كثر حديث الأمم المتحدة عن السلام بعدما استهلكت وقتاً وطيلاً، وأصبح قلقها الدائم مثارة سخرية ليس باليمن، بل في عموم المنطقة والعالم.
توجه السفير البريطاني قبل يومين: بمخاطبة هادي وشرعيته بصفة الأمر، مساوياً بينها وبين مليشيات الحوثي، وقبله بأيام سبق أن أعلن بيان مجلس الأمن الأخير بأن مشاورات السلام باليمن يجب أن تكون بدون شروط، أي إسقاط مرجعيات شرعية هادي " الهزيلة".. بنفس القدر تؤكد الأمم المتحدة عبر أمينها العام " غوتيريش" إنه لم يعد من مجال في اليمن إلا "السلام".. وسلام الأمم المتحدة عادة هو " الحرب".
المجتمع الدولي والشرعية اليمنية المفترضة..
كثيرة هي الحقائق والشواهد التي تثبت أن العالم ضاق ذرعاً بــ"الشرعية اليمنية" – التي هي شرعية " افتراضية" على الواقع.. يضاف إلى ذلك ارتباط الشرعية بالجماعات الإرهابية عبر الداعم الرئيسي والمنبع للإرهاب " جماعة الإخوان المسلمين باليمن"..
صراع السلام المفترض..
سلام اليمن يتعرض لخلافات قوية داخل الأمم المتحدة وإقليمياً.. ففي حين تسعى بريطانيا التي وصفها تقرير لمجلس الأمن بأنها صاحبة "القلم في اليمن".. إلى تثبيت أراءها حول اليمن، من خلال " تثبيت جماعة الحوثيين الإرهابية والاعتراف بهم".. ترفض السعودية قائدة التحالف العربي والمفوضة من مجلس الأمن بالتدخل باليمن تفاصيل أراء بريطانيا.
عندما تدخلت بريطانيا لإنقاذ الحوثيين في الحديدة، واستصدرت بذلك قرار من مجلس الامن رقم " 2450" لدعم اتفاق السويد بعدما فشلت 4 مرات بإنجاح مشاريع قرارات تقدمت بها لمجلس بها..
بريطانيا واتفاق السويد
كان غرض بريطانيا من اتفاق السويد إنقاذ الحوثيين من السقوط بالحديدة، لأهداف ربما خاصة ببريطانيا، ومنها جعل اليمن " دولتين أو كيانين" من أجل يسهل نفوذها بالجنوب البعيد عن الحوثيين، خاصة بعد انسحاب بريطانيا من " الاتحاد الاوروبي" واتجاهها لإعادة نفوذها القديم.
اعتقد حينها، رفضت السعودية مقترحات بريطانيا، إلا بعدما يتم تسليم "عدن" إلى السعودية وانسحاب الإمارات ، وهو ما حدث، كتطمين للسعودية .. مقابل إنفاذ بريطانيا لاتفاق السويد واستصدار قرارها من مجلس الأمن.
لماذا اشترطت الرياض تسلم ملف عدن ؟
تسلمت السعودية ملف عدن وما جاورها وصولاً لباب المندب، لضمان عدم وجود أي نفوذ حوثي إيراني، لكن السعودية لم تجد حينها من حليف لها في عدن وما جاورها إلا " المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي كان قد قطع شوطاً في السيطرة وتثبيت أركانه.
تعاملت السعودية مع الانتقالي برؤية "استراتيجية" في ظل تفاهمات خاصة ايضاً، لكن الشرعية تحولت إلى " خنجر بخاصرة السعودية والتحالف".. فتم ايجاد اتفاق الرياض، لأجل انفاذ التعامل السعودي مع التطورات وتثبيت الوضع بالجنوب، واعتبار الانتقالي هو القوة المدعومة شعبياً والأكثر ثقة وشريك مخلص.
بعد كل هذا.. صار هناك أمر مزدوجًا أمام الجنوب، ما بين رؤية بريطانيا لتثبيت الحوثيين بالشمال، وبين الوقوف مع السعودية لإنفاذ رؤيتها والوقوف معها، فاختار المجلس الانتقالي الوقوف إلى جانب السعودية والالتحام بها، إلا أن السعودية كما هي متمسكة بالخنجر المزروع بخاصرتها المسماة" شرعية".
كواليس الخلاف البريطاني السعودي
قد يقول قائلاً: أن هناك تفاهم بريطاني سعودي، للعب أدوار معينة، أقول: له صحيح وربما هناك خلاف مصطنع لأجل إخراج مشهد " إنهاء الشرعية".. لكن الخلاف البريطاني السعودي أصبح واضحاً، وربما تعدى مسألة تنسيق المشهد .
نعتقد أن السعودية تسعى لتطبيق اتفاق الرياض، قبل توصل بريطانيا إلى انتزاع اتفاق بين جماعتي " الشرعية والحوثي" حول الموافقة على " الاعلان المشترك" الذي لا يزال غامضاً.
تسابق محموم
تتسابق السعودية وبريطانياً، لظهور كل منهم بمظهر صانع السلام، وبناء على ذلك أصبح الآن المشهد مشهدين..
- مشهد لصنع السلام في الجنوب باتفاق الرياض برعاية سعودية
- مشهد لصنع السلام في اليمن " مناطق سيطرة الحوثيين" برعاية بريطانية.
في الجنوب جاء اتفاق الرياض برعاية سعودية كاملة، لصنع السلام والاستقرار، وفي الشمال تسعى بريطانيا لسلام انطلاقاً من اتفاق السويد والتي تسعى بريطانيا لتعميم منه السلام على مستوى اليمن.. ولكنها فشلت..
ما الذي ينبغي على الجنوبيين فعله !!
على الجنوبيين الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية، في تحقيق رؤيتها وفقاً للأهداف المشتركة بين الانتقالي الجنوبي، وبين التحالف العربي بقيادة السعودية.
وبالنسبة لخلافات السعودية وبريطانيا..
اعتقد أن الحل الوحيد وبدلاً من افشال السلام في كل من الجنوب وكذا بالشمال، نتيجة الصراع بين الدولتين المهمتين واللاعبتين الرئيسيتين هو:
"أن يكون اتفاق الرياض، متزامن مع تحقيق السلام في الشمال، وأن كان السلام بالشمال جزئياً منحصر في اتفاق السويد " البريطاني"..
أما ما يسمى " إعلان مشترك" يرعاه المبعوث البريطاني لليمن.. فهو لن يتحقق لأنه يقوم على مشهد افتراضي، ولا يعتمد على القوى الفاعلة والحقيقية.. بل يحصر السلام في جماعتين هما صانعتي الأزمة والحرب والصراع وتحول قيادتيهما الى " تجار حروب".
فلا الشرعية اليمنية تمثل اليمن شمالا وجنوباً، ولا الحوثيين يمثلون الشمال بالكامل، وبهذا حصر الإعلان المشترك وفق هذا النهج الذي يتبعه المبعوث، يعتبر ضياعاً للوقت واهداراً للجهود.