على مدى التاريخ تم امتحان حكومات الدول للتأكد من كفاءتها في التحكم في الأزمات وإدارة الكوارث وحماية الأرواح والممتلكات وتوفير الأمن لمواطنيها.
لقد تبين أن الإخفاق في مجالات الاستجابة للكوارث التي يراد بلوغها في مجال الحماية والمعونة الإنسانية والتحكم في الأمور بفعالية خلال الأزمات أكانت طبيعية أو من صنع الإنسان (بما فيها النزاعات المسلحة) قد يؤدي إلى فقدان الشرعية أو يسبب انهيار النظام، كما إنه يمكن ان يولد حالة من الفوضى وأن يقود إلى أزمات ذات عواقب بعيدة المدى ونتائج خارج عن السيطرة.
هذه المقالة تقدم منظورا واقعيا يتعلق بإدارة أزمة أبين أو بالأحرى أزمة قيادتها وإدارتها وحقوق النازحين والمتضررين في ضوء الميثاق الإنساني والمعايير الدولية بحدها الأدنى على الأقل.
لقد ولدت أزمة أبين كارثة هائلة شدت الانتباه الشديد من قبل اليمنيين بأكملهم بمشاعر من التعاطف والقلق والذهول المحير.
لقد شاهد الجميع من خلال تغطية إخبارية وحية كيف أن أبين (بوابة القصر) كما سميت في 1994م قد أخذت على حين غرة لقد فجر أخفاق قياداتها بمختلف مستوياتهم وتشكيلاتهم ومسمياتهم في السلطة والمعارضة فقاعة الاعتقاد بأن أبين بوابة النصر العظيم، ناهيك عن كونها صانعة لرجال يحتذي بهم، فقد صارت الآن تمثل حالة دراسية في الإخفاق.
ولأنه من المعروف أن كارثة أبين قد مر عليها أكثر من 18 شهرا فلماذا لم تطبع الحياة فيها حتى الآن؟ لماذا أخفقت القيادة في جميع مستوياتها في التصرف في الوقت المناسب؟! إلى أي درجة يمكن الوثوق بقدرة هذه القيادة واستعدادها لمساعدة الأبينيين في أزمات أخرى لا سمح الله؟، وأخيرا، ما الدروس التي يمكن تعلمها من كارثة أبين بالنسبة للبحث والتطبيق في مجال إدارة الكوارث والأزمات؟
هذه الأسئلة كبيرة تحتاج إلى بحث وتمحيص فمما لا شك فيه أن هناك العديد من المضامين الكامنة وراء المسائل الإدارية والأسئلة المتعلقة بسياسات وإجراءات وبرامج تقديم الحماية والمساعدة الإنسانية ومجالات الاستجابة للكوارث.
لقد تبين عند تقديم الحماية والمعونة الإنسانية للنازحين والمتضررين من النزاع المسلح في أبين حقيقة مفادها أن الجهات التي تقع عليها مسؤولية الحماية والمساعدة في المقام الأول ليست دائما قادرة على الاضطلاع بهذا الدور بنفسها او مستعدة للقيام به.
ويرجع السبب أحيانا إلى القدرة المحدودة للجهة المعنية، وأحيانا أخرى يرجع إلى تجاهل مقصود للالتزامات القانونية والأخلاقية الأساسية وأحيانا إلى الفشل في الإدارة العامة من كل المستويات، اذا كانت هناك عبارة وحيدة لوصف إدارة أزمة أبين، فأنها الفشل الذريع، هذا الفشل الذريع كان ظاهرا للعيان في كل مجال من مجالات الاستجابة للكوارث التي يراد بلوغها في الحماية والمعونة الإنسانية والمتمثلة في خمسة مجالات أساسية:
1- المعايير الدنيا المشتركة والأساسية بين جميع المجالات وهي معايير تتعلق (بالعمليات والناس) مثل: المشاركة ، التقييم الأولي، الاستجابة للكارثة، تحديد الفئات المستهدفة، المتابعة، تقييم النتائج، كفاءات العاملين في ميدان المعونة ومسؤولياتهم، الإشراف على الموظفين وإدارة شؤونهم ودعمهم.
2- المعايير الدنيا في مجال الماء والإصحاح والنهوض بالنظافة.
3- الأمن الغذائي والتغذية والمعونة الغذائية.
4- الإيواء والتوطين واللوازم غير الغذائية.
5- خدمات الصحة.
بعد الاستعراض الموجز لمجالات الاستجابة للكوارث والمشارة إليها سلفا ربما من المفيد الوقوف أمام الأوضاع الإنسانية للنازحين والمتضررين في م/ أبين للمقارنة بين ما تم تقديمه من قبل صندوق الأعمار من الاحتياجات الإنسانية ومعايير الميثاق الإنساني والمعايير المسار للسياسات المتبعة الراهنة اعتقادا منا بأنه ربما حان الوقت للتفكير من جديد في استعادة مبتكرة واهتمام جاد بقضية بلورة ورسم السياسات الحمائية للنازحين المتضررين من الكوارث التي تتطلب إعادة النظر في تقويم منطلقاتها وهياكلها وآلياتها لضمان العدالة في التوزيع العادل للحقوق على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات والمناطق في معظم مدن وقرى المديريات المتضررة التي تتشابه نسبيا في الضرر في بعض الملامح والسمات والخصائص العامة، تؤكد المعلومات الميدانية والمؤشرات الكمية والنوعية التي قامت فرق الرصد أن هناك بعض الاختلالات شابه عمل ودور صندوق الأعمار سأكتفي بالإشارة إلى بعضها بشكل عام وهو على النحو التالي:
غياب العمل بأحد أهم مجالات الاستجابة للكوارث إلا وهو معيار المشاركة أي تمثيل كل الفئات في اتخاذ القرارات خلال مراحل مشروع المعونة والإغاثة الإنسانية لضمان فعالية البرامج وعدلها.
عدم الاتصال الفعال بالأفراد المعزولين في بيوتهم أو المعاقين.
امتهان كرامة الإنسان تجلى ذلك في الامتناع وحجز وعرقلة المساعدات والمعاملة الإنسانية المهنية.
التحيز في تقديم المعونة الإنسانية والتعويض المادي للمباني الخاصة المدمرة.
عدم التمييز بين الفئات المتضررة وعلى وجهه الخصوص المرضى والجرحى.
غياب مبدأ المساءلة بشأن الوفاء بالتزامات صندوق الأعمار.
عدم قيام السلطة المحلية بعملية التقييم التحليلي والمرحلي على الأقل لمحيط عملية الإغاثة والمعونة والتعويض.
عدم التحقق من تقديرات عدد السكان المتضررين ومقارنتها مع أكبر عدد ممكن من المصادر.
إساءة استعمال المعونة واختلاسها وأحيانا سرقتها.
يفتقد فريق العمل في الصندوق إلى المؤهلات والخبرات اللازم لتخطيط برامج مناسبة وتنفيذها بشكل فعال.
أما فيما يتعلق بالمعايير الدولية الدنيا في مجال الماء والإصحاح والنهوض بالنظافة ، فتشير المعلومات بأن المياه في المدارس التي تم توزيع المتضررين فيها كانت غير كافية للاستهلاك والطبخ والنظافة الشخصية والسكنية مما يضطر المتضررين النازحين إلى شراء مياه نقية صالحة للشرب، أما الأفراد الذين بقوا في قراهم ومدنهم فقد تعرضت مرافق الماء الصالح للشرب للهجوم والتدمير مما أدى إلى تردي ظروف النظافة وتفشي أمراض الإسهال والأمراض المعدية.
وتشير المعلومات بهذا الصدد أن أماكن التغوط في المدارس مشتركة فالمرحاض الواحد كان عدد مستعمليه أكثر من 100 فرد الأمر جعلها تتحول إلى بؤرة لانتشار الأمراض (25 شخص لكل مرحاض كحد أعلى).
أما بصدد المعايير الدنيا في مجال الأمن الغذائي والتغذية والمعونة الغذائية فكما هو معلوم تبلغ احتياجات الفرد من السعرات الحرارية 2100 سعره حرارية في اليوم وما كان يتم توزيعه من حصص تغذية جافة لا تفور إلا الجزء اليسير من السعرات المطلوبة لجسم الإنسان وخاصة الأطفال ، حيث تخلوا هذه الحصص من الألبان وكذلك المرضعات والحوامل افتقدن المغذيات الإضافية.. والاحتياجات من الوقود لطهي الطعام هي الأخرى كانت معدومة الأمر الذي دفع بالنازحين تدبير أمورهم بأتباع أساليب خطره كاحتطاب مقاعد الدراسة.
ولابد من الاعتراف بأن عملية الإيواء والتوطين وتوفير اللوازم غير الغذائية التي تشمل الملابس والفراش والأدوات المنزلية بحسب المعايير الدنيا يشكلان جزء من الحق في السكن والعيش بأمان وسلام وكرامة ويرتبط الحق في السكن ارتباط وثيقا بحقوق الإنسان الأخرى بما فيها الحق في الحماية من الطرد والمضايقة.
بهذا الصدد تشير المعلومات ان الكثير من النازحين تعرضوا للطرد من المدارس التي سكنوها وأفادوا بأن اغلب المدارس التي سكنوها لا يتوفر فيها مكان خارجي مظلل بجوار المأوى لإعداد الطعام والطهي، كما ان توفير مساحة 3.5 لكل شخص بحسب المعايير الدنيا غير متوفرة مما كان له واقعه السلبي على كرامتهم وصحتهم وخلوتهم.
فيما يتعلق بالملابس تشير المعلومات بأنه لم يتم توزيع اي ملابس او لوازم النظافة النسائية والمواد الإضافية للنظافة الشخصية مثل معجون الاسنان والفرشاة وأمواس حلاقة ومقرضة اظافر..الخ، كما ان المواقد لم تكن متوفرة وكذا الانارة الاصطناعية لضمان الامن الشخصي كالفوانيس والشموع.
اعتمد نوع عملية الاغاثة المطلوبة لتلبية احتياجات النازحين المتضررين في الايواء على توزيعهم على المدارس او مباني عامة بينما جزء منهم استأجروا مساكن ولم يتم تعويضهم ماديا بحسب عقود التأجير حتى هذه اللحظة كما ان التعويضات لترميم المنازل التي لحق بها الضرر لم يتم دفعها بشكل عادل وجزء كبير يقدر بحسب المعلومات 30% منهم لم يستلموا تعويضاتهم حتى هذه اللحظة وبهذا الصدد قد يكون من المفضل عند توفير التعويض المادي ان تقدم معونة تقنية لترميم غرفة او اكثر في بيت لحق به الضرر.
تعتبر الرعاية الصحية عاملا مهما من عوامل البقاء على قيد الحياة في المرحلة الأولى من الكارثة وتتمثل أهم أهداف عمليات الإغاثة الإنسانية في تفادي نسبة الوفيات وانتشار الأمراض بشكل مفرط.
إن دور صندوق الأعمار محدود جدا خاصة فيما يتعلق بخدمات الرعاية الصحية الأولية ويمكن القول بهذا الصدد ان هناك غياب كامل لخدمات الوقاية الصحية والسريرية واذا كان هناك تدخل لبعض الجمعيات الخيرية فلم تكن منصفة وملائمة يمكن للنازحين والمتضررين الاستفادة منها كان يتعين على القائمين بالصندوق توفير عيادات متنقلة لتلبية احتياجات المتضررين النازحين المعزولين في قرى مثل الرميلة، جبل الحبوش، الميوح، الصبيحة.. الخ وكذا مستشفيات ميدانية لكن للاسف الشديد يمكن القول بأن دور صندوق الإعمار كان غائبا.
* المعهد الوطني للعلوم الادارية - عدن
مقالات أخرى