لا تزال محافظات الجنوب تعاني منذ إعلان الوحدة عام 1990م من استفحال ظاهرة التهريب والإفراط بهذه الظاهرة عقب حرب 2015، بحكم امتداد الحدود المترامية الأطراف البرية والبحرية، وأيضاً نتيجة ما يشهده الوطن من حرب لأكثر من 6 سنوات، مما أدى إلى ضعف دور الدولة، ولوجود مناخ مناسب للمهربين للقيام بعمليات التهريب، ولقد ساعدهم في ذلك عدم توفر الإمكانيات الحديثة والمتكاملة مع المؤسسات الأمنية لمجابهة التهريب.
التهرب من الجمارك
ويعتبر التهريب من أبرز أسباب تدمير الصناعة المحلية داخل أي وطن، نظراً لتهريب مختلف أنواع السلع ذات الصناعة الخارجية من دون دفع قيمة الرسوم الجمركية، وهو الأمر الذي يفرض على المستهلك شراء تلك المواد المهربة لأنها رخيصة الثمن، بعكس المحلية الخاضعة للجمارك، وعطفاً على ذلك نجد نموًا كبيرًا لظاهرة التهريب بتهريب المخدرات والأدوية والمواد المسكرة بمختلف أنواعها، وكذا الخمور المختلفة، بالإضافة إلى تهريب العملات المحلية والأجنبية ومختلف أنواع والأسلحة، وأيضاً تهريب الأفراد، ومع ذلك نقرأ باستمرارية عن بطولات يحققها بعض أفراد النقاط الأمنية بضبط المهربين ومواد التهريب المختلفة.
تجارة غير رسمية
ويعتبر التهريب خطراً كبيراً مدمراً للاقتصاد الوطني، مما يحدث اتساع رقعة الفقر والمشكلات المعيشية عند المواطنين وعدم تطور في نمو وازهار التنمية.
وفي محافظة لحج ونظراً لامتلاكها حدودًا برية وبحرية مع محافظات أخرى نجد أن ظاهرة التهريب لها أثر سلبي داخل المحافظة، وتظهر جلياً عند المواطنين الفقراء باتساع رقعة الفقر وتزهو ثراءً عند المهربين والقائمين على عمليات التهريب بالثراء الفاحش، ولقد برز بعض الأشخاص في ثراء فاحش فجأةً لأن نشاطهم مشبوه، فبعضهم لا يمتلك شهادات جامعية أو موظفًا حكوميًا أو تاجراً من سابق، وإذا به في أيام قليلة من أصحاب الأملاك والملايين لأنه من أصحاب التهريب.
لواء وميناء
وفي محافظة لحج وعقب حرب 2015 نشطت ظاهرة التهريب بشكل ملحوظ مما دفع بعدد من القيادات الأمنية والعسكرية بلحج إلى استحداث لواء لمجابهة التهريب برأس العارة، ولقد لعب اللواء دوراً مشرفاً محققاً منجزات مختلفة بضبط عمليات التهريب عبر الشريط الساحلي، والتي يقوم بها المهربون لخدمة المليشيا الانقلابية، وحالياً اللواء بقيادة القائد وضاح عمر سعيد، إلّا أن بالقرب من مبنى اللواء افتتح بوقت سابق ميناء بحري من قبل قيادة المحافظة بالتنسيق مع مدير عام مديرية المضاربة ورأس العارة، والذي من خلاله يتم إنزال مختلف أنواع المواد ونقلها إلى داخل محافظات الجنوب وإلى الشمال، وهذا الميناء الجمركي ربما لا تتوفر فيه أجهزة أمنية حديثة لضبط أي عمليات تهريب ولا يعلم هل هو خاضع لمصلحة الجمارك وفقاً للنظام والقانون.
تهريب معدات طبية
وكشفت مذكرة صادر عن مدير عام مكتب الصحة والسكان بلحج محررة بتأريخ 4/9/2022 برقم 537 وموجهة إلى محافظ المحافظة عن تهريب معدات طبية تابعة لقطاع الصحة بلحج لعدد8 مديريات، حيث تمكنت نقطة أمنية في مديرية المضاربة رأس العارة بقيادة العقيد مثنى زليط من ضبط شاحنتين نوع دينا كانتا في طريقهما لتهريب هذه المعدات وغيرها إلى المخا بمحافظة تعز اليمنية، مما أثار تساؤلات عديدة: كيف مرت هذه المعدات وضبطها بآخر نقطة حدودية مع محافظة تعز اليمنية؟
مهرب يتفاخر
يتحدث بعض المواطنين بمجالس القات عن مغامرات المهربين الذين تحولوا فجأة إلى ثراء فاحش مع حرب 2015م.
ويقول المدعو (م . س . ذ)، وهو ساخر من رجال الأمن بأنه يعتبر نفسه مهرب سلاح، ويسخر هذا المهرب من بعض أفراد النقاط.
الرباط مصنع القاطرات
ويلاحظ أن منطقة الرباط تشهد ازدحامًا غير طبيعي بوجود القاطرات وكأن هذه المنطقة تحولت إلى مصنع للقاطرات، مما يتطلب وجود يقظة أمنية وتشديد عالٍ من قبل رجال الأمن بمراقبة تحرك هذه القاطرات أو الواقفة منذ مدة طويلة، على اعتبار أن التهريب لا دين له بوطن جريح ينزف الدماء لأكثر من 6 سنوات، ولأن التهريب قد تطور وتحول إلى تهريب مختلف أنواع الأسلحة والأفراد والمخدرات من قبل أعداء الوطن والعملاء الذين انحطت أخلاقهم ولا يخافون الله.
رخص البضائع
ويرى المواطنون أن البضائع في محافظات الشمال رخيصة الثمن بالرغم من أنها مناطق تحت سيطرة المليشيات الانقلابية والمحاصرة، بعكس الأزمة الاقتصادية الخانقة داخل العاصمة عدن وما حولها من محافظات الجنوب المحررة من حيث ارتفاع الأسعار لمختلف المواد.
وتشير المصادر إلى أن معظم السلع تدخل إلى المناطق الشمالية بطرق التهريب دون جمارك، وهي تجارة رابحة للمهربين والتجار، بينما نجد أن أضرارها كبيرة على الاقتصاد الوطني، وبعكس ما هو موجود في المحافظات المحررة وارتفاع سعر المواد بسبب خضوعها للجمارك ورقابة الدولة، ويعتبر التهريب جزءًا من الحرب الاقتصادية على المحافظات المحررة لتغذية المليشيات الانقلابية.
حملات وعمليات
لكل ما تقدم ذكره نجد أن التهريب ظاهرة خطيرة ظهرت واستفحلت بقوة مع إعلان الوحدة وتنهش في الجسد الجنوبي أرضًا وإنسانًا، وزادت ذروتها مع حرب 2015، وأحدثت الأضرار بالاقتصاد الوطني مما يتطلب من حكومة المناصفة والتحالف العربي الاستشعار بهذا الخطر ووضع دراسة له وإمكانيات، ومناهضته بقوة براً وبحراً من خلال استحداث شرطة مكافحة التهريب، كما يتطلب من المنظمات تسليط الأضواء على مخاطر التهريب من خلال عقد الدورات والورش وتأهيل أفراد النقاط الأمنية وخلق توعية مجتمعية مناهضة للتهريب حتى يكون المجتمع المحلي فعالاً في مجابهة عمليات التهريب، كما يفترض أن تشن حملات إعلامية ضد عمليات التهريب عبر القنوات الفضائية، وأيضاً لا بد من نشر أرقام غرف العمليات الأمنية لاستلام البلاغات من قبل المواطنين.