صادف يوم الخامس والعشرين من ديسمبر 2020 مرور ثمان سنوات منذ ان ارتقت روح الصديق الصدوق الشهيد العميد الركن فضل محمد جابر قائد محور ثمود الى باريها في عملية غادرة جرت في باب اليمن ، بعد خروجه من وزارة الدفاع بالعرضي، والتي سجلت ضد مجهول ‘ ضمن مسلسل الاغتيالات التي تعرض لها العديد من الكوادر الكفؤة والمجربة ‘وقد بين تقرير قدمته منظمة( صح) لحقوق الانسان عدن انه (في الفترة من 2006 -2013 اغتيل نحو 200 ضابط جنوبي في صنعاء ومدن الجنوب ولم تكشف السلطات عن قاتل واحد ‘ ‘وخلال عامي 2012-2013 قتل 80 من كبار الضباط في جنوب اليمن في ظروف غامضة بحسب تقرير للجزيرة نت نقلاً عن احصاء حكومي نسب الفعل الى القاعدة دون تحقيق في كل من صنعاء ومدن جنوبية) * كان اسم الشهيد احد هم .
وعودةً الى السيرة الذاتية للشهيد القائد العسكري السياسي المتميز العميد ركن فضل محمد جابر ابو سامي وامين و بكيل ‘التي سوف احاول في هذه العجالة استعراض بعض هوامش ما دونته صداقتنا الحميمة ‘الممتدة لعشرات السنين ابتدأت من مسقط الرأس، منذُ السنوات الاولى من طفولتنا الذي‘كان الشهيد قد سبقني في المولد ببضع سنوات ونمت علاقتنا وتوطدت الى ان استشهد.. هذه الذكريات رسخت في مخيلتي امور كثيرة من ذكريات العمر ‘ وولدت في نفسي زهواً وفخراً واعتزازاً بالرجل لما يمتلكه من المميزات الاخلاقية والقيادية والشخصية التي تزينت بها حياته ‘ وكانت اطلالات ذلك التفوق الذي لازم حياة الشهيد في جوانب مختلفة تصدرها الجانب التعليمي‘ الذي أظهر تميزه الدراسي واستحق عليه المراتب الأولى منذ السنة الاولى بكل جدارة وظل محافظاً عليها كصفةٍ بارزة توشح بها تاريخ الشهيد وكصفةٍ من صفات مشواره التعليمي العام والكلية العسكرية التي انظم اليها في سبعينيات القرن الماضي وفي دروتي العلوم السياسية والاجتماعية في معهد باذيب واختتمها بدراسة الماجستير بجمهورية مصر العربية قبل حرب عام 1994ودورةٍ تأهيلية اعقبت ذلك في صنعاء.
ان هذا التميز التعليمي الذي حققه الشهيد خلال حياته المجتهدة والمثابرة كان قد انعكس بوضوح على طبيعة الاداء العملي كواجب وطني ابتداء من عمله كمدرس في احدى المدارس الابتدائية في ردفان والذي اضطر لشغله قبل انها دراسته نتيجة لطبيعة الظروف الاسرية الصعبة التي مرت بها المنطقة في تلك الحقبة الزمنية بشكل عام وكذا اثناء عمله في السلك العسكري الحرس الثاني قبل الاستقلال ‘ واثناء عمله في عدد من الالوية والمحاور والمناطق بعد الاستقلال والوحدة وتبين ذلك بوضوح من خلال المناصب العسكرية والسياسية الرفيعة التي شغلها بكل كفاءة واقتدار‘ اسهم من خلالها بدور الكادر والقائد السياسي والحزبي النشط والوطني المخلص والمتفاني في بناء المؤسسة العسكرية الجنوبية في ذلك الحين ،‘ هذا التفوق في كفاءة الاداء ايضاً جعله محط اهتمام واشادة قياداته العسكرية والسياسية العليا في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ‘والتي شغل اثناء عمله فيها سكرتيراً لاحدى اللجان الحزبية في احد الالوية العسكرية ثم كبير الموجهين في المحور الاوسط وبعد عام 1990شغل ايضاً عدداً من المواقع القيادية منها ركن تدريب المنطقة العسكرية الشرقية ثم اركان محور الخشعة واخير قائدا لمحور ثمود ،وفي الجانب الاخر لقد حظي الشهيد باحترام كبير من قبل الكثيرين من الناس والقيادات الحزبية والسياسية انطلاقاً من طبيعة السلوك الاجتماعي المتميز الذي استطاع نسجه مع محيطه الاجتماعي حيث تأثر واثر بسلوكه هذا وبفعل شخصيته الودودة والمحبة للناس ولما يتحلى به من اعتزاز وثقه بالنفس كما تحلى الشهيد بالتواضع والبساطة وكان رجلا عطوفاً ومتسامحاً وفي نفس الوقت كان بشوشاً ومرحاً وحرصياً على دوام التواصل بأصدقائه ورفاقه ومتواضعاً على عكس بعض المتعاليين الذي يحاولون تقمص شخصية غير شخصياتهم ، وكان رحمه الله محباً للفن وصاحب صوت شجي ومعجب بالشعر والموسيقى التراثية وتحضرني هنا وانا استعرض هذه الجزئية من شريط ذكرياتي عن الشهيد والتي تعود الى صيف 1986 اذا لم تخنِ الذاكرة كنا حينها في مقيل بمنزل الأستاذ علي منصر محمد مستشار الرئيس واثناء التخزينه كان هناك النقاش قد اخذ في حيزه الرئيس يدور حول تأثير الاغنية الحماسية وتهييجها للوجدان واذكاء الموقف والحس الوطني الحماسي عند الناس واثناء النقاش تقدم الشهيد بمداخلة مركزة قال فيها .. نعم الاغنية الحماسية على هذا النحو الموصوف من قبلكم (الحاضرين ) لكن ارى وربما يرى اخرون راياًً يضيف الى ما تحدثتم عنه وهو انني اشعر واحس بانه لا يوجد ثمة فارق بين ما هو حماسي وعاطفي من حيث الاثارة والتأثر مثلا أتأثر بالأغنية العاطفية التي تناجي وتعاتب الحبيب لمحبه أتأثر وتثار عواطفي حينما اسمع بعض الأغاني التي تصف حال الفراق والرحيل المؤقت والابدي عن الاهل والاحباب والأصدقاء أتأثر بطبيعة الاغنية التي ترتبط بحالة الفلاحة والرعي والزراعة والمطر والغيول والسيول والورود ..الخ كل هذه تعمل اسقاطات في النفس وتذكرني بكل شيء مررت علية في حياتي ‘ تجعلني اقلب احاسيسي وذكرياتي معها واهيم في رحابها بمعنى تحضرني صورة مكرره وربما تكون شجية وشجنه ومحزنه وبشكل اكثر وتخلق لدي تفاعل لا حدود له حينما تغوص ذاكرتي مع الناي ‘مع الرباب والقانون وتقاسيم العود والصوت المتماهي مع تلك الكلمات وموسيقاه البديعة التي تعطي للأغنية فعلها وتأثيرها الوجداني صراحة للفن في نفسي ترانيم جمالية ووجدانية لا استطيع التعبير عنها بكل ما يجيش في مخيلتي من تفاعلات وتماهيات بل تذهب بي معها الى الخالق وخلقه في هذا الكون مهيجة الاشجان ومجددة الاحزان في ذات الوقت .
ها هي تمر علينا هذه الذكرى الثامنة لغياب الأخ والصديق والرفيق الشهيد فضل محمد جابر ولازالت صدمة خبر استشهاده مخيمة على قلبي لكبر حجم الخسارة التي منيت بها والكثيرون من الذين عرفوه كوننا فقدنا قائدا عسكريا وسياسيا من نوع رفيع قلما نجد من امثالهم في هذا الوقت بالذات الذي نحتاج فيه الى مثاليتهم وسجاياهم الرائعة ‘فقدنا روحهم ونفسهم الإنساني في حين كنا بأمس الحاجة الى تواجدهم في هذه الظروف ليمدونا بالكثير والكثير من تجاربهم وقدراتهم القيادية ونفسهم واخلاقهم وروحهم الوطنية التي جبلوا عليها طوال عشرات السنين.
تمر ثمان سنوات منذ ان غادرنا الشهيد العميد فضل محمد جابر فقدنا خلالها رفاق واخوان وأصدقاء كثر شكل غيابهم عنا فواجع وخسائر لا حصر لها لأنهم أعطوا ولم يأخذوا أحبوا ولم يكرهوا الا ما يستحق الكراهية والمقت.. بعد رحيلهم حلت بنا الحرب وحرب ابقتنا في حالة هول مما يجري وافقدتنا الكثيرين افتقدناهم جميعاً لقد قضوا حياتهم وأسهموا في بناء ما هو جميل وبذلوا ارواحهم من اجل الوصول لذلك وقدموا التضحيات تلو التضحيات وذاقوا مرارات ومتاعب النضال بنفوس صابرة ومحتسبه لباريها ومتجلدة بجلادة صخور الوطن وجباله كل ذلك من اجل الحق واحقاقه ونصرت وعزة الانسان وكرامته.
نسأل الله العلي القدير ان يخص شهيدنا وكل الشهداء برحمته واسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة
وانا لله وانا اليه راجعون