب بإظهار الأخ حسن حيًا أو يسلموا لهم جثته إذا كانت ميتًا، أما بعدها ستكون لنا خياراتنا المفتوحة، طبعًا الوزراء المذكورين بالإضافة إلى الأخ المحافظ ابن الوزير قاموا بجهود وضغوط شديدة جدًا على المدعو عبدربه لعكب، للكشف عن مصيري وبعد 48 ساعة اعترف لعكب بأنه قام بنقلنا إلى محافظة مأرب، وحينها أتى الأخ القائد العميد خالد ديان إلى مأرب وبعد تواصله مع الوزير البكري ورئيس الاستخبارات العسكرية أحمد اليافعي الذين قابلوا نائب رئيس الجمهورية حينها علي محسن الأحمر وطلبوا منه شخصيًا إصدار توجيهات للسلطات في مأرب بإطلاق سراحي، وفعلًا أصدر التوجيهات بذلك وتم إطلاق سراحي في 10 يناير 2022م من مأرب. طبعًا خلال تلك الفترة قام المئات من زملائي في محافظة حضرموت ولحج وعدن وزملائي المعتقلين - الذين تم الإفراج عنهم- وناشطون سياسيون في المجلس الانتقالي الجنوبي محافظة شبوة، قاموا بالكتابة والمناشدة وتسليط الأضواء عن قضية اعتقالي وتوضيحها للرأي العام، ولو لم يحصل هذا كله لربما كنت لازلت في السجون أو تم تصفيتنا خلف القضبان.
كما أن الشبكة المدنية لحقوق الإنسان فرع شبوة كتبت وتابعت واجتهدت في تسليط الأضواء على قضيتي شخصيًا، وكذلك على قضايا باقي المعتقلين وبعد خروجنا من السجن، قامت الشبكة المدنية لحقوق الإنسان وعبر مركزها الرئيسي في العاصمة عدن وبتوجيهات من رئيسها الدكتور محمود شائف بمقابلتنا وتوثيق كل ما تعرضنا له بأفلام وثائقية بالصوت الصورة، وعملوا لنا مؤتمر صحفي بالعاصمة عدن بتاريخ 29 سبتمبر 2022م، وشاركنا أنا وبعض المعتقلين في السجون السرية بشبوة.
كما نشكر المجلس الانتقالي الجنوبي ابتداءً من الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي الذي اهتم وتابع قضيتي منذ اعتقالي إلى يوم الإفراج عني، كما أشكر رئيس وأعضاء المجلس الانتقالي بمحافظة حضرموت على كل الجهود التي قاموا بها من أجلي، وأشكر محافظ شبوة الأخ عوض بن الوزير على استقباله لنا بعد خروجنا مباشرة من السجن بمأرب، وكذلك رئيس انتقالي شبوة العميد علي الجبواني على استضافته لنا، كما أشكر أبناء شبوة جميعًا من وكيل محافظة ومدير عام عتق وأخص بالشكر الشيخ عبدالله بنان، وحسن سالمين، والأسير الشاب عبدالرحمن شيخ باحاج، وكل أبناء شبوة الذين غمرونا بأخلاقهم الكريمة ومواقفهم العظيمة والذين كانوا لنا نعم الأهل ونعم السند والعون أثناء فترة اعتقالنا الطويلة.