كشفت الهدنة المعلنة في اليمن عن حدوث انفراجة كبيرة للأزمة، إذ فوض الرئيس اليمني سلطاته إلى مجلس رئاسي وعزل نائبه أمس الخميس، في خطوة تهدف إلى دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإحياء المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب المريرة المستمرة منذ 7 سنوات.
ووفقاً لصحف عربية صادرة اليوم الجمعة، رحبت دول العالم بالخطوة اليمنية بتنحي الرئيس هادي ونائبة كونهما سبب الأزمة في البلاد، في حين اعتبرت مصادر أن هذه الخطوة إنقاذية لإخراج اليمن من الحرب وإدخاله في طريق السلم والأمان.
أمل وتفاؤل
في صحيفة البيان، قال محمد يوسف "خطوات تدعو إلى التفاؤل، فاليمن يستحق أن ينهي 10 سنوات من التيه في دهاليز التحزّبات وتدخل أصحاب الأطماع السياسية والمذهبية في شؤونه.
وأضاف أن "خطوة الشرعية تأخذ الأزمة اليمنية إلى مربع التفاوض المباشر مع الطرف الآخر، والذي يمكن أن نقول إنه الطرف الحوثي ونترك الاستنتاجات لكم، ويمكن أن نكون أكثر وضوحاً ونوجه البوصلة نحو طهران، ونقول لكم وللعالم بأن هؤلاء هم مشكلة اليمن، فإن وصلوا إلى قناعة بأنهم لن يحققوا غير الدمار لليمن ولن يصلوا إلى حدود السعودية لأنها محصنة، وأن العبث بمقدّرات الشعوب والمنطقة بأكملها من أجل تحقيق ما يدور في مخيلاتهم سيضرهم قبل أن يضر غيرهم".
وأوضح أن "تشكيل مجلس قيادة رئاسي ليكون مرجعية الشرعية يعني أن اليد وضعت على الجرح، فأزمة بحجم أزمة اليمن لا يمكن أن تدار بمجموعة متنافرة ومتناقضة في رؤيتها للحل، وخيراً فعل الرئيس المتنحي عبدربه منصور هادي عندما أصدر قراره بإعفاء نائب الرئيس علي محسن الأحمر من منصبه، فهذا القرار يؤشر إلى أن كل الذين تسندهم الأحزاب المتخاذلة وقت الشدة والباحثة عن نصيبها عند تحقيق الانتصار يجب أن يبعدوا، ويعودوا إلى حجمهم الطبيعي، فهم معرقلون يبحثون عن مصالح ذاتية، ولا ينظرون أبداً إلى المصلحة الوطنية".
بادرة إنقاذية
وبدورها، قالت صحيفة الخليج في افتتاحيتها "كان لا بد من تحريك المياه الراكدة، في خطوة إنقاذية تخرج اليمن من إعصار الحرب وتدخله في طريق السلام والأمن، وتخلّصه من سياسات أطراف يمنية مسلحة أودت به إلى التهلكة".
وتابعت "كان اللقاء التشاوري الأخير للأطراف اليمنية في الرياض تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي وبمبادرة منه، خطوة مهمة لإعادة لمّ شمل اليمنيين واستعادة وحدة البلاد، وإخراج الشعب اليمني من دوامة الدم والدمار التي غرق فيها على مدى السنوات السبع الماضية".
وأضافت "وجاء القرار الذي اتخذه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بإنشاء (مجلس قيادة رئاسي) بمثابة بادرة إنقاذية مخلصة تلبي حاجة اليمن لمواجهة التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية للحرب، وتلبي طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح، وتزيل عناصر التوتر الحالية بين المكونات السياسية".
وأردفت الصحيفة "بهذا المعنى فإن قرار الرئيس هادي رسالة واضحة إلى جماعة الحوثي بالتخلي عن المكابرة والعناد وسلوك سبيل التعقل، والتخلي عن الولاءات الخارجية، والانضمام إلى الجهود الإنقاذية الحالية والانخراط في الحل السياسي، لأن الأبواب باتت مشرعة أمام مختلف القوى اليمنية المخلصة للمشاركة في قيام يمن جديد ينفض عن كاهله سنوات الحرب وتداعياتها، وعدا ذلك فإن هذه الجماعة سوف تثبت أنها تعادي الشعب اليمني وترفض السلام، وستكون أمام مواجهة سياسية وعسكرية مع الجميع".
إعادة هيكلة الشرعية
ومن جهتها، كشفت صحيفة العرب اللندنية أن السعودية استجابت لمطالب كيانات وشخصيات يمنية متعددة، بضرورة دفع الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر إلى التنحي كونهما سبب الأزمة، حيث أعاق وجودهما توحيد مؤسسات الشرعية اليمنية، وحال دون بناء جبهة فعالة سياسية وعسكرية ضد الحوثيين.
وقالت مصادر سياسية يمنية إن "السعودية أطاحت بهادي ونائبه بطريقة رشيقة، حيث بدا وكأن الرئيس اليمني هو من تنازل وحده عن منصبه واختار القيادة الجماعية في شكل مجلس رئاسي لتحل محله"، مشيرة إلى أن فشل مساعي تنفيذ اتفاق الرياض كان يصطدم دائماً بوجود هادي والأحمر ورغبتهما في الحفاظ على وضع الشرعية كما هو، لأنه يحقق مصالحهما الشخصية بالنسبة إلى هادي والحزبية بالنسبة إلى الأحمر بصفته قيادياً في حزب الإصلاح الإخواني.
وأضافت المصادر أن ضغوط وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد نجحت في إقناع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وقيادات الأحزاب والمكونات اليمنية، باتخاذ قرارات صعبة تمخضت عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي نقلت إليه كافة صلاحيات الرئيس هادي، إضافة إلى إقالة نائبة علي محسن الأحمر الذي يحمّله الكثير من الأطراف اليمنية بصفة خاصة مسؤولية تعثر المسار السياسي والعسكري خلال السنوات الماضية.
ولفتت المصادر إلى أن التدخل السعودي جاء لمنع فشل مشاورات الرياض ولقطع الطريق على أجندات حزب الإخوان وبعض القوى المهيمنة على قرار الشرعية التي عملت على الحيلولة دون خروج أيّ قرارات حقيقية وجادة تعيد هيكلة الشرعية وتصلح مؤسساتها.
ويعتقد مراقبون أن قرارات إعادة هيكلة مؤسسات الشرعية ستمهد الطريق أمام مشاركة فاعلة للشرعية في مواجهة استحقاقات السلام أو أعباء الحرب خلال المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي سيترتب وفقاً لمواقف الحوثيين من خيارات السلام التي يتبناها المجتمع الدولي، والتي كان ضعف الشرعية والصراع بين مكوناتها أحد عوامل التصلب الحوثي.
حكم يمني جديد
وأما عبدالرحمن الراشد، فقد قال في صحيفة الشرق الأوسط إن "رئاسة هادي كان يفترض أن تكون انتقالية لمدة عام ونصف العام، ودامت 10 سنين، نتيجة استيلاء الحوثي على السلطة، وخلال مؤتمر الرياض للحوار اليمني، أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي، فجر أمس، عن مجلس رئاسي برئيس جديد".
وأضاف أن "الخطوة تطور مهم؛ أولاً، لأنها ليست شكلية، ولا واحدة من مخرجات الحوار الكلامية، فالرئيس سلّم، عملياً، كل صلاحياته، وصار الحكم يضم معظم الفرقاء اليمنيين".
وأوضح "بالتأكيد، غاية اليمنيين ليست فقط الحؤول دون قيام الدولة اليمنية الحوثية، بل التخلص من الوكيل الإيراني، واستعادة الدولة، فالسنون السبع الدامية تعلمنا أنه لن يحرر اليمن سوى اليمنيين، وهم مجتمعون، قادرون على هزيمة الميليشيا المسنودة من إيران، حيث تعالج الخطوة الجديدة جروح اليمنيين في المعارضة، وتحقق التوافق الضروري، فمجلس الحكم الرئاسي المشكّل من 8، ومستشاريهم الخمسين، يعكس الطيف اليمني الذي كان دائماً موجوداً وليس ممثلاً".
وتابع الكاتب "نعم، الحوثي لا يزال في صنعاء منذ 7 سنوات، لكنه معزول عن العالم، فاليوم، يراقب عن بُعد ممثلي الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني، موحدين ومتفقين، وهو عاجز عن وقف الحرب عليه، وعن فك الحصار عنه، وكذلك لا يستطيع التقدم سياسياً خطوة واحدة، لأن القرار ليس في يد زعيمه عبد الملك أو رفاقه، بل في طهران التي تعتبر اليمن ضمن مساوماتها الإقليمية".
واختتم مقاله بالقول "التطور الذي وُلد في حوار الرياض بين اليمنيين ومخرجاته، والصياغة الجديدة لرئاسة اليمن الجماعية، تعني رفض المعارضة للواقع الحوثي، واستكمال مهمة تحرير اليمن".