تجد مدينة شبام اليمنية التاريخية الملقبة بـ”مانهاتن الصحراء” جراء ناطحات سحابها الطينية، نفسها تحت رحمة كوارث الطبيعة بعدما نجت من ويلات الحرب.
وتقع المدينة المقامة وسط أجراف صخرية تولّد مشهدا مشابها لوادي غراند كانيون الأميركي، في وادي حضرموت في جنوب شرق أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية. وقد عانت من الأمطار الغزيرة التي ضربت البلاد بين شهري أبريل ويوليو الماضيين.
وباتت شبام، التي أدرجت في العام 1982 على قائمة التراث العالمي لليونسكو باعتبارها “أقدم مدينة ناطحة سحاب في العالم”، تحمل اليوم ندوب هذه التقلبات الجوية المدمّرة.
وبنيت منازل هذه المدينة مثل باقي منازل حضرموت بالعناصر الأولية، أي التراب والتبن، حيث يخلطان معا بالماء ثم يتركان ليجفا، ويصنع ما يسمّى في اللهجة المحلية في اليمن “المدر”. ومن خلال كمّ هائل من “المدر”، يتم بناء تلك المنازل التي تكون قوية لسنوات طويلة لو تم الحفاظ عليها.
وتكشف دراسات حديثة بعض أسرار قدرة المنازل الشبامية على البقاء سليمة للمئات من السنين، فقد حُفر لها أساس عريض يصل عمقه إلى متر أو مترين، تبُسط عليه طبقة من روث الماشية تُرش فوقها طبقة من الملح، ليلي ذلك رص أعواد من الشجر توضع من فوقها طبقة من الرماد.
وقال المسؤول المحلي عبدالوهاب عبدالله بن علي جابر، “تبدو المدينة وكأنها قد ضربت بما يشبه الكارثة غير المسبوقة”. وتحدّث عن انهيار ما لا يقل عن أربعة أبنية متعدّدة الطوابق بالكامل، وتضرّر 15 منزلا آخر في هذا الموقع التاريخي العائد إلى القرن السادس عشر.
وبحسب البلاغات من المواطنين، هناك ما يقارب 208 من المباني التي تأثرت بالفيضانات وحالتها سيئة وتحتاج إلى تدخل فوري، ومن جانبنا نقوم بتطبيق إجراءات إنقاذية بحسب الإمكانيات المتاحة لفرع الهيئة في شبام حضرموت.
وتقع المدينة على مجموعة تلال صخرية، وهي محمية بسور مستطيل يبلغ طوله 330 مترا وعرضه 250 مترا، وتقطنها مجموعات كبيرة من السكان ولا تفصل بين مبانيها المؤلفة من سبعة إلى ثمانية طوابق سوى أزقة ضيقة.
وقال حسن عيديد، مدير المؤسسة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في اليمن، “تضررت الأسطح والواجهات أكثر من غيرها”.
ومن أجل حماية الأبراج الطينية، يجب إعادة طلاء الواجهات بشكل دوري، لكن السكان وبحسب ما أفاد به مسؤول “لم يتمكنوا من القيام بذلك بسبب نقص الموارد والحرب” في البلد الفقير.
وتسببت الحرب بين الحكومة المعترف بها دوليا والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، بتدمير الاقتصاد وقطاعات أخرى بينها الصحة والتربية منذ العام 2014، وبأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وشبام مأهولة منذ العصور القديمة، وليس فيها أي مبان حديثة ولم تحدث بالمدينة أي تغييرات، فقط تتم عملية الصيانة باستمرار بالطرق التقليدية المتوارثة عبر الأجيال، على ما يؤكد خبراء.
وتقع المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة على حافة وادي حضرموت المعرّض للفيضانات، وقد ظلت بعيدة عن الصراع وآثاره المباشرة لكنها عانت من تبعاته غير المباشرة وبينها الفقر والفوضى.
وقد أدرجت اليونسكو المدينة العام 2015 على قائمة التراث المهدد بالخطر.
وقال عيديد إن برنامج المحافظة على المدن القديمة يحاول مع ذلك إطلاق عملية ترميم 40 منزلا بمساعدة اليونسكو بمبلغ يعادل 194 ألف دولار.
وقد عرض رجل أعمال سعودي ثري متحدّر من حضرموت ما يعادل 54 ألف دولار لإصلاح الأضرار التي سبّبتها الأمطار الأخيرة، بحسب مسؤولين محليين. لكن باراك باسويتين، الذي يرئس جمعية متخصصة في ترميم المباني الطينية، لفت إلى أن هذه الأموال لم تستخدم بعد.
وقال “العمل بطيء لأننا واجهنا عقبات معينة مثل نقص الأيدي العاملة المتخصصة وتأخر دفع الأجور” خلال العملية التي يشرف عليها صندوق التنمية الاجتماعية في حضرموت وهو هيئة حكومية.
وتعتبر شبام واحدة من المدن التاريخية العديدة التي تقف بمثابة شاهد عيان على العمارة الطينية لوادي حضرموت الذي كان مهد العديد من الحضارات القديمة.
فمدينة سيئون بقصرها الأبيض الكبير الذي يُعتبر من أفخم المباني الطينية في شبه الجزيرة العربية، تقع على بُعد 20 كيلومترا فقط من شبام.
وقد تضرر المبنى الأبيض في سيئون بسبب الأمطار، وناشد المسؤولون المحليون المساعدة في ترميمه. وساءت حالة قصر سيئون، المؤلف من سبعة طوابق، في محافظة حضرموت، منذ هوَت البلاد في أتون حرب أهلية في عام 2015.
وأصبح القصر، وهو متحف حاليا، عرضة للأمطار الغزيرة والسيول التي ضربت اليمن هذا الصيف، وأسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين الأبرياء. وقال مهندس إن المبنى أصبح الآن “خطرا” وناشد المساعدة.
وقال عبدالله برمادا “إن لم يرمم القصر بسرعة، فسيكون عرضة للانهيار”. وأضاف أن “هناك أضرارا لحقت أساسا بالبناء والجدران والأسقف، ويجب إصلاحها ثم صيانتها بانتظام”.
أمّا مدينة تريم التي توجد على بعد 55 كيلومترا من شبام، فتشتهر بأنها تضم 365 مسجدا بما في ذلك مسجد المحضار، وتتوسطها مئذنة من الطين يبلغ ارتفاعها 46 مترا وهي الأعلى في اليمن.
وانهارت عدة أبراج مدرجة في قائمة اليونسكو تعود إلى ما قبل القرن الحادي عشر في مدينة صنعاء القديمة، عاصمة اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون، نتيجة الفيضانات.
وقالت اليونسكو في أغسطس إنها تحشد الأموال والخبرات لحماية التراث الثقافي الفريد لليمن، وهو الأمر الذي وصفته بأنه “شهادة على الإبداع البشري والقدرة على التكيّف مع المناظر الطبيعية والظروف البيئية المتنوعة في البلاد”.