مع تزاحم وتراكم المصائب ، والمعاناة ، والآلام ، والأحزان في دارٍ طبعت على كدر ، وأنا أقلب وأراجع بعض شتات أفكاري ، وأستذكر في دفتر ذكرياتي بعض من فقدناهم وتركوا في نفوسنا حزناً عميقاً ، وجرحاً غائراً ، وألماً كبيراً ، رحلوا عنا وتركونا نصارع الأحزان ، رحلوا وتركونا نغالب الدمعات والعبرات والآهات ، رحلوا وقد نحتوا في ذاكرتنا صوراً تمر أمام أعيننا سريعاً بعضاً من مواقفهم الإنسانية الجميلة .
ومن بين هؤلاء الأحباب الأعزاء الذين رحلو عنا ولم يتركوا سوى الأسى والألم خلفهم ، ممن كان لنا أباً رحيماً ، وأخاً حميماً ، يحمل بين جوانحه قلباً نقياً ، صافياً ، كبيراً ، وأخلاقاً دمثةً عالية ، من عرفه عرف براءته ، وسماحته ، وتعاونه ، وتفانيه في خدمة الصغير والكبير ، الذكر والأنثى ، كان آخر عهدي به ، وآخر كلمات سمعتها منه قبل فقدانه بيوم أو يومين فما زالت هذه الكلمات ترن في أذني حتى الساعة ، ولن ننساه حتى نُوسَّدَ في التـــــــــراب . لعلكـم عرفتمـوه ؟
إنه الهامة الكبيرة ، والطـود الأشم ، ابن العم ، الحبيب الغالي على قلوبنا العقيد/ محمد سيف مقبل شائف .
هذا _وأنا أصارع بعض ما أجده في كتابه هذه السطور_ أقول أمَّا أنت فقد رحلت ، ولم نستطع أن نرد ولو بعضاً من مواقفك وفاءاً وعرفاناً ، اللهم إن كان من وفاء ففيما تركت من أسرة كريمة ، وأطفال يذوب لهم القلب ، وينفطر لهم الفؤاد ، وتنهمر لهم العينان عند رؤيتهم .
فالله أسأل _إن كان حياً_ أن يُقرَّ أعيننا بعودته سالماً غانماً معافى ، وأن يحفظه ، ويلبسه لباس الصحة والعافية حيثما كان ، وإن كانت الأخرى فأسأله سبحانه أن يغفر له ، ويرحمه ، ويكرم نزله ، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد ، وأن يمطر عليه شآبيب رحمته .
وفي الحقيقة إن كان من شكر أقدمه لأناس ، وقفوا مع أسرة الفقيد ، وتحملوا جزءاً من المسؤولية حسب علمي بذلك، فهو لأخي ، وحبيبي ، وتاج رأسي ، ابن عمي العزيز ، الكريم ، الغالي على قلوبنا / أبو عيدروس ناظم بن عيدروس مقبل شائف ، هذا الرجل الذي لم يزل ، ولا يزال يكبر في عيني يوماً بعد يوم ، أجدني أقف عاجزاً عن شكر هذه الهامة ، وهذا الجبل العظيم الذي يشتد به الظهر وقت الأزمات والمدلهمات ، فأنا أخلع له العمامة ، إجلالاً ، وتعظيماً ، واحتراماً ، وتقديراً ، فأسأل الله أن يطيل عمره ، وأن يحفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه وشماله ، وأن يبعد عنه وعن أهله الآفات والأسقام ، وأن يبارك له في أهله وماله وولده إنه ولي ذلك والقادر عليه .