منذ أسابيع يدور الجدل بشأن رؤية فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني لضمانات إصلاح أوضاع السلطة القضائية والتي ورد فيها عدد من المواجهات والمحددات الدستورية والقانونية الضامنة لاستقلال السلطة القضائية وتحسين كفاءة منتسبيها وأدائها في تحقيق العدالة في المجتمع ومنها:
- إنشاء محكمة دستورية لها كيانها الخاص وقادرة على الوفاء بكل مهامها.
- إنشاء قضاء إداري كجهة قضائية مستقلة عن القضاء العادي قادرة على حماية مبدأ المشروعية.
- حضر إنشاء المحاكم الاستثنائية.
- يمكن إنشاء محاكم نوعية مثل محاكم الاسرة (توصية).
- النص على استقلالية القضاة وبأنه لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وعدم جواز إقالتهم من مناصبهم أو إبعادهم عنها لفترة محدودة او دائمة، او نقلهم الى مواقع أخرى أو إحالتهم على التقاعد قبل نهاية خدمتهم إلا بموجب قرار قضائي مبني على اسباب وفقا لاجراءات تحددها القوانين.
- النص على تجريم الانتماء الحزبي للقضاة المتولين وانحيازهم في أداء وظيفتهم القضائية لاسباب حزبية أو طائفية او عصبية.
- النص على الاخذ بنظام قضاة التحقيق، وقصر دور النيابة العامة في الادعاء العام.
وحيث اقترنت رؤية فريق بناء الدولة بتحديد عدد من الإجراءات لتنفيذ الضمانات الدستورية والقانونية المذكورة ومنها: ان يتم تشكيل مجلس القضاء الاعلى من كبار القضاة والمحامين وأساتذة الجامعات ، بحيث تنتخب الجمعية العمومية للقضاة 70% من عدد أعضائه وتنتخب نقابة المحاميين 15% من كبار المحامين من عدد اعضاء المجلس و15% من أساتذة الجامعات في كليات الشريعة والقانون والحقوق بدرجة أستاذ مشارك مع تفرغ المحامين والأساتذة من أعمالهم السابقة.. وبالمثل يتم تشكيل محكمة دستورية عليا وتتبع نفسا الآلية والشروط ذاتها في انتخاب أعضائها.
وبالعودة الى رؤية فريق بناء الدولة سنجد انها حددت اختصاصات مجلس القضاء ومنها وضع الخطط والسياسات لإصلاح وتطوير أداء السلطة القضائية واقتراح ودراسة التشريعات الخاصة بشؤون السلطة القضائية..الخ.
ومن خلال متابعتنا لاراء عدد من اعضاء الهيئة الإدارية لنادي القضاة وعدد من القضاة لاحظنا بأنهم يعارضون رؤية فريق بناء الدولة بشأن إشراك المحامين وأساتذة كليات الحقوق والشريعة والقانون في عضوية مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية ويطالبون بالغائها ويؤسسون معارضتهم على القول بأنها ستؤثر على استقلال السلطة القضائية وأن المحامين والأساتذة يعتبرون دخلاء على هيئات السلطة القضائية لانهم لا يفهمون عملها وأن دخولهم سيكون عامل تسييس للسلطة القضائية لانهم متحزبون ومرتبطون بأحزاب سياسية وان القاضي وعضو النيابة هم المسئولون الوحيدون عن اعمال السلطة القضائية التي ستفقد استقلاليتها وحياديتها بدخول المحامين واساتذة الجامعة بنسبة 30%.
وللرد على المعارضين لمشاركة المحامين والاساتذة في عضوية مجلس القضاء والمحكمة الدستورية العليا فأننا نذكرهم بأن السلطة القضائية ليست نقابة مهنية لمنتسبيها من قضاة الحكم وأعضاء النيابة وانها احدى السلطات الثلاثة التي تقوم بإدارة شؤون المجتمع بكل مكوناته وان عمل السلطة القضائية يشمل كل أبناء المجتمع ومكوناته وشرائحه وطبقاته الاجتماعية كونها السلطة المختصة بتطبيق أحكام الدستور والقوانين والتشريعات الوطنية والدولية التي صدقت عليها حكومة الجمهورية اليمنية والسلطة المختصة بضمان احترام الحقوق والحريات العامة لكل مواطن أي ان السلطة القضائية شأن مجتمعي عام وليست إدارة او مؤسسة مختصة بإدارة شؤون موظفيها من قضاة الحكم واعضاء النيابة العامة لذلك يكون تمثيل شرائح المجتمع المعنية والمرتبطة بتطبيق القوانين والتشريعات والمشاركة في إعدادها وتطويرها في نشر الوعي القانوني في المجتمع والدفاع عن الحقوق والحريات العامة وتأهيل كل منتسبي السلطة القضائية امرا ضروريا وجوهريا باعتباره الضمانات الاساس لإصلاح أوضاع السلطة القضائية و تطوير وتحسين ادائها ويمكن ايضاح ذلك بصورة اوضح من خلال الاتي:
1- ان قاضيا أوعضو النيابة لا يستطيع ممارسة عمله القضائي والوصول الى نتيجة سواء الفصل بالخصومة بالنسبة لقاضي الحكم او التصرف بالقضية بالنسبة لعضو النيابة دون مشاركة فاعلة واساس للمحامي ولمأموري الضبط القضائي (في القضاء الجنائي)، وللخبراء والفنيين كل في مجال اختصاصه ممن يتم الاستعانة بهم في القضايا والمنازعات المرتبطة بمسائل عملية او فنية او مهنية يصعب على القاضي وعضو النيابة معرفتها والالمام بها بالإضافة إلى خبراء الادلة والمترجمين والكادر الاداري المساعد والشرطة القضائية.. الخ ولذلك تأتي احكام وقواعد قانون السلطة القضائية في أي بلد لتشمل تحديد أجهزة السلطة القضائية ومكوناتها التي تشارك في مهمة تحقيق العدالة في المجتمع لتشمل كل المكونات السالف ذكرها ليس ذلك فحسب بل تأتي احكام قوانين السلطة القضائية في معظم دول العالم لتتضمن أحكاما قانونية تجيز اختبار محامين من المنتسبين لنقابات المحامين ليتم تعيينهم قضاة حكم او أعضاء ووكلاء ورؤساء نيابات في مختلف درجات السلك القضائي الأمر الذي يؤكد عدم صحة الرأي القائل بأن إشراك المحامين في عضوية مجلس القضاء والمحكمة الدستورية سيؤثر سلبا على استقلالية السلطة القضائية او على حياديتها.
2- إن المحاميين هم اكثر الشرائح إلماما ودراية بواقع تطبيق القوانين واللوائح الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية بما فيها من مزايا وعيوب ونواقص وتعارض يعيق تطبيقها ويؤثر سلبا على الغاية في تطبيقها وهي حماية الحقوق والحريات وتمكين المواطنين من حقوقهم ومن الطبيعي ان تكون مشاركتهم في عضوية مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الدستورية العليا ضامنا اساس لتمكين شريحة المحامين من الإسهام في اقتراح القوانين والتشريعات المتعلقة بشؤون السلطة القضائية او بشؤون المجتمع ككل بواسطة الهيئة المعنية بإدارة السلطة القضائية، بالإضافة الى المساهمة في مساعدة مجلس القضاء على وضع خطط وبرامج وسياسات تكفل تطوير واصلاح وتحسين أداء السلطة القضائية بكل مكوناتها من اجهزة تحقيق العدالة بما فيها الخبراء ومأموري الضبط القضائي والمحامين والشرطة القضائية باعتباره شريكة في تحقيق العدالة في المجتمع.
3- ان العيوب التي تعاني منها السلطة القضائية بسبب القصور في التأهيل العملي والتدريب الميداني لمخرجات كليات الحقوق والشريعة والقانون من الكادر البشري الذي يعمل في مختلف الاجهزة المعنية في تحقيق العدالة سواء الكادر القضائي او الاداري او المحامون او الخبراء او مأمورو الضبط القضائي يمكن معالجتها من خلال مشاركة اساتذة الجامعات في عضوية مجلس القضاء بحيث يتم وضع برامج مشتركة تكفل تدريب منتسبي كليات الشريعة والقانون والحقوق أثناء الدراسة في مرافق مؤسسات السلطة القضائية ومعالجة أوجه القصور في مناهج التعليم الجامعي من خلال البحوث والدراسات التي سيجريها طلاب الحقوق والشريعة والقانون أثناء دراستهم وتطبيقهم للمعارف النظرية وهو ما سيعزز كفاءة الكادر المنتسب إلى أجهزة تحقيق العدالة التي تشكل منظومة السلطة القضائية.
4- ان الانظمة القائمة على الفصل بين السلطات في أرقى بلدان العالم المتحضر والعالم العربي تتيح قوانينها مشاركة المحامين وأساتذة الجامعات في هيئات السلطة القضائية ومكوناتها.. وهنا نذكر الزملاء القضاة وأعضاء النيابة بان القوانين المنظمة لعمل المحاماة في جميع بلدان العالم تقضي أحكامها بمنح القاضي وعضو النيابة المستقيل او المتقاعد ترخيص مزاولة مهنة المحاماة بدرجته القضائية التي كان يشغلها فهل هذا يؤيد القول بان المحامين دخلاء على السلطة القضائية أو عامل تهديد لحياديتها واستقلالها كما يقول المعارضون أم إنه دليل لا يقبل الشك على ان القضاة والمحامين شركاء في تحقيق العدالة التي تعد الغاية من وجود السلطة القضائية في أي مجتمع .
اما القول بأن المحامين متحزبون فهذا القول يخالف الواقع لان نسبة المتحزبين من المحامين ضئيلة جدا مثل ما هو حال منتسبي السلطة القضائية من قضاة الحكم وأعضاء النيابة ولا توجد شريحة من شرائح المجتمع ليس لبعض أفرادها انتماءات حزبية وهذا الامر محسوم من خلال ما نصت عليه رؤية فريق بناء الدولة وما سيتضمنه الدستور الجديد وقانون السلطة القضائية الجديد اللذان سيجرمان العمل الحزبي للعاملين في أجهزة السلطة القضائية الأمر الذي يوجب على الزملاء في نادي القضاة مراجعة موقفهم من مشاركة المحامين وأساتذة كليات الحقوق والشريعة والقانون في عضوية مجلس القضاء والمحكمة الدستورية ومختلف مكونات السلطة القضائية وأن لا ينظروا للنصف الفارغ من الكوب كما يقال لانه لا يجوز اختزال السلطة القضائية على قاضي المحكمة وعضو النيابة فقط وفقا لما نعتقده.
والله من وراء القصد...
مقالات أخرى