تعيش الساحة العراقية حالة من الغليان السياسي والشعبي، على خلفية القصف الذي طال منتجعاً سياحياً في محافظة دهوك في شمال العراق، حمّلت بغداد مسؤوليته لتركيا، وأسفر عن سقوط 9 قتلى و22 جريحاً، في حدث ينذر بمزيد من تفاقم الأزمة بين البلدين.
ووفق صحف عربية صادرة اليوم الجمعة، اندلعت بوادر خلاف دبلوماسي بين أنقرة وبغداد، بعد الهجوم التركي على منتجع دهوك، فيما شيّع العراقيون بغصب وحزن ضحايا القصف ودخلت البلاد في حداد وطني، في وقت دعا نوري المالكي إلى قيام حرب أهلية جديدة في العراق، يعتقد أنها ستحسم النزاع بينه وبين مقتدى الصدر.
حداد رسمي وإدانات واسعة
وفي السياق، أفادت صحيفة "الشرق الأوسط"، بأن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أعلن الحداد الرسمي في البلاد تعبيراً عن حزنه وأسفه على ضحايا القصف في منتجع دهوك في شمال العراق، مؤكداً المضي بالدفاع عن العراق وردع أي محاولة للمساس بسلامة أرضه، كما استدعت وزارة الخارجية السفير التركي وسلّمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، طالبت فيها أنقرة بسحب قواتها من أراضي العراق.
وأصافت الصحيفة، أن "الخطوات الدبلوماسية التي أقدمت عليها بغداد وإدانة الحكومة ومعظم الشخصيات الرسمية الحادث بأشد العبارات، فشلت في امتصاص حدة الغضب الشعبي العارم الذي أعقب الحادث"، إذ "اشتعلت معظم منصات التواصل العراقية بانتقادات شديدة للسلطات أو لأحزابها السياسية، وحمّلها معظم المعلقين مسؤولية الاعتداءات المتكررة منذ سنوات، بالنظر لتهاونها في حماية حدود البلاد وعدم قيامها بردع أنقرة عن القيام بالأعمال العسكرية داخل الأراضي العراقية بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني المعارض، إلى جانب احتفاظها بقوات عسكرية ثابتة داخل العراق".
وفي حين أثار الحادث تداعيات سياسية إقليمية ودولية من خلال الإدانات الواسعة له، فإن فورة الغضب الشعبي مازالت مستمرة، حيث خرج المئات، أول من أمس، في مظاهرة أمام السفارة التركية في بغداد وأنزلوا العلم التركي، ويتوقع أن تستمر المظاهرات في الأيام القليلة المقبلة.
دعوات ضغط ونفي تركي
ومن جانبها، قالت صحيفة "الجريدة" الكويتية، أن سياسيين عراقيين أطلقوا دعوات للضغط على الكاظمي من أجل اتخاذ مواقف أقوى ضد العاصمة التركية، وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، حيدر السلامي، إن "العراق يمتلك الكثير من خيارات الردع لإيقاف التدخل والقصف التركي، منها التبادل التجاري"، مشيراً إلى ضرورة ايجاد حل "لنشاط المعارضة التركية داخل العراق، لأنها أصبحت سبباً في قتل أبناء الشعب العراقي".
وفي المقابل، جددت السلطات التركية رفضها الاتهامات باستهداف المدنيين في كردستان، ودعوتها بغداد إلى التعاون من أجل الوصول إلى الجناة الحقيقيين، وفق ما ذكرته الصحيفة الكويتية.
ودافع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن موقف بلاده، أمس، بالقول إن "المعلومات المؤكدة تفيد بأن القوات المسلحة التركية لم تنفذ أي هجوم ضد المدنيين في محافظة دهوك العراقية".
وذكر أن أنقرة أعلنت استعدادها للتعاون مع السلطات العراقية بشأن الهجوم، معرباً عن رفضه للتصريحات الرسمية وغير الرسمية التي تستهدف بلده قبل اتضاح حقيقة الأمر وملابساته.
وأكّد أوغلو أن وقوع مثل هذه الحادثة يثير التساؤل في ظل تحسُّن العلاقات التركية العراقية وتحقيق نجاح في مكافحة الإرهاب، لافتاً إلى قيام السفارة التركية بتنكيس علمها، للمشاركة في الحداد العراقي على أرواح الضحايا والمصابين.
دور إيراني
وفي ذات الشأن، تساءل تقرير لموقع "الحرة"عن ما ستشهده العلاقات في المرحلة المقبلة بين بغداد وأنقرة.
وفي التقرير، يرى عبد السلام برواري النائب السابق في برلمان كردستان عن "الحزب الديمقراطي الكوردستاني" أن "أفضل حل ميدانياً هو أن تتحرك قوى حرس الحدود بالتنسيق مع إقليم كردستان، وهذا ما يمنع تركيا من ذريعة حماية الحدود". بالتزامن مع ذلك "يجب أن يتم الضغط على حزب العمال ليترك المنطقة"، وفق برواري.
وبينما أكدت أنقرة نفيها للاتهامات العراقية الموجهة لها، اتخذت أوساط مقربة من الحكومة (صحفيين ومحللين وباحثين) خطاً موازياً، حيث ألمحوا إلى ضلوع ميليشيات تدعمها إيران بالوقوف وراء حادثة القصف.
وبدوره، ألمح المحلل السياسي المقرب من الحكومة التركية يوسف ألاباردا، إلى أصابع إيرانية تقف وراء ما حدث.
فيما، تقول المحللة السياسية، كارولين روز، لموقع "الحرة"، إن "التحقيق سيكون مفتاحاً لتحديد الجاني، خاصةً ما إذا كان الهجوم قصفاً مدفعياً (حيث توجد فرصة أكبر لحدوث خطأ) أو غارة جوية"، مضيفةً "لقد رأينا مجموعات ميليشيات أشباح (أصحاب الكهف) و(ثأر المهندس) تعلن مسؤوليتها عن الضربة المستمرة على منشأة عسكرية تركية في أعقاب الهجوم في دهوك".
وتتابع: "لذلك من الواضح أن هناك توترات متصاعدة بين تركيا وإيران، والميليشيات المدعومة من الأخيرة".
ويشير الباحث السياسي العراقي، مجاهد الطائي إلى أن "هناك خلافات معقدة بين الجانب العراقي والتركي حول المياه والأمن والطاقة، وأنه وفي كل مرة يحدث تصعيد سياسي أو أمني أو دبلوماسي، لانعدام الحلول الحقيقية وضعف الدولة العراقية".
لكنه يضيف أن "التصعيد العسكري بضرب مدفعي وليس عبر المسيرات والأسلحة الذكية كان مفاجئا".
وتابع قائلاً: "الحكومة العراقية ومعظم الأطراف الداخلية تريد تسجيل موقف وطني وورقة ضغط على تركيا، واستثمار هذا الانتهاك، سواء كان من جانب الجيش التركي أو ميليشيا البي كي كي".
ولا يعتقد الطائي في حديث لـ "الحرة" " أن "هناك إمكانية إثبات الجهة المنفذة، خاصة وأن الحدث وقع في الجانب العراقي، والتحقيقات العراقية معروفة النتائج".
وقد اتخذت الحكومة موقف سريع من القصف، وأدانت تركيا بدون إيضاحات حول ما يتوفر من معلومات، حول طبيعة التفاهمات الأمنية مع تركيا بالتوغل والقصف.
ويتابع الباحث: "قد يكون هناك تصعيد من قبل الأطراف السياسية المسلحة ضد المعسكرات التركية، لتسجيل موقف وطني وإثارة الموضوع للتغطية على ملف التسريبات من جهة، والظهور بمظهر القوي وتجاوز الحكومة العراقية التي يصفونها بالضعف".
تسريبات المالكي
وعلى صعيد آخر، سلط الكاتب فاروق يوسف الضوء في صحيفة "العرب" اللندنية، الضوء على تسريبات نوري المالكي وقال إن "نوري المالكي دعا إلى قيام حرب أهلية جديدة في العراق، يعتقد أنها ستحسم النزاع بينه وبين مقتدى الصدر"، مضيفاً أن "الحرب يمكن أن تتجاوز حدود العراق. فهي حرب إقليمية".
ويرى الكاتب أن "المالكي صار يشعر بالخطر"، وأن دعوته إلى الحرب هي ورقته الأخيرة التي يعتقد أنه من خلالها سيتوصل إلى صيغة جديدة للنظام، تنقذه أولا من خصومه وتعيده إلى سابق عهده يوم كان الحاكم الذي لا يُردّ له أمر"، مضيفاً "يعيش المالكي خارج العصر. ليس الآن فقط ولكنه كان كذلك دائما. غير أن النظام الطائفي الذي أقامه الأمريكان اتسع فضاؤه لطائفي من نوعه، يكون العراق معه ساحة لنزاعات لا نهاية لها.
وأضاف الكاتب أن "المالكي كان من الممكن أن يُحاكم قبل سنوات باعتباره مجرم حرب غير أن الغطاء الطائفي كان قد حال بينه وبين الوقوع في المصيدة. وهو ما جعله مطمئناً إلى أن طائفيته ستقف دائماً بينه وبين السقوط، ذلك لأن كل فضائحه كان يتم الدفاع عنها من جهة كونها انتصارا للمذهب".
وأوضح أن الغطاء الطائفي اليوم اختفى وأن المالكي يواجه عدواً شيعياً هو الصدر، كما أن المتحالفين معه صاروا يشعرون بأنه يشكل خطراً على بقائهم في العملية السياسية وعلى النظام الذي هو رصيدهم في الحكم والهيمنة على السلطة، لذلك فإن التخلي عنه هو وسيلتهم الوحيدة من أجل الحفاظ على مصالحهم التي يمكن أن يخسروها إذا ما استمروا في حظيرة المالكي وهم ليسوا من أتباعه كما يُخيّل إليه.
وأضاف أن "المالكي يقف اليوم وحده.. وأن الصدر لن يخسر وقتاً طويلاً ليزيحه عن طريقه كما أن التخلص منه من قبل حلفائه لن يكون صعبا بعد أن تأكد للجميع أنه داعية حرب أهلية. ولن يكون من مصلحة إيران أن تنقذه إلا في حالة هروبه إليها وهو ما صار متوقعا بعد أن تملّص حلفاؤه من تصريحاته"، موضحاً أن "نهاية المالكي يمكن اعتبارها نهاية للنظام الطائفي. ولكن ذلك تفاؤل في غير محله. فقد يكون ثمن تلك النهاية أن يُقام تحالف طائفي جديد من أجل بقاء نظام المحاصصة الذي يرفضه العراقيون بعد أن ذاقوا مرارته، وذلك ما يُخيف في المرحلة المقبلة".
ويتابع قائلاً: "سيكون من الصعب على العراقيين أن تشهد مرحلة ما بعد المالكي محاولة لإعادة إنتاج النظام، يتخلى الصدر فيها عن هدفه في إقامة حكومة الأغلبية الوطنية التي هي الأخرى لا تشكل اختراقا لنظام المحاصصة بسبب ما يمكن أن يفرضه تحالف الصدر مع حلفائه السنة والأكراد من التزامات. ولكن ماذا عن المتغيرات في الجانب الشيعي؟"
ويرى الكاتب أنه المالكي يجب أن يقدم إلى المحاكمة، وإلا فإن شيئا لن يتغير"، موضحاً "ستجري الأمور مثلما كانت من قبل. لن يكون سقوط ذلك الرقم الذي انتهت صلاحيته مؤثرا في سير العملية السياسية التي ستظل تدور في مكانها". أما إذا بقي الصدر مصرا على موقفه الذي لم يكن الهدف منه إسقاط المالكي فإن معادلات سياسية جديدة ستحدث تحولا عميقا في النظام قد يقلب الطاولة على كل رموز المحاصصة ليبدأ العراق دورة حياة جديدة".