"إكــــرام المـــيت دفنـــــه"، هذه هي المقولة التي اعتادت "اللجنة التنظيمية" الرد بها على كل من يسألها عن سبب قيامها بدفن شهداء الثورة السلمية على عجل ودون تحقيقات منذ مذبحة جمعة الكرامة. لكن، إذا كان هذا هو السبب الحقيقي وراء قيامها بلعب دور حفـــــار القبـــــور الفــــــوري، وإذا كانت مؤمنة بهذه المقولة فعلا، فلماذا لم تعكس هذا عليها هي نفسها؟
أعتقد أن ما من شيء ميت في ثورة الشباب السلمية أكثر من اللجنة التنظيمية، ما من شيء أكثر موتا وتعفنا منها. فهي ولدت ميتة. ومنذ ولادتها قبل أكثر من عام ونصف، ظلت رائحتها تتصاعد وتتصاعد وتعبئ رئة الثورة حتى خنقتها. وهذا على الأرجح هو الدور الأقل سوءا بين كل الأدوار التي لعبتها.
"اللجنة التنظيمية"- أو "الجيفـــة التنظيميـــة" بعبارة أدق- لعبت دور المظلة الثورية التي وفرت الشرعية لإنتهاك الثورة وإجهاضها من الداخل، وهذا على المستوى الإستراتيجي الكبير. وفي التفاصيل، لعب هذا الكيان المبتذل أدوارا غير وطنية حقيرة ومضادة للثورة لا تعد ولا تحصى، أدوارا ستطارد كل أعضائها في المستقبل دون رحمة، أدوارا سيكشف عنها المستقبل القريب قبل البعيد تباعا.
على رأس قائمة طويلة من هذه الأدوار اللاوطنية واللاثورية بل واللاإنسانية التي لعبها هذا الكيان المشين في تاريخ الثورة اليمنية: دور الستارة الثورية والقفاز الثوري في دفن شهداء الثورة السلمية مع أدلة وحقيقة استشهادهم منذ مذبحة جمعة الكرامة. وهذا لا يشكل سوى جانب واحد من جوانب الجرائم التي تورطت اللجنة التنظيمية فيها.
دفن الشهداء مع الأدلة التي تدين القتلة لم يكن في الغالب سوى مكمل لدورها في جريمة قتلهم. فبعد دفن شهداء مذبحة جمعة الكرامة بشكل مستعجل ومهين بناء على صفقة غامضة أبرمت بليل بين طرفين محدودين، بعد هذه الجريمة، دخلت الثورة منحنى آخر ومتصاعد من الجرائم التوافقية التي لعبت فيها اللجنة دورا دمويا بالغ الخطورة يتجاوز دور المظلة الثورية لتمريرها حيث توسع دورها من مجرد أداء دور الستارة الشرعية لدفن الشهداء مع الأدلة التي تثبت حقيقة أنهم قد قتلوا واستشهدوا أصلا على أيدي قاتل ما، توسع هذا الدور الى اقتياد شباب الثورة إلى حتفهم في سياق عملية إستخدام الثورة وشبابها كورقة ضغط في المفاوضات السياسية بين علي محسن الأحمر واللقاء المشترك من ناحية وعلي عبدالله صالح والمؤتمر من ناحية أخرى. وهذا أمر لابد أن الكثير من الساسة يعرفونه جيدا.
"اللجنة التنظيمية" شكلت مخلب الثورة المضادة لثورة الشباب السلمية، كما سبق لي أن قلت في لقاء مع إحدى القنوات الخارجية. ويصعب توضيح هذا في تناولة سريعة كهذه، لكن الفعالية الإحتجاجية التي نظمتها مجموعة من شباب وشابات الثورة والناشطين المدنيين صباح اليوم السبت أمام منزل الرئيس عبدربه منصور هادي مناسبة تتطلب منا التعليق عليها ومن الجميع مؤازرتها. وقبل التفات الجميع إليها، نتمنى من الرئيس هادي أن يولي هذه الفعالية والمطالب التي رفعتها اهتمامه وجديته، فهي أولا وأخيرا لم تكن مطالب تخص منظمي الفعالية بل كل يمني والرئيس هادي في الصدارة.
فالفعالية الإحتجاجية طالبت بتشكيل لجنة تحقيق لكشف حقيقة القتلى المجهولين الـ13 الذين أزيح الستار عنهم في آخر جمعة من رمضان ودفنوا على عجل وبشكل مهين تحت غطاء من اللجنة التنظيمية التي تجاوزت صلاحيات المؤسسات القانونية والشرعية القائمة في ظل رئاسة هادي. بعبارة أخرى، استجابة هادي لمطالب المجموعة التي نفذت وقفة مطلبية أمام منزله صباح اليوم لن تمثل انتصافا لحقوق هذه المجموعة كمواطنين يمنيين فحسب، وإنما أيضا انتصافا لحقوقه باعتباره رئيس دولة تعرضت صلاحياته وصلاحيات دولته للتجاوز من قبل كيان مبتذل كـ"اللجنة التنظيمية".
وبالنسبة إلى شابات وشباب الثورة الذين نفذوا وقفة اليوم الإحتجاجية فعليهم أن يدركوا أن ما قاموا به عمل نبيل وكبير بصرف النظر عن عدد المشاركين، وليس أمامهم سوى أن يواصلوا الدفاع عن القضايا التي لا تجد من يلتفت إليها. ورغم ان اليأس يهيمن على الجو العام وأن الكثير من مطالبهم قد تبدو الآن أبعد ما تكون عن التحقق، إلا أن أغلب الأمور العظيمة تبدو كذلك في بداية الطريق.
وفي نهاية المطاف، عليهم أن يتذكروا بأن "اللجنة التنظيمية" وما تمثله من دور لم تستمر إلا في ظل غياب مثل هذه الوقفة التي نفذوها اليوم. وإذا كان هناك من أمر يتوجب عليهم القيام به قبل أي شيء آخر فهو البدء بنوع من المحاكمة الشعبية للجنة التنظيمية في صورة مراجعة نقدية لدورها وكشف الستار عن مواقفها في مختلف مفاصل ومحطات الثورة لأن من يريد تعقب هوية المجرم الكبير عليه أن يبدأ بمعرفة أدواته. وأعتقد ان اللجنة التنظيمية تأتي على رأس قائمة الأدوات التي استخدمها المجرمون الكبار في قتل اليمنيين وإجهاض ثورتهم.
مقالات أخرى